قال الله تعالى في محكم كتابه المبين (وَلا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيماً)
ولقوله صلى الله عليه وسلم:
(من قتل نفسه بحديدة فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا و من شرب سما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا و من تردى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا)

المشكلة لاتكمن في أختلاط المواقف في تقييم عمليات الأنتحار التي يقدم عليها بعض (البهائم المفخخة) في العراق، فالأمر لايعدو الا أرباك في الفهم أو الأعتقاد الخاطيء وعدم التبصر في عقل المنتحر القاصر، الذي اقتنع أن انتحاره ورحيله عن الدنيا (الفانية) سيكون معبراً للوصول الى جنان الخلد.
ربما بسبب شخصي مثلما أفاد به الشارع بالأنتحار السعودي الذي القي القبض عليه في السماوة حين افاد انه أدمن على المخدرات ولم يجد منفذاً لأنقاذه وعلاجه، ونصحه شيوخه بأنه ميت لامحال، فلماذا لايمت بعملية أنتحارية في العراق ويطرق باب الجنة، ولهذا لم يجد خياراً اسهل من هذا الطريق، أو لربما أقتنع عن طريق تسلل مفاهيم شريرة تحت أغطية وأحاديث دينية لغايات تكمن في نفس يعقوب، أستطاع بعض شيوخ الدين أن يغرسوها داخل روحه المستجيبة بسذاجة لهذا الغرس المتنامي يومياً.
وحين ندخل في محاولة أيجاد الوسائل والسبل والطرق التي تكون سبباً في أقدام المنتحر على الموت في العراق، تاركاً اهله تحت رغبات المحرض الذي صور له العمل الانتحاري طقسا دينيا ومهمة انسانية نبيلة وخلاص دنيوي الى حياة خالدة، وهذا المحرض اذا كان ناقص الادراك او الارادة يعد الامر ظرفا مشددا في العقوبة الجنائية، ويعد مرتكبها مثل مرتكب جريمة القتل العمد حسب الاحوال.
فكرة الإنتحار.. هي فكرت الهروب من المواجهة..
عندما ينتحر الأنسان فأنه لا ينتحر بجسده فقط .. فالجسد مصيره الزوال، والحقيقة أن الأنسان حين يقدم على الأنتحار بطريقة تفجير الجسد، فأنه يقدم على أفناء جسده بقصد أيذاء الآخرين، بالأضافة الى كونه يقوم بنحر كافة أفكاره ومعتقداته وأباده عقله ومعتقداته بأخضاعها لموت يقرره بوازع شرير يمتليء به عقله لأيذاء الأخر .. فينحر أكرم نعمه منّ به الله عز وجل على بني البشر، ولهذا عد علماء علم النفس أن الأنتحار وسيلة من وسائل أنهاء الحياة يقدم عليها الشخص المتردد واليائس والجبان.
ويبدو ان تطويع النصوص المقدسة والأحاديث النبوية الشريفة من قبل بعض رجال الدين وجعلها وسائل أعلامية مضللة للعقيدة الأسلامية وتشكيل مفاهيم نازعة لتأسيس دين جديد لايمت للدين الأسلامي بصلة، ويتعارض معه جوهريا وشرعياً، بات اليوم واضحاً وضوحاً كبيراً بعد تبلور الفكر المتطرف في اماكن عديدة في العالم.
وأذ تعج المناطق المتخلفة في العالم بالأفكار التكفيرية، مثلما تعج المنطقة العربية بوجود اعداد جاهزة ويائسة وقابلة للانسجام مع هذا الدين الجديد، فقد تبلورت ظاهرة التطرف والنزوع نحو خلاص النفس من محيطها وواقعها العربي المزري بجنوح المنتحر الى توظيف جسده كوسيلة من وسائل الموت دون أن يتعرف على هويات أو اسماء الضحايا.
ولهذا انتشرت الظاهرة الأرهابية في المملكة العربية السعودية والكويت ومناطق الخليج قبل أن تستفحل في المملكة الأردنية وفلسطين ومصر والمغرب العربي.
ولم يعاني العراق من الظاهرة الأرهابية والتطرف الديني حتى قامت سلطة صدام بأستخدام التطرف ومجموعات التنظيمات الأرهابية لصالح توطيد اركان السلطة الصدامية، بقصد اخضاع الذهنية المتطرفة لصالح المؤسسة الأمنية.
ومن أهم المفاهيم الفكرية التي اعتمد عليها قادة الفكر التكفيري في المملكة العربية السعودية للترويج لأفكارهم وأرائهم وتوجهاتهم ومنهم الشيخ علي الخضير والشيخ ناصر الفهد والشيخ أحمد الخالدي بدأ بنشيد ردده أفراد الفئة الضالة هذا نصه: (فجروهم فجروهم حيث كانوا وانحروهم.. ابشروا يا عباد الله وأثبتوا إن تحرير فلسطين هو من هنا وتحرير أرض الجزيرة هو من هنا وإعادة بلاد الإسلام إلى مظلة الإسلام وإلى حكم الشريعة هو من هنا نحن إرهابيون والإرهاب طريقنا القتال ليعلم أننا إرهابيون وإننا مرعبون).
أن ظهور الفكر المنحرف بهذا الشكل يدلل بما لايقبل الشك محاولة الصاق تهمة الانحراف والتشوية في كوامن هذا الفكر في محاولة لتحريف الشريعة والدين الأسلامي بكل قيمه الأنسانية وبكل نعاليمه السماوية النازعة للخير والمحبة والتسامح والسلام. لتحل محلها قيم الغدر والأرهاب والنحر والقتال والتفجيرات وقتل الأبرياء وغدر النساء والأستقواء على الأسير وقتله وأرعاب الأطفال وخطغهم، كميزة من مميزات الفعل الأرهابي. غير أن بعض من رجال الدين الذين تصدوا لهذه الظاهرة الأرهابية المتفشية بين رجال الدين حيث وظفوا قدراتهم ونفوذهم النفسي والروحي بين نموذج من نماذج الشباب العربي المسلم وتحريضه ودفعه للموت.

وقد قال الشيخ عايض القرني / أنا لاحظت في قراءة هذا الفكر وفي مراجعه وفي كتبه والاتصال بأربابه أنهم سموا مسميات بغير أسمائها الشرعية فهم يسمون قتيلهم المنتحر في هذه العمليات شهيدا وهم مجاهدون ومن قتلوه إلى النار كافر ومن تترس فهو تبع من قتلوه أيضا والأموال غير معصومة وإنما مستباحة /.
وعلق الشيخ أحمد محمد بافضل على الفتاوى التي أصدرها قادة الفكر التكفيري قائلا / سبق أن صدر عن البعض فتاوى من عند أنفسهم مع الأسف لا يسندهم فيها كتاب ولا سنة ولا إجماع ولا قياس حرموا فيها ما أحل الإسلام وأحلوا ما حرمه ونتج عن هذه الفتاوى تضليل لبعض الشباب فقاموا بأعمال مخالفة للدين من قتل وترويع للآمنين /.
ودعا الشيخ بافضل في هذا الخصوص علماء الأمة الناصحين المرشدين إلى إيضاح الحق وتبيانه للشباب وقال إنهم أمانة في أعناقكم وستسألون عن هذه الأمانة شباب لا يزالون في حيرة من أمرهم حول ه-ذا الفكر الذي نتج عنه تشويه للإسلام وطمس لحقائقه الناصعة الهادئة. وعد الشيخ بافضل تراجع قادة الفكر التكفيري في المملكة وهم الشيخ علي الخضير والشيخ ناصر الفهد والشيخ أحمد الخالدي بأنه ليس حالة شاذة أو غريبة بل جاء بعد سنوات قليلة من تراجعات قادة الجماعة الإسلامية في مصر عن نفس الفكر الذي يتبناه هؤلاء بعدهم وقال لقد اعترفوا وتراجعوا ونشر هذا في مطبوعات متعددة ومن سعادة المرء وتوفيق الله له أن يعرف خطأه فيرجع إلى الصواب الذي يحبه الله قال جل شأنه / ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون/.
وأضاف قائلا / مما تقدم يتضح أن تراجعات هؤلاء الثلاثة ليست إلا عودة وتوبة ومعرفة للحق ورجوع إليه بعد أن سقطوا في انحراف فكري تجنى على الإسلام والمسلمين وبعيد عن صحيح العقيدة الصافية فهنيئا لهم هذا التوفيق وندعوا من بقي إلى التوبة إلى الله وإلى الرجوع إلى الحق قال الله تعالى / فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للإسلام ومن يرد أن يضله يجعل صدره ضيقا حرجا كأنما يصعد في السماء كذلك يجعل الله الرجس على الذين لا يؤمنون /.
وقال الدكتور عبدالله نصيف الأمين العام الأسبق لرابطة العالم الإسلامي في معرض تعليقه على الفتاوى المنحرفة / فكانت هذه الفتاوى الفردية التي صورت لهم وأيضا كتب ألفت من أجل تسويق الحرب بين المسلمين واستخدام البغي والعدوان والظلم في سبيل ما يدعون أنه تنقية بلاد الإسلام من أثر الاستعمار أو ما إلى ذلك من أقوال وهي بلوى من الفتوى الفردية والزعامات الموهومة والزعامات التي ليس لها قاعدة شرعية ولا علم ولا حكمة ولا بعد نظر.
وأعرب الشيخ عكرمة صبري مفتي القدس في تعليقه على الفتاوى المضللة عن قناعته بأن كل من أصدر فتاوى فردية سيتراجع عنها لما ترتب عليها من سلبيات كثيرة جدا وقال ممكن أن الذي كان يعطي فتاوى تكفيرية ما كان يتوقع خطورة هذه الفتاوى إلا بعد أن حصلت المآسي.
وأوضح الشيخ عكرمة صبري أن هناك ثمة خلط كبير ما بين الإنسان المسلم حين يقاوم محتلا كافرا وبين أن تدمر وتقتل أبرياء في ديار الإسلام فرق كبير جدا وقال نحن نقول لإخواننا العلماء الذين انحرفوا عن الطريق ينبغي عليهم أن يعودوا إلى جادة الصواب وأن يتراجعوا كما حصل مع بعضهم.
وانتبه بعض رجال الدين ممن كانوا يحرضون الشباب على الأنتحار والموت المجاني، وانتبهت بعض العقول التي كانت تسخر قدراتها وطاقتها في دفع البهائم المفخخة للموت بحجج مختلفة، راجعت نفسها وأعلنت توبتها.
فيقول احد المراجع التي افتت بلزوم القتل والأرهاب / أعلم أن هناك آخرة وأن هناك موتا وأن هناك يوما سوف تسأل فيه عن الدماء التي تزهق بغير حق وعن الأموال التي تزهق وعن الترويع للآمنين الذي يحصل من ذلك ولم يستفد من ذلك شيئا فأنا أقول بإخلاص وصدق وأتمنى ذلك من قلبي أن يتقي الله سبحانه وتعالى وأن يخشى الله في نفسه وفي مجتمعه وفي أهله ويترك هذه الأعمال ويلقي السلاح كفى من هذه الأعمال التي حصلت التي ينفطر منها القلب وتنفطر منها النفوس المؤمنة.
وهذه الصحوة وان بدت متأخرة الا أنها اعتراف صريح بالجريمة التي سيقترفها المنتحر حين يقدم على قتل نفسه وغيره من الأبرياء.
ووجه الشيخ ناصر الفهد رسالتين للفئة الضالة قال فيهما (الرسالة الأولى أقول لهم أن يتقوا الله في المسلمين وقد رأينا الحقيقة النتائج يعني قتلت نفوسا مسلمة معصومة هدمت بيوتا على ساكنيها روع الناس وحصلت أمور ما كنا نعتقد أن نصل إلى ما وصلت إليه فالرسالة الأولى أقول لهم أن يتقوا الله في الناس ويتركوا سفك الدماء والرسالة الثانية أن يتقوا الله في أنفسهم وأن يتوبوا مما عملوا والله سبحانه وتعالى يقول) ومن تاب من بعد ظلمه وأصلح فإن الله يتوب عليه إن الله غفور رحيم /.
أن تسطيح سمة وميزة من المميزات التي يمنحها الأسلام الى من يقدم نفسه دفاعاً عن عرضه أو ماله او دينه على انه جود من اقصى انواع الأيثار والجود، وعده في منزلة الشهادة التي لايمكن ان تطلق على المنتحر والبهيمة المفخخة.
وقد نعجب ان اعرابا تقيم مآتما لبهيمة مفخخة أقدمت على قتل نفسها وسط حشد من أبرياء العراق وفقراء المدينة، وقد نعجب أن أعراباً هزجوا لمسيل دم عراقي وأقاموا مآتما لبهيمة مفخخة قتلت عراقيين يقيمون عزاء لميت او لتجمع لتشييع متوفى في الموصل.
قد نعجب لأن اعراباً تلقوا التهاني من اعراب يبادلونهم المشاعر المتطرفة نفسها، فلاوجود لكلمات الله بينهم، وقد تأجلت كل قيم الأسلام بينهم، وصار القاتل بطلاً، وصيروا البهيمة شهيداً، وصار الذي يمارس اللواطة في بيت الله مرجعاً دينياً يتم تقليده والأقتداء به، وقد نعجب أن اعراباً يقطعون كل تلك المسافات ويعبرون الحدود ويتركون بيوتهم ليقدموا على قتل العراقيين الذين سيموتون بأرادة الله حتما فليس بينهم من يؤبد الحياة، وقد نعجب لأعراب يتركون بيوتهم وأعراضهم ومالهم وأهلهم ومسؤوليتهم وأوطانهم المحتلة ويتوجهون الى العراق ليقتلوا حلاقيه وخبازيه ويذبحون افراد شرطته تحت ضغط الفتاوى والتوصيات التي يطلقها الشيخ الذي احل لهم الذبح والنحر بالسكاكين واللواط في بيوت الله، فأن الله غفور رحيم مثلما أن الأسلام يجب ماقبله.
ولكن الضحايا من المسلمين والمسيحيين والأيزيديين والصابئة المندائيين وكلهم يقولون لاألله الا الله !!!!
ولكن الضحايا عراقيين عاشوا تحت نير الظلم الدكتاتوري والطغيان الصدامي وأعدموا اولادهم لتمسكهم بالصلاة والصوم وخربوا بيوتهم بسبب تمسكهم بتعاليم الأسلام التي تتعارض مع تعاليم القائد الضرورة !!
انهم عراقيون بأنتظار فتوى من رجال الدين تحدد لهم هل أن انتحار البهيمة المفخخة واجب شرعي ويحث عليه الدين الأسلامي ؟
انهم عراقيون بأنتظار الفتوى التي تحدد لهم كون المنتحر من الأرهابيين يستطيع أن ينفذ الصك الذي سلمه اياه شيخه بدخول الجنة ؟؟
انهم عراقيون بأنتظار فتوى من علماء الدين أزاء مايحصل من الحق والباطل، والساكت عن الحق شيطان أخرس، ومن رأى منكم منكراً فليغيره بيده،فأن لم يستطع فبلسانه، فأن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الأيمان، فهل نحن نعيش حالة أضعف الأيمان في العالم الأسلامي.