الأحداث والأزمات والصراعات والنزاعات المتوقعة والمتكررة والمفاجئة، والكوارث التي تعصف بالعالم تعلن عن ميلاد قوى الطبيعة كلاعب محوري للنظام العالمي المستقبلي، وتغيير مفهوم القوة في العلاقات الدولية وتحول التغير المناخي وتداعياته ليصبح أشبه بقوة عالمية أولى دون منازع.

الأحداث والصراعات تحتاج لتسخير الفن الدقيق للرسائل المقنعة، والنداءات العاطفية، وسرد قصص لحشد التعاطف والتضامن، وتتطلب متحدثين ورسائل تلامس سطح الوعي للفرد في المجتمع، ويتردد صداها مع التيارات النفسية الأساسية التي تحرك السلوك البشري، وحملات لم تصمم ليتم رؤيتها أو سماعها فحسب، بل من خلال التقنيات المتقدمة للغاية كأهم أدوات الدول لإدارة الأحداث الكارثية، من الممكن الشعور بتلك الإنذارات الاحترازية على المستوى العاطفي، والاستفادة من النسيج الغني للمشاعر الإنسانية لتعبئة الجماهير نحو وجهة محددة مسبقاً، سواءً كان الأمر يتعلق بتحفيز الرأي العام أو تغيير عادات المتلقي وسلوكه، أو توليد الولاء لمنظومة أو قيمة ما، وإنشاء قصص تتوافق مع القيم والدوافع الأعمق لدى الجمهور بمختلف توجهاته ومعطياته.

تدور استراتيجية التأثير النفسي للجمهور في جوهرها حول الاعتراف بالعوامل المعقدة، والتي غالباً ما تكون غير واعية والتي تؤثر على خياراتنا اليومية، ومعالجتها ببراعة تتجاوز المعاملات لخلق تفاعل تحويلي حقيقي، وبهذا النهج الاستراتيجي ترتقي العلاقات العامة لمستوى فني لا يتواصل مع الجمهور مؤسسياً فحسب، بل يتواصل معه أيضاً على المستوى الذاتي كجزء من فريق إدارة الأزمة.

كما يتطلب إنشاء برنامج متكامل للتأثير على الرأي العام ومن ثم المزاج العام وخلق ظاهرة إعلامية تحديد أهدافاً واضحة، وقابلة للقياس للظاهرة الإعلامية التي يرغب في إنشائها، وتحليل الجمهور من حيث البحث عن الجمهور، وتقسيمه إلى شرائح استناداً إلى التركيبة السكانية والخصائص النفسية وعادات استهلاك الوسائط، ومن ثم تطوير الرسالة حيث يتم صياغة رسائل رئيسية تلقى صدى لدى كل شريحة من شرائح الجمهور، وتتوافق مع القيم الثقافية والروحية والاهتمامات المبطنة، وتحديد القنوات الإعلامية الأكثر فعالية (التقليدية والرقمية)، بل وخلق قنوات جديدة للوصول إلى الجمهور وجعل رأيه جزءاً من إنشاء المحتوى، والجمهور نفسه من يقوم بتوزيعه إلى جانب التوزيع الرسمي.

وهناك العدد من الدراسات التي تم إجراؤها في مختلف المجتمعات لتسليط الضوء على كيفية استخدام الدول لاستراتيجيات وسائل الإعلام والرأي العام للتأثير على الجمهور، ومنها على سبيل المثال استراتيجية العلاقات العامة التي استخدمتها حكومة الولايات المتحدة للإعلان عن جهود التعافي بعد أن دمر إعصار «ماريا» البنية التحتية لبورتوريكو، وتسليط الضوء على دورها في توفير البنية التحتية الحيوية، وذلك كتوفير 300 مولد للطاقة للمساعدة في إعادة تطوير بورتوريكو، والتصوير الفوتوغرافي من الهواة والمحترفين لتوضيح جهود الحكومة في التعافي، ناهيك عن لقطات الفيديو بطائرات من دون طيار والتوثيق المرئي، والذي هو ضرورة لسرد القصص وإظهار تأثير ما بذل من جهود، وتعيين الخبراء وجعلهم متاحين لإجراء المقابلات والتعليق على الإجراءات وتوجيه النصائح والإرشادات.

نفذت تلك الحملة أكثر من 500 عرض إعلامي واستخدمت قوائم إعلامية مستهدفة، مما أدى إلى نشر أكثر من 300 قصة إخبارية عبر منافذ إخبارية رئيسية وفرعية، وإشراك كل قنوات التواصل الإجتماعي لإيصال الرسالة بإيجابية، حيث حققت تلك الحملة تغطية وصلت إلى أكثر من 665 مليون ظهور إعلامي ومشاركة كبيرة من جماهير الدول المختلفة، مما أدى إلى تضخيم جهود الإدارة الأميركية وسرد القصص المقنعة في حملة علاقات عامة لتوجيه انتباه الجمهور وتشكيل السرد حول قضية وطنية بنكهة عالمية.

وهناك حملات لا تعد ولا تحصى في مختلف دول العالم تتمايز من حيث جودة النشر والمضمون، واستخدام المنهجية العلمية غير العشوائية بعيداً عن الفزعة الإعلامية وتقزيم أهمية محترفي سيكولوجيا التعامل مع تبعات الكوارث قبل وأثناء وبعد حدوثها، والمتخصصون في علم نفس الإعلامي، والذي أكاد أن أجزم أنهم ليسوا ضمن ترسانة أي دولة غير متقدمة في فكر إدارة الأزمات ومخاطر الكوارث.