ظلت التقارير الاخبارية والتحليلات السياسية المتعلقة بالعراق تلقي بمسؤلية اعمال مايسمى بالمقاومة في العراق على الجماعات الاسلامية المتطرفة بشكل اساسي، اما دور حزب البعث المنحل في هذه ( المقاومة) فقد ظل في نظر اغلب المتابعين للشأن العراقي ثانويا وتابعا للجماعات الاسلامية المتطرفة. غير ان اعتقال عدد من القادة البعثيين الميدانيين في الفترة الاخيرة كشف الدور الكبير الذي تلعبه ( بقايا حزب البعث ) في تدهور الاوضاع الامنية في العراق، فقد قال وزير العدل العراقي مالك دوهان الحسن:
( أن الحكومة حصلت على أدلة بوجود أربعة من قيادات حزب البعث والاستخبارات السابقة يقيمون في دولة مجاورة ". وأضاف: "هذه الشبكة انكشفت للسلطات الأمنية العراقية بعد اعتقال شخصية مهمة من النظام السابق اعترفت بشكل تفصيلي عن دور القادة الأربعة". وتابع: "أشار جزء من الاعترافات إلى ان رئيس النظام السابق صدام حسين ارسل هؤلاء إلى الخارج وزودهم أموالاً طائلة وحدد لهم مهمة خاصة هي قيادة العمليات المسلحة بعد سقوطه)(الحياة 10-11 -2004 ) كماان وزير الداخلية العراقي فلاح النقيب كشف خلال مؤتمر صحفي عقده في 16 - 11 -2004 ان (جيش محمد) هو الجناح العسكري لحزب البعث المنحل ويقوده البعثي المدعو مؤيد ياسين احمد الذي اعترف بعد اعتقاله بان ( جيش محمد) ( انشئ في ابريل (نيسان) 2003 بأمر شخصي من الرئيس السابق صدام حسين )) وتم اعتباره الجناح العسكري لحزب البعث-الشرق الاوسط -17 -11 -2004 )».
غير ان هذه المعلومات التي تكشفت مؤخرا لا تغطي الاّ جانبا بسيطا من حكاية طويلة عنوانها: (العمل على استعادة حزب البعث للسلطة في حالة سقوط نظامة).ولم تكن هذه الحكاية وليدة حدث السقوط المدوي في التاسع من نيسان عام 2003 بل هي اقدم من ذلك بكثير حيث بدأت فصولها الاولى مع نجاح حزب البعث في الاستيلاء على السلطة في العراق عام 1968.ويمكن تقسيم هذه الحكاية الى اربعة اجزاء رئيسية هي:
الجزء الاول: توفير المصادر المالية.
بعد استيلاء حزب البعث على السلطة في العراق عام 1968 ظل هاجس احتمال سقوط النظام يقلق بال قياديي حزب البعث، وخاصة صدام حسين، بشكل كبير،وكانت نقاشات قيادة البعث العراقي تتجه الى كيفية توفير مصادر ماية تساعد على استعادة السلطة في حال فقدانها.وبعد تأميم الشركات النفطية الاجنبية العاملة في العراق تسربت اشاعات عن تخصيص نظام البعث نسبة 5% من واردات النفط العراقي (وهي حصة كولبنكيان المؤممة) لتمويل عملية اعادة حزب البعث للسلطة في حال اسقاطه.غير ان هذه المعلومة ظلت مجرد( دعاية) انتشرت في اواسط السبعينات ثم خبت ولم تدعمها اية وثائق رسمية نظرا للسرية التي تطبع اغلب نشاطات النظام وعدم قيامه بنشر اية معلومات توضح ابواب الانفاق الحكومي.
وبعد عام 1991 بدأت التقارير الاخبارية تترى عن وجود اموال تخص صدام وعائلته في المصارف الاجنبية،وقد ذكرت احدى التقديرات ان ارصدت عائلة صدام تتجاوز ثلاثين مليار دولار امريكي. ونظرا لتكاثر اللغط حول هذا الموضوع بادر النظام الى اصدار تكذيب رسمي على لسان طارق عزيز الذي قال: ان من يجد مثل هذه الاموال فليأخذها له!!.وقد قامت الكويت بعد تحريرها بتكليف شركة( المحاسبين الدوليين) الامريكية لتتبع اموال صدام، ولم تحقق هذه الشركة الا نتائج محدودة نتيجة التحوطات الواسعة التي لجأ اليها النظام الصدامي لحماية امواله من الانكشاف. كما ان تقارير كثيرة تحدثت عن تلاعب صدام ببرنامج النفط مقابل الغذاء لسرقة مبالغ كبيرة وقد (قال تحقيق أجرته لجنة تابعة لمجلس الشيوخ الامريكي ان نظام الرئيس العراقي السابق صدام حسين جني أكثر من 21 مليار دولار من خلال العمولات والتهريب قبل واثناء برنامج الامم المتحدة للنفط مقابل الغذاء اي ما يعادل ضعفي المبلغ الذي اشارت اليه تقديرات سابقة(الشرق الاوسط 16-11-2004 ). يضاف الى ذلك ان صدام واولاده نهبوا مبالغ كبيرة من البنك المركزي العراقي قبل سقوط النظام.وبالرغم من صعوبة معرفة حجم الاموال التي استولى عليها اركان النظام الصدامي بمختلف الوسائل طيلة مدة حكمهم للعراق الاانه يمكن الجزم بأن هناك مبالغ كبيرة تحت تصرف قيادة حزب البعث الحالية تمكنها من الصرف ببذخ على مايسمى بعمليات المقاومة..
الجزء الثاني: وضع الخطط التفصيلية.
لقد كانت انتفاضة اذار 1991 زلزالا كبيرا هز كيان النظام وقلب حساباته،ولعل امرّ الحقائق التي اكتشفها صدام من خلال هذه الانتفاضة هي حقيقة البناء الهزيل لحزب البعث حيث هربت اغلبية الاعضاء ولم تبد اية مقاومة جدية دفاعا عن النظام، لذا فان صدام قام بعد قمع الانتفاضة باعادة تشكيل قيادات الحزب الميدانية بناء على موقف الاعضاء اثناء الانتفاضة، كما أمر بتشكيل لجان تقوم باجراء دراسة شاملة عن اسباب سقوط النظام في اربع عشرة محافظة ووضع الخطط اللازمة لعدم تكرار ( الغفلة) على حد تعبير عدي الذي كتب عدة مقالات في جريدته ( بابل) حول هذا الموضوع.وبناء على النتائج والتوصيات التي توصلت اليها الجنة او اللجان قام النظام بوضع خطط تفصيلية لحماية النظام من السقوط ولارجاعه الى السلطة في حال سقوطه.كانت تلك الخطط تنطلق من ستراتيجية تتكون من ثلاثة نقاط هي: اولا:منع قيام اي انتفاضة شعبية في حال دخول القوات الامريكية للعراق. ثانيا جر القوات الغازية الى حرب شوارع لانزال خسائر كبيرة بصفوفها تجبر الادارة الامريكية على وقف القتال على الاقل. ثالثا: تنظيم مقاومة واسعة في حال اسقاط النظام لاجبار الولايات المتحدة على عقد صفقة تتضمن اعادة البعث الى السلطة.
الجزء الثالث: الاستعداد.
بعد اتساع التهديدات الامريكية للنظام في اواخر عام 2002 قام النظام وبناء على تلك الخطط التي اشرنا اليها باتخاذ عدة اجراءات يمكن تقسيمها الى نوعين. النوع الاول هي اجراءات علنية اهمها تقسيم العراق الى اربعة مناطق عسكرية ووضعها تحت امرة القيادات الحزبية لا العسكرية، وقد وضع القاطع الجنوبي تحت امرة على حسن المجيد ( الملقب بالكيمياوي) نظرا للخطورة التي يشكلها الجنوب على امن النظام ولخبرة (ومؤهلات) علي الكيمياوي بقمع الثورة الكردية في عمليات( الانفال) وقمعه الوحشي لانتفاضة الجنوب عام 1991.
النوع الثاني هي اجراءات سرية اهمها تأسيس وبناء قواعد محكمة لشبكة مقاومة منتشرة في انحاء العراق جاهزة لممارسة عملها بعد اسقاط النظام، وتشمل اوكار سرية مزودة بكل مستلزمات المقاومة من مال وسلاح ومتفجرات متطورة ووسائل نقل واتصال بالاضافة الى العنصر البشري المدرب..ولاشك ان نهب وتدمير مؤسسات الدولة ومنع اعمار العراق وعرقلة استقراره وتخويف وترويع العراقيين يدخل في صلب هذا المخطط.
الجزء الرابع:مابعد السقوط
اصبح حزب البعث بعد سقوط نظامه في التاسع من نيسان في وضع مزري جعل كوادره،حتى وان كانوا غير مطلوبين للاعتقال لدى سلطة قوات التحالف، غير قادرين على الظهور العلني بسبب العداء الشعبي الواسع ومحاولة عوائل ضحايا النظام الأنتقام منهم مما دفع بكل الكوادر الحزبية في جنوب ووسط العراق الى الهرب والاختفاء في مناطق ثانية. كما ان عناصر كثيرة من شبكة المقاومة التي اسسها النظام قبل سقوطه تخلت عن الحزب ورفضت العمل ضمن هذه الشبكة، وقد تسربت اخبار كثيرة عن تهديدات تلقاها البعثيون من (رفاقهم) بسبب رفضهم التعاون مع القيادة البعثية الجديدة. ان السهولة التي سقط فيها النظام ومطاردة ابناء الشعب العراقي الواسعة لعناصر السلطة الساقطة والبدء باجراءات اجتثاث البعث اربك قيادة البعث وشتتها وشلّ قدرتها على تنفيذ مقاومة بعثية فعّالة في انحاء العراق. ولكن اخطاء الادارة الامريكية وعوامل اخرى منحت البعث فرصة لأتقاط الانفاس واعادة ترتيب وتفعيل شبكة المقاومة التي تم تأسيسها قبل الحرب بعدة اشهر. وقبل الحديث عن المقاومة البعثية لابد من التطرق الى العوامل التي ساعدت زمر البعثيين على تنظيم مقاومة شرسة وهمجية ومؤثرة. ان اول واهم العوامل التي خدمت الزمر البعثية هي الاخطاء الامريكية القاتلة والتي يأتي في مقدمتها عدم انشاء حكومة عراقية مؤقتة بعد احتلال العراق والاتجاه بدلا من ذلك الى تهميش دور القوى السياسية العراقية وحكم العراق حكما مباشرا سواء بواسطة حاكم عسكري ( الجنرال جي كارنر) او بواسطة حاكم مدني ( بول بريمر) في حين كان المنطق والتجارب الدولية ونصائح الكثيرين ومطالبات ابناء الشعب العراقي تقول بضرورة اقامة حكومة عراقية مؤقتة تاخذ على عاتقها ترتيب اوضاع العراق لحين اقامة حكومة منتخبة.ان هذا الخطأ ادى الى شلل الحياة في العراق والى انفلات امني واسع وفوضى سياسية عارمة. اما الخطأ الاخر الذي لايقل خطورة فهو حل الجيش العراقي دفعة واحدة والاعتماد على القوات الامريكية لمعالجة الملف الامني. ان هذا الاجراء فضلا على تركه فراغا امنيا كبيرا فانه وفر لقياد ة البعث جيشا من الاصدقاء القدامى العاطلين عن العمل والمستعدين للانخراط في المخطط البعثي لاستعادة السلطة.وماذا عن ترك مخازن ومستودعات الجيش العراقي عرضة للنهب والسرقة؟ ان هذا الخطأ زود الارهابيين والمجرمين واللصوص بترسانة من الاسلحة والمتفجرات المجانية والتي تستخدم اليوم بنشر الخراب في ارجاء العراق. اما الخطأ القاتل الاخر فهو الاعتماد في تشكيل مجلس الحكم والحكومة المؤقتة على مبدأ المحاصصة الطائفية والاثنية بدلا من الاعتماد على اساس سياسي وطني. أن هذا الاسلوب، الذي بدا باعين الطائفة السنية وكانه محاولة لتهميش دورها( التأريخي)،ساهم في اثارة غضب هذه الطائفة، وبالتالي جعل من المناطق السنية مرتعا لنشاطات الزمر البعثية. اما الخطا الاخر الكبير فهو خطأ التقديرات الامريكية حول احتمالات نشوء مقاومة عنيفة وحول امكانيات حزب البعث المنحل بتنظيم هكذا مقاومة، وقد اعترف عدد من مسؤولي الادارة الامريكية بهذا الخطا غير انهم لايزالون يحمّلون المجموعات الاسلامية المتطرفة المسؤولية الكبرى عن اعمال مايسمى بالمقاومة ويقللون من دور حزب البعث المنحل. ورغم النشاط الواسع للعناصر البعثية في داخل العراق (لكن المسؤولين الأميركيين يقولون انه ليست هناك أدلة تشير الى أن حزب البعث يحاول أن يعيد تنظيم نفسه -الشرق الاوسط -20 -5-2003). ان هذا الخطأ قاد الى عدم فاعلية وجدية قانون اجتثاث البعث مما مكن الزمر البعثية من امتلاك حرية التحرك والعبث بامن المواطنين حتى انه يخيل اليك ان حزب البعث لايزال في السلطة. واين ماتكون (في التاكسي.. في الفندق.. في المطعم.. وفي المحال التجارية والبيوت، تتكرر على مسامعك شكوى الناس الرئيسية من انعدام الامن وانفراط النظام، وهو ما تعزوه غالبية السكان الى بقاء قيادات حزب البعث والمؤسسات والمنظمات العسكرية وشبه العسكرية والمدنية التابعة له مطلقي السراح واحتفاظهم بمسؤولياتهم الادارية السابقة، فيما لا يزال اعضاء الحزب يحتفظون بكامل اسلحتهم وتجهيزاتهم العسكرية)عدنان حسين - الشرق الاوسط -20 -5-2003.
ثم زاد الطين بلة مجيء الدكتوراياد علاوي كرئيس للحكومة المؤقتة والذي اعاد اعداد كبيرة من البعثيين الى المراكز الامنية الحساسة وجمّد عمليا قانون اجتثاث البعث واعطى بذلك للبعث فرصة كبيرة للعبث بالاوضاع الامنية من خلال عناصره التي انتشرت في وزارات الدفاع والداخلية وفي اجهزة الشرطة وباقي الاجهزة الامنية.
ولكن رغم ان هذه الاخطاء وفرت لقيادة البعث الجديدة، التي تشكلت بعد اعتقال صدام ومقتل ولديه عدي وقصي،فرص كثيرة لشن مقاومة بعثية مؤثرة الا ان هذه القيادة واجهت معضلة خطيرة ومدمّرة وهي ان خططها الهادفة الى اعادة البعث للسلطة ليست فقط لاتحضى باي دعم شعبي بل وتواجه معارضة شعبية واسعة،ولهذا قررت اخفاء الطابع البعثي عن العمليات الارهابية والتخريبية التي ينفذها البعثيون والتستر وراء مسميات اخرى، في مقدمتها الدينية، من خلال انشاء تنظيمات تحمل اسماء دينية او وطنية وقومية والتغلغل في كل التنظيمات التي اعلنت (مقاومتها) للاحتلال فضلا عن التنسيق معها.واذا كانت التحقيقات قد كشفت بعثية (جيش محمد) فان الايام ستكشف (بعثية) تنظيمات اسلامية اخرى فضلا عن تغلغل وسيطرة البعثيين على اغلب تنظيمات مايسمى بالمقاومة في العراق.وبغض النظر عن اية معلومات ظهرت او ستظهر عن دور حزب البعث المنحل في التدمير الحالي الذي يجري في العراق فان العراقيين وحتى البسطاء منهم اخذوا يلقون بتبعية انهيار الاوضاع الامنية بعد سقوط النظام على العناصر البعثية (وتسمع هنا -في العراق - تأكيدات من الناس العاديين، فضلا عن المسؤولين في الفصائل السياسية العراقية، بأن اعمال السلب والنهب واطلاق النار عشوائيا وتفجير القنابل واختطاف الفتيات وخصوصا الطالبات واغتصابهن، المتواصلة دونما انقطاع في بغداد ومدن اخرى وعلى الطرق الرئيسية، انما يقوم بها اعضاء في حزب البعث، او هم يحرضون عليها وينفذها مجرمون محترفون كانوا سجناء واطلق سراحهم جميعا ـ عددهم بعشرات الآلاف ـ في عفو عام اصدره صدام حسين قبل اسابيع قليلة من بدء الحرب)عدنان حسين - الشرق الاوسط -20-5-2003.
وهناك عدة شواهد واضحة تشير الى( بعثية) اغلب العمليات الارهابية الجارية في العراق ومن هذه الشواهد دقة التخطيط والتنفيذ التي تتميز بها اغلب عمليات مايسمى بالمقاومة التي تشير الى خبرة المخططين والمنفذين وامتلاكهم لمعلومات دقيقة عن الأماكن والمواقع والاشخاص المستهدفين وهذا يتطلب وجود جهاز استخباراتي ضليع بالشؤون العراقية لتحديد المواقع والاشخاص المطلوب استهدافهم وهذه الخبرة متوفرة في المقاومة البعثية التي كانت عناصرها تعمل في الاجهزة الامنية ولها معرفة واسعة بكل الابنية الحكومية ولها اذرع ممتدة في كل الدوائر الامنية الجديدة التي انشئت بعد سقوط النظام. فاذا افترضنا ان مجموعة الزرقاوي او اية مجموعة اسلامية متطرفة تمتلك خبرة كافية في تفخيخ السيارات وزرع العبوات الناسفة فهل تمتلك مثل هذه المجموعات، حتى وان كانت عراقية، مثل هذا الجهاز المخابراتي الذي يعرف تفاصيل دقيقة عن اماكن تواجد وتحركات الاشخاص المستهدفين؟الشاهد الاخر الذي يشير الى ( بعثية) اغلب عمليات مايسمى بالمقاومة هو امكانياتها المادية الهائلة التي لاتتوفر حتى عند اجهزة الدولة العراقية، فسيارات (المقاومة) حديثة واوكارهم عامرة بالاموال والواد الغذائية ويستخدمون الريموت كونترول لتفجير العبوات المتفجرة عن بعد ويستأجرون المجرمين واللصوص والعاطلين عن العمل لقاء مبالغ مالية مغرية، وهكذا امكانيات تشير الى وجود ممول واسع الثراء لايتوفر الأ لعناصر البعث المنحل حيث امّن النظام الصدامي اموال طائلة لمثل هذا اليوم كما اشرنا في البداية.
لقد كان من المقرر ان تنطلق شبكة خلايا المقاومة البعثية،التي اسسها النظام قبل سقوطه، في انحاء العراق بفعالية وقوة بعد سقوط النظام مباشرة، وعدم ترك (العدو) يلتقط انفاسه. غير ان هذا لم يحصل واحتاج البعث الى عدة اشهر لينظم مقاومة محدودة ومحصورة في مناطق مايسمى ب( المثلث السني) وبعض مناطق بغداد، اما في الوسط والجنوب والشمال فقد هزم البعث شر هزيمة وفرّت اغلب كوادره، وخاصة عناصر الاجهزة الامنية، الى مناطق (المثلث السني) وبعض مناطق بغداد لتلتحق بشبكة المقاومة البعثية هناك.فلماذا اصبح المثلث السني ملاذا للبعث وقاعدة لنشاطه التخريبي؟ بدايةلايمكن القول ان صدام اعتمد في حكمه على ابناء الطائفة السنية فقط، كما ان من الظلم تحميل السنة، كطائفة، مسؤولية الجرائم الشنيعة التي ارتكبها النظام الصدامي ضد ابناء العراق، ومن الظلم ايضا اغفال دور المواطنين السنة في النضال ضد النظام الصدامي وتقديمهم التضحيات الكبيرة، ولكن ايضا لايمكن اغفال حقيقتين هامتين، الاولى تمتع اعداد كبيرة من ابناء هذه المناطق بامتيازات هائلة في عهد النظام السابق نتيجة عملهم في خدمة النظام وانتشارهم في اهم المراكز الحساسة كوزارات الدفاع و الداخلية والاجهزة الامنية واجهزة الحماية الخاصة وغيرها من الاماكن التي توفر لشاغليها امتيازات كثيرة وكبيرة. اما الحقيقة الثانية فهي تمتع المناطق والمدن السنية بامتيازات يحسدها عليهم ابناء المحافظات (السوداء) التي تحولت الى خرائب. وليس صدفة تحوّل البصرة مثلا الى اطلال تنعى (ثغر العراق الباسم) في الوقت الذي تحولت فيه ناحية تكريت الى مركز محافظة مهمة تزخر بالعمران.وليس من دون معنى عدم مشاركة مايسمى الان بالمثلث السني في انتفاضة اذار عام 1991 رغم ان الدوافع الوطنية لانتفاضة عام 1991 كانت اكثر وجاهة وصدقية من (انتفاضة)المثلث السني الحالية. ولاشك ان عدم مشاركة المناطق السنية بانتفاضة اذار منحها صفة ( المحافظات البيضاء) واكسبها مزيدا من الامتيازات ومنح اعداد كبيرة من ابنائها فرصة الثراء الباذخ. ان فقدان هذه الامتيازات بعد سقوط النظام لابد ان يولد غضبا واستياء عند فاقديها وان هذا الاستياء فاقمه الشعور بالغبن الذي ولدته سياسة المحاصصة الطائفية الخاطئة التي اشرنا اليها مما جعل المناطق السنية قاعدة امينة للبعثيين الذين رفعوا راية مقاومة الاحتلال متسترين بعناوين اسلامية تداعب مشاعر السكان هناك.ولكن اذا كان البعث في يوم من الايام (نعمة)على سكان المناطق السنية فهو يشكل اليوم نقمة كبيرة عليهم، لان دعمهم، المقصود او غير المقصود، للعناصر البعثية سيشوه اي نضال وطني مشروع يقومون به ويصوّره وكانه محاولة لاعادة البعث،وبالتالي سيكسبه طابعا معاديا لاماني اغلبية العراقيين وسيعمق بالتالي الانفصال النفسي بين سكان المناطق السنية وباقي سكان العراق الذين يرون في عودة البعث كارثة عظمى لايمكن السماح بها. ان ما اعطاه البعث لسكان هذه المناطق بيد (السلطة) سيأخذه منهم بيد( المقاومة) لأن اماني حزب البعث الحالية بالعودة للسلطة هي مجرد اوهام لن تتحقق، وان الزمن لن يعود الى الوراء، وأن ارتباط سكان تلك المناطق بلعبة البعث سيجر عليهم الويلات كما حدث في الفلوجة، فقيادة البعث الحالية لاتوافق على اي حل وطني سلمي يؤدي الى استقرار العراق لان كل عناصر هذه القيادة الجديدة متهمة بارتكاب جرائم كبرى ولايلائمها غير التدهور الشامل للأوضاع في العراق ولذا فانها تسعى لعرقلة الأستقرارالسياسي والأمني وتقوم بنشر الخوف والأرهاب والتدمير في كل مكان.ولاشك ان هذه الأهداف البعثية تتعارض مع مصالح العراقيين بما فيهم سكان المناطق السنية، ولذا فأن اجتثاث البعث في هذه المناطق السنية يكتسب اهمية اكبر من اهمية اجتثاثه في باقي ارجاء العراق للحفاظ على سلامة ابناء هذه المناطق وعلى وحدة العراق واستقراره.ان العمل الجدي والحاسم على اجتثاث البعث هو الطريق الأهم الذي سيؤدي الى القضاء على الارهاب في العراق، اما التنظيمات الدينية السلفية الارهابية، رغم صيتها الذائع حاليا،فانها ستموت بموت البعث لانها غريبة عن المجتمع العراقي ومحدودة الانصار والامكانيات ولاتتمتع حتّى في اوساط السنة الأ بتأييد عدد ضئيل من السلفيين،وان قوتها الحالية متاتية من تحالفها وتنسيقها مع حزب البعث وبدونه ستصاب بالشلل التام.

*اعلامي مقيم في كندا
[email protected]