استطاع الدكتور اياد علاوي اقناع الادارة الامريكية بأن طريقة تعاملهم مع حزب البعث والمتمثلة بتطبيق قانون اجتثاث البعث،الذي اصدره السفير بول بريمر في السادس عشر من ايار- مايو - عام 2003،هي اهم احد العوامل التي ادت الى عدم الاستقرار في العراق، وعرض عليهم خطته البديلة التي يمكن تسميتها ب ( وفقنة البعث ) اي دمج البعث في حركة الوفاق واعادة تاهيل البعثيين ودمجهم في (العملية السياسية الجارية في العراق) بعد اعادتهم الى وظائفهم السابقة. ولعل اقتناع الادارة الامريكية بهذا الطرح (الوفاقي)كان في مقدمة الاسباب التي ساهمت في اختيار الدكتور اياد علاوي كرئيس للحكومة العراقية المؤقتة. وفعلا باشر رئيس الوزراء المؤقت بتنفيذ خطة (الوفقنة) بعد استلامه مهام وظيفته مستهلا نشاطه بتحجيم عمل هيئة اجتثاث البعث وارجاع اعداد كبيرة من البعثيين الى وظائفهم، ففي وزارة الداخلية وحدها تم ارجاع 940 عنصرا بعثيا حسب ماذكرته وكالة فرانس برس يوم 25-11-2004 نقلا عن السيد سامي العسكري رئيس ديوان الرقابة في هيئة اجتثاث حزب البعث. وقد بذل الدكتور اياد علاوي جهود كبيرة لاقناع البعثيين بخطته والتقى بعناصر قيادية من (المقاومة)، والتي هي عناصر بعثية، وابلغهم بان عودة النظام السابق مستحيلة وان مقاومتهم محكوم عليها بالفشل وليس امامهم سوى التعاون معه والاندماج ب(العملية السياسية الجارية في العراق)،وطمأنهم بعدم الملاحقة القانونية لغير الصداميين المتهمين بارتكاب جرائم ضد ابناء الشعب العراقي.
غير ان خطة (وفقنة البعث) فشلت فشلا ذريعا وملحوظا وادت الى نتائج عكسية تماما حيث اتسع نطاق وحجم المقاومة البعثية بسبب ارجاع عناصر البعث الى الاجهزة الامنية وتعطيل قانون اجتثاث البعث، واكتشف الدكتور علاوي ومعه الادارة الامريكية ان اغلب العناصر البعثية التي تم ارجاعها تقوم بخدمة (مقاومة )البعث بدلا من (الاندماج في العلية السياسية الجارية في العراق) كما تاكد لقيادة قوات الائتلاف بان ( المقاومة) هي بعثية الاهداف والوسائل، وان اجتثاث البعث هو السبيل الأمثل للقضاء على الارهاب في العراق، لذا قررت شن هجوم واسع على الفلوجة وباقي معاقل البعث كالموصل والرمادي وبعقوبة وتكريت ومناطق (مثلث الموت) كما اضطرالدكتور اياد علاوي الى التسليم بفشله والعودة ثانية الى تفعيل قانون اجتثاث البعث وصدر تعميم من الامانة العامة لمجلس الوزراء يوم 24-11-2004 يؤكد على ( عدم جواز قيام اي جهة باعادة المشمولين بقرارات الاجتثاث دون الرجوع الى الهيئة) وطرد البعثيين الذين تمت اعادتهم في مرحلة التساهل لان عودتهم (تعتبر باطلة لانها صدرت خلافا لحكم القانون ). غير ان هذا الفشل لايعني تخلي( حركة الوفاق الوطني) عن فكرة( وفقنة البعث) لان الحركة تعتبر (جماهير البعث) جماهيرها وتعتقد بامكانية اعادة تأهيل البعثيين وجعلهم منسجمين مع توجهات الحركة الديمقراطية بعد ظمهم اليها، وفي هذا الاعتقاد خطر كبير ليس على حركة الوفاق فحسب بل وعلى مستقبل العراق. ان المخاطر التي ستواجه (حركة الوفاق الوطني) هي احتمالات تخمتها (بفضلات) البعث مما يؤثر على تركيبتها في المستقبل القريب، وليس مستبعدا نشوء تكتل بعثي صدامي مؤثر في داخل حركة الوفاق ينجح في ازاحة قيادة الدكتور اياد علاوي لصالح قيادات صدامية وتتم( بعثنة) الوفاق. ان حزب البعث يواجه اليوم حملة عسكرية وامنية قوية ادت الى قصم ظهره، وفي حالة كهذه لابد ان يلجأ البعث الى تطبيق اهم طرقه ( النضالية) وهي( الانحناء امام العاصفة حتى تمر) وهذا الانحناء سيتخذ عدة اشكال اهمها الاحتماء (بفيء) حركة الوفاق، وستشهد المرحلة الحالية والّلاحقة انظمام اعداد كبيرة من البعثيين لحركة الوفاق بانتظار مرور العاصفة مما يجعل الوفاق ينوء باحمال البعث ويواجه مخاطر البعثنة. اما الخطورة التي ستواجه الشعب العراقي في حال بعثنة الوفاق فاهمها خطر الانقلاب العسكري بعد انسحاب قوات الائتلاف الدولي من العراق، فتسلل العناصر البعثية الى حركة الوفاق سيمكنها من التسلل الى مواقع امنية وعسكرية حساسة وهنا مكمن الخطر، وهناك تجارب دولية كثيرة استولى فيها العسكر على السلطة الشرعية المنتخبة والغوا كل مظاهر الديمقراطية واعادوا البلد الى نقطة الصفر،وهذا الاحتمال ليس مستحيلا في العراق حيث تدلنا التجربة على ان البعث في العراق يستغل كل تساهل وكل غفلة وتراخي للاستيلاء على السلطة لاغراق البلاد في بحر من الدماء والمقابر الجماعية.ولهذا فان على القوى السياسية العراقية العمل بكل حزم على حرمان عناصر البعث من ممارسة اي نشاط سياسي ومهما كان نوعه لمدة لاتقل عن خمس سنوات والزام كل الحركات السياسية العراقية، بما فيها، بل في مقدمتها،حركة الوفاق، بعدم السماح للبعثين بالتسلل الى صفوفها.كما ان على حركة الوفاق الوطني ان تفكر بمصالح الشعب العراقي قبل تفكيرها بمصالح حزبية ضيقة، وأن تدرك ان الوقت لازال مبكرا جدا على قضية تاهيل البعثيين الذين تربوا مدة طويلة على الممارسات الصدامية وساهموا، مرغمين اوطائعين، بتنفيذ سياساته الوحشية المعادية لابناء العراق.
*اعلامي مقيم في كندا
[email protected]