كما البشر تخادع بعض الكلمات والعبارات احيانا.

ومن اكثر العبارات مخادعة عبارة( معارضو الاحتلال الأمريكي للعراق).انها تهدف الى خداع المتلقي وايهامه بأن العراقيين ينقسمون الى فئتين واحدة تعارض الأحتلال وتقاومه والأخرى تؤيده وعميلة له، وفي هذا التقسيم التعسفي خداع وتشويه للحقائق، وخلط للاوراق،وتعميم للخاص، ودمج ماهو كلي او مطلق بما هو جزئي او نسبي. ويمكن ملاحظة هذا الخداع عند فحص وتحليل كلمتي ( المعارضة ) و ( الأحتلال).

فالمعارضة، التي تعني قاموسيا الرفض وعدم القبول والأختلاف، يختلف شكل ظهورها وتجليها ارتباطا بموضوعي( القدرة والاستحقاق ). فالمؤمن مثلا يعارض المنكر ويرفضه، وهذه المعارضة حسب، الحديث النبوي المشهور، لاتكون واحدة في كل الأحوال ( من راى منكم منكرا فليغيره بيده وان لم يستطع فبلسانه وان لم يستطع فبقلبه وذلك اضعف الأيمان) فهي مرتبطة( بقدرة) المؤمن وامكانياته، ومرتبطة ايضا بطبيعة العمل المنكر و(استحقاقه)، فليس معقولا ان يلجأ المؤمن الى سيفه اذا كان المنكر بسيطا ويمكن تغييره ببعض الكلمات الناصحة.وكما قد تكون المعارضة شاملة وكلية فأنها قد تكون جزئية ايضا. فحين نعارض الرأسمالية، مثلا، لانعارض منجزاتها الحضارية والعلمية، بل نعارض تماديها في استغلال الأنسان،وقد نؤيد خطة ما ولكننا نعارض طريقة تنفيذها او نعارض بعض مفرداتها. غير اننا يمكن ان نعارض رأيا او فكرة او خطة او مشروعا بصورة كلية وشاملة بعد القيام بعملية تحليل شاملة لعناصر الرأي او الخطة او المشروع. وفي كلا الحالتين نحدد طريقة معارضتنا، الشاملة او الجزئية، حسب قدرتنا وحسب استحقاق الموضوع.وبناء على ما تقدم نستطيع ان نقول ان معارضة ما يسمى ب( احتلال العراق) تحتمل اشكالا متعددة من المعارضة منها المعارضة الجزئية و الكلية و السلمية و المسلحة.

اولا:المعارضة الجزئية (للأحتلال).

ترى هذه المعارضة ان مايسمى بالاحتلال الأمريكي للعراق يحتوي على ثلاثة عناصر رئيسية هي: (التدخل في الشؤون الداخلية للعراق)،( واسقاط النظام الصدامي وتحرير العراق من هيمنة العصابة الصدامية عن طريق الاجتياح الأجنبي)،( وأستيلاء القوات الامريكية والبريطانية على الاراضي العراقية).وعند دراسة هذه العناصر نجد ان ليس كل تدخل خارجي في الشؤون الداخلية للدول مرفوض، فالأمم المتحدة نفسها نزعت القدسية عن مبدأ (عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول ) وفتحت عهدا دوليا جديدا تتدخل فية الامم المتحدة، او من يمثلها، في الشؤون الداخلية لدول مستقلة حيث أجازت هذا التدخل لاسباب انسانية عدة مرات، كما حصل في رواندا والصومال والبوسنة وكوسوفو. ورغم ان هذا الموضوع لازال محل اخذ ورد، ورغم الانتقائية التي يتسم بها الموقف الدولي ازاء الكثير من الحالات التي تستوجب التدخل الدولي لاسباب انسانية، الأ ان افاق المستقبل تشير الى أن قضية اضطهاد الانسان وابادته وارهابه وسلب حقوقه الانسانية لم تعد، كما كانت، شانا داخليا للدول القومية لايمكن المساس به. وكما نرى اليوم فان سهام الاعلام العالمي ومنظمات حقوق الانسان تنهال على الانظمة الديكتاتورية محولة لياليها الحمراء الى كابوس اسود، وليس بعيدا ذلك اليوم الذي يصبح فية التدخل الخارجي من اجل فرض مباديء الديمقراطية وحقوق الانسان واقعا دوليا معاشا. وفيما يخص الشأن العراقي فأن الأرهاب الصدامي فاق كل الحدود في بشاعته وقسوته، ووصل الامر الى حد استخدام بتر الاعضاء البشرية كعقوبة على تهم بسيطة عقوبتها في اغلب دول العالم لاتتجاوز الحبس لفترة بسيطة، فضلا عن استخدام حتى الاسلحة الكيمياوية في قمع اي معارضة داخلية لنظامه، وكان يفترض منذ زمن بعيد ان يتدخل المجتمع الدولي لانقاذ الشعب العراقي من سياسة الابادة والعقوبات الجماعيه التي انتهجها النظام الصدامي، ولذا لايمكن لاي عراقي وطني وحريص على سلامة الشعب العراقي ان يعارض اي تدخل خارجي لصالح الشعب العراقي.

اما اسقاط النظام الصدامي عن طريق الاجتياح الخارجي فهو يصب ايضا في مصلحة الشعب العراقي لاسباب واضحة ومعروفة، ولايمكن لاي محب لابناء العراق معارضته. صحيح ان اي عراقي كان يتمنى لو تم اسقاط النظام الصدامي بأياد عراقية، غير ان هذا الامر(الحلم) اصبح بعيد المنال بعد ان سخّر صدام ثروات العراق الهائلة لبناء اجهزة امنية تحصي على العراقيين حتى انفاسهم، وكما نعلم فان الشعب العراقي لم يخنع لسطوة النظام، وقام بعدة محاولات لتحرير نفسه كانت نتيجتها الفشل جميعا،وصارالامل الوحيد للخروج من نفق الارهاب الصدامي هو الاجتياح الخارجي ولذا رحبت به اغلبية ابناء العراق ولم يعارضه الا من ارتبطت مصالحه بمصالح النظام الصدامي البائد.

تبقى موضوعة استيلاء القوات الامريكية والبريطانية على الاراضي العراقية والتي هي مثار الخلاف فهناك من يسميها احتلالا لتبرير العمليات الارهابية التي تدعي مقاومة الاحتلال، وهناك من يسميها احلالا كما فعل الاستاذ شاكر النابلسي في برنامج ( نقطة نظام) الذي عرضته قناة العربية في 26 -11 -2004 حيث قال:

أنا ميّزت ما بين الاحتلال والإحلال، ما يحصل في فلسطين هو احتلال، وما يحصل في العراق هو إحلال، بمعنى أن هناك قوة، وهذا معروف في القاموس السياسي: بأن هناك قوة عسكرية جاءت لكي تزيل حكماً استبدادياً دكتاتورياً، وتنصّب أو تتيح الفرصة لتنصيب حكومة شرعية ديمقراطية منتخِبة

وبعيدا عن فذلكة اللغة ومصطلحاتها وسواء كانت تسمية وجود القوات الاجنبية في العراق احلالا او احتلالا فأن اغلبية ابناء العراق، ايدوا التدخل الخارجي لاسقاط النظام الصدامي

. فالشمال والجنوب والوسط كان ينتظر الحرب، حتى البعض استغرب من إسهام العراقيين في مسيرات ضدها، فالحرب لم تعد بالنسبة إليهم مخيفة بعد التعرض لحروب وحروب، وقتل جماعي، ووقتها وجدنا في الداخل مَنْ هو أشد حماسة للحرب، شريطة أن تأتي بقطع رأس النظام. وليس من مبالغة أن عراقيين شيعة رفعوا أياديهم بالدعاء إلى تنظيم القاعدة لفعلته، لا شماتة بأمريكا وإنما لتهيئة الفرصة لإسقاط نظام البعث(رشيد الخيون-الشرق الاوسط-10-9-2004).

غير ان هذه الاغلبية التي ايدت حرب تحرير العراق تعارض بقاء القوات الاجنبية في العراق وتسعى الى اخراجها ولكن بطرق سلمية، ليس فقط وفاء للجميل الذي اسدته هذه القوات لأبناء الشعب العراقي،وليس بسبب عدم القدرة على مواجهة اعتى واكبر الة عسكرية في العالم، بل ايضا لأسباب اخرى وجيهة وعقلانية في مقدمتها أن الولايات المتحدة الامريكية أكدت وتؤكد باستمرارأن قواتها سترحل عن العراق حالما تستقر الاوضاع في العراق وتنتفي حاجة العراقيين لمساعدتها، ولان الامم المتحدة أكدت على رحيل هذه القوات بعد تشكيل حكومة عراقية منتخبة في قرارتها 1483و1511 و1546 التي صدرت بعد تحرير العراق،ولأن الخيار السلمي خيار متاح عمليا وغير مكلف ولايسبب اية الام اضافية لشعب لم يزل ينزف،كما ان الخيار السلمي لايلزم معارضيه بدفع اثمان باهضة من دماء وممتلكات،في حين يقوم الخيار العنفي باغراق الجميع بمستنقع الدم والخراب.

ثانيا: المعارضة الكلية

ان اصحاب هذه المعارضة لايفرقون بين الاحتلال والاحلال ولايعنيهم مضمون واهداف العمليات العسكرية التي ادت الى سقوط النظام الصدامي(بل لعل اغلبهم عارض الحرب بسبب هذه الأهداف). انهم يعارضون كل شيء ياتي من امريكا حتى ولوكان الحرية والديمقراطية، لان لأمريكا، حسب وجهة نظرهم، طبيعة (ماهية) ثابته معادية لمصالح وحريات الشعوب ولايمكن ان تلعب دور الدولة المحررة للشعوب او الساعية الى اشاعة الديمقراطية في العالم. ان العلم والواقع لايقر بهذا الرأي، فليس لامريكا ماهية ثابته، فامريكا في زمن الحرب الباردة هي ليست نفس امريكا التي اصبحت القطب الدولي الاوحد بعد اختفاء الأتحاد السوفيتي، وامريكا بعد فجيعة 11-9 لاتشبه امريكا التي نعرفها قبل هذا التاريخ بيوم واحد.امريكا في زمن الحرب الباردة، وللدفاع عن مصالحها ومستلزمات امنها القومي، اسقطت حكم الشهيد الرئيس الشيلي المنتخب سلفادور الليندي لصالح المجرم بينوشيت وصنعت بن لادن وتوّجت صدام حسين ملكا على عرش الرئاسة العراقية، غير ان امريكا بعد 11-9، وللدفاع عن مصالحها ومستلزمات امنها القومي ايضا، اسقطت صنيعتها (امارة طالبان) وطاردت ولدها وربيبها( بن لادن) واستخرجت جرذ مختبرها من حفرة عفنة في اطراف تكريت، واقامت ديمقراطية في افغانستان وتسعى الى عمل الشيء نفسه في العراق وتدعوا الى دمقرطة العالم الاسلامي، وليس في ذلك اي تناقض، ففي زمن الحرب الباردة كانت مصالحها تستوجب تطويق الاتحاد السوفيتي بدول وقواعد عسكرية معادية للأتحاد السوفيتي، وصارت مصالحها بعد 11-9 تستوجب نشر الديمقراطية في انحاء العالم وخاصة في العالم الاسلامي الذي صار منتجا للارهاب الدولي، لانها(امريكا) ادركت ان من اهم اسباب ظاهرة الارهاب الدولي هي انتشارالفقر والتخلف وقمع الحريات في العالم الأسلامي بسبب غياب الديمقراطية في هذا العالم.هذه الحقائق الدامغة يتغافل عنها القائلون بان امريكا لايمكن ان تحرر شعبا او تقيم ديمقراطية في بلد ما ويجب معارضتها ومقاومتها في كل الاحوال.أن هؤلاء يستندون في (تحليلاتهم) على وقائع قديمة غير مدركين لحجم المتغيرات الدولية التي عصفت بالكثير من المفاهيم السياسية التي كانت سائدة ايام الحرب الباردة وقبل (غزوة) نيويورك.ان اصحاب هذه المفاهيم البائدة (وهم كثر غي عالمنا العربي) ينتمون الى عصرنا باجسادهم فقط اما عقولهم فهي محنطة في متاحف الحرب الباردة. ان هؤلاء انفسم افتوا بأن الطريق الوحيد لاخراج القوات الاجنبية من العراق هو طريق المقاومة المسلحة وان كل من يتعاون مع امريكا لانهاء الاحتلال بطرق سلمية هو عميل عقابه الأغتيال.انهم لايقيمون وزنا للمقاومة السلمية وغير ابهين للدمار الذين يسببونه للأبرياء الذين لايتفقون مع اسلوبهم. انهم يرهبون الجميع لاجبارهم على السير في طريق الدم.