في مقال سابق( خداع الكلمات) اشرت بشكل عابر الى حسنات خيار المقاومة السلمية الذي تؤيده الاغلبية الساحقة من العراقيين، ولاهمية الحديث عن هذا الموضوع قررت الرجوع اليه كي اتناوله بشيء من التفصيل

حجج اصحاب الخيار السلمي

ان القوى الوطنية العراقية التي اختارت الطريق السلمي لتحرير العراق من القوى الأجنبية( سواء اشتركت في مجلس الحكم، ومن بعده الحكومة المؤقتة،اولم تشترك ) استندت في اختيارها للطريق السلمي على الحجج التالية:
اولا : ان قوى التحالف، وفي مقدمتها امريكا، اعلنت وبكل وضوح وبشكل قاطع عن نيتها بالرحيل عن العراق وتسليم اموره الى ابنائه بعد استقرار الاوضاع الأمنية. وقد اكد الرئيس الامريكي اكثر من مرة بان قوات بلاده ستنسحب من العراق حال تحسّن الظروف الامنية. وصار واضحا ان استتباب الاوضاع في العراق وتطور العملية السياسية وتتويجها بانبثاق حكومة منتخبة هي العوامل التي تحرر العراق وتعيد اليه سيادته واستقلاله، وبالعكس من ذلك فان تفجير الأوضاع الأمنية سوف لن يؤخر تطور العملية السياسية في العراق ويؤخر الاعمار فحسب بل ويؤخر ايضا انسحاب القوات الاجنبية من العراق لان هكذا انسحاب يعتبر هزيمة لامريكا وهي مالا تسمح به ابدا.
ثانيا :حتى لو ان امريكا مصرة على البقاء في العراق فان طريق المقاومة المسلحة في ظل الظروف الدولية والمحلية الحالية غير مضمون النتائج، حيث سيواجه الشعب العراقي، وحيدا، اعتى ترسانة عسكرية في العالم.فلماذا يغامر الشعب العراقي ويعرّض نفسه الى مخاطر جمّة في الوقت الذي تتاح فيه امكانيات متعددة للمقاومة السلمية لابد من تجربتها لمعرفة فاعليتها ومنها التباحث والتفاوض كخطوة اولى، ومنها التظاهر والعصيان المدني كخطوات متأخرة؟
ان احداث النجف قدمت الدليل الملموس على صحة وعقلانية الخيار السلمي، حيث لم يقدم التيار الصدري للشعب العراقي ولنفسه غير الدمار وزهق الارواح، واضطر في النهاية ( على مايبدو ) الى الانخراط في العمل السلمي.
ثالثا : ان طريق المقاومة المسلحة هو طريق دام ومكلف ماديا وبشريا، وحتى اذا نجح في تحقيق اهدافه بشكل نموذجي فان الثمن الذي سيدفعه شعب العراق هو ثمن غال جدا. فلماذا ندفع هكذا ثمن في امر يمكن الحصول عليه بطرق سلمية؟الاتستحق دماء ودموع واموال العراقيين التريث لمعرفة فعالية الطرق السلمية، وهل شعب العراق الجريح يتحمل جروحا اخرى؟ وهل في مآقي الأمهات العراقيات دموعا اضافية بعد تلك التي سكبنها طيلة الحقبة الصدامية السوداء؟
رابعا: ان صاحب الطريق السلمي لايكلف الاخرين، باجتهاده، اي ثمن، في حين يدفع صاحب الطريق المسلح الاخرين الى دفع اثمان غالية بغض النظر عن استعدادهم وقبولهم لدفع هذه الاثمان، وفي هذا اجحاف واستهتار بحياة وحقوق واراء عدد غفير من المواطنين. وقد شاهدنا اعداد كبيرة من المدنيين الأبرياء وقد راحوا ضحية اعمال المقاومة المسلحة وهم ليسوا طرفا في الصراع. ان المقاوم السلمي حين يخرج في مظاهرة احتجاج فانه لايلزم الاخرين بالاشتراك معه ولايحملهم اية مسؤولية ولايرغمهم على دفع اي ثمن، ولكن المقاومة المسلحة في الفلوجة والنجف والثورة جعلت الكثير من اهالي هذه البلدات المعارضين للمنهج العنفي يدفعون اثمان غالية من ارواح وممتلكات.ان المناضل السلمي اذا ضحى، ضحى بنفسه،اما العنفي فقد ينجو ليضحي بدله الابرياء كما يفعل زارعي العبوات الناسفة.

وعند التدقيق في هذه الحجج نجد انها :
اولا : تتسم بالواقعية والصبر والعقلانية والشجاعة وبروح المسؤولية العالية. فهي واقعية لانها تبتعد عن الشعارات والمقولات الأيديولوجية الرنانة والجاهزة، وتستند الى تحليل الواقع واستيعاب متغيراته بعيدا عن القوالب الايديولوجية الجامدة. وهي صبورة ومتأنية ولكنها ثابتة الخطى واثقة من النجاح. وهي شجاعة لانها تواجه المخاطر بيد بيضاء لاتحمل الا السلام.وهي تتسم بروح المسؤولية العالية لانها تسعى الى الحفاظ على ارواح وممتلكات ابناء الوطن.
قد يظن البعض ان الطريق اللاعنفي هو طريق الجبناء، وان الشجاعة تكمن فقط في حمل السيف والبندقية، وهذا تصور خاطيء، فالطريق اللاعنفي يحتاج الى رجال شجعان من طراز المهاتما غاندي ونيلسون مانديلا، رجال متسلحين بانسانيتهم وحبهم لوطنهم ومواطنيهم وبايمانهم بعدالة قضيتهم، أما زرع المتفجرات في الطرق العامة وتفجير سيارة في منطقة سكنية فانه يحتاج الى روح شريرة مجرمة وحشية اكثر من احتياجه للشجاعة.
ثانيا:اثبتت الوقائع صحة الخيار السلمي في العراق حيث تم تحقيق منجزات لايستهان بهاعلى طريق بناء الدولة العراقية الحديثة وبناء التجربة الديمقراطية، ورغم النواقص والاخطاء،ورغم محاولات العرقلة المستميتة التي يبذلها اصحاب خيار المقاومة المسلحة، فان مسيرة العراق تبشر بخير كثير.
ثالثا: اثبت الشعب العراقي انه يميل الى الخيار السلمي ويعارض خيار المقاومة المسلحة ولهذا ظلت جماعات (المقاومة المسلحة ) معزولة عن الجماهير مما دفع بهذه الجماعات الحاقدة الى معاقبة العراقيين وابتزازهم وارهابهم وارغامهم على جعل بيوتهم وعوائلهم دروع بشرية لحماية من يسمون انفسهم بالمقاومين.
لقد تم قتل اعداد كبيرة من المواطنين بتهمة التعاون مع قوات الاحتلال، ومع هذا يواصل المواطنون تحدي الارهاب والخوف الذي يحاول اشاعته الأرهابيون القتلة، ولقد تم تفجير العديد من مراكز التطوع لقوات الدفاع الوطني والشرطة ومع هذا تزدحم هذه المراكز يوميا بالمتقدمين للعمل. الا يدل هذا على ميل الشعب العراقي للخيار السلمي ورفضه لهذه المجاميع المشبوهة؟

حجج اصحاب خيار المقاومة المسلحة
لنفترض، وهو افتراض خيالي تكذبه معرفتنا بالمجاميع الأرهابية، ان (المقاومين) اصحاب نوايا وطنية طيبة وانهم وطنيون صادقون وليست لهم اهداف معادية لابناء العراق كأعادة الديكتاتورية الصدامية وخنق حريات الشعب، وان حملهم للسلاح هو مجرد اجتهاد لاغير، فما هي حججهم التي تبرر رفض الخيار السلمي وتجعل النضال او الجهاد لايحمل الا معنا واحدا هو حمل السلاح؟

ان حجج الداعين الى المقاومة المسلحة يمكن اجمالها بما يلي:

اولا : ان امريكا هي عدوة الشعوب وعدوة الاسلام وحليفة اسرائيل ولايمكن ان يرتجى منها اي خير، ولايمكن التصديق انها ستسمح للشعب العراقي باقامة نظام ديمقراطي، وان هدفها هو اقامة حكومة عميلة لاخضاع الشعب العراقي كمقدمة لاخضاع الشعوب العربية لصالح الكيان الصهيوني.
ثانيا : ان امريكا لاتعمل على استقرار الأوضاع الامنية في العراق وذلك لادامة بقائها في العراق تحت ذريعة الحاجة الأمنية، وهي التي تقوم باستفزاز العراقيين لدفعهم الى اللجوء الى ردود فعل عنيفة تغذي دوامة العنف.وهذه المعاني وردت كثيرا على السنة الفئات المسلحة في الفلوجة والنجف واماكن اخرى.
ثالثا : ان امريكا تحاول كسب الوقت لترويض الشعب العراقي وجعل الأحتلال واقعا مقبولا ولذا فان اي تعاون معها هو خيانة وطنية لانه سيسهل لها تنفيذ اهدافها في العراق، في حين ان مقاطعتها ستضطرها للرحيل عن العراق.
رابعا: ان الشعب العراقي سيضطرفي النهاية الى حمل السلاح وعندها ستكون قوى الاحتلال قد ثبتت اقدامها، لأن امريكا جاءت الى العراق لتبقى فيه، فلماذا الانتظار مادمنا سنلجأ للسلاح في النهاية.؟
خامسا: ان ما اخذ بالقوة لايسترد الا بالقوة، وما الطريق السلمي الا عبث وتضييع للوقت وحيلة تلجأ اليها قوات الأحتلال وعملاؤها لسلب ارادة الجماهير وكسر شوكتها.و تجربة حزب الله البناني خير دليل على صحة خيار المقاومة لطرد قوات الأحتلال في حين اثبتت المسيرة السلمية في فلسطين فشلها وعبثيتها.
سادسا: ان المقاومة المسلحة هي التي اجبرت الادارة الامريكية على التخلي عن فكرة حكم العراق حكما مباشرا بواسطة حاكم عسكري(جي كارنر) او مدني (بول بريمر) وهي التي ستجبرهم على الرحيل عن العراق.

وعند التدقيق في حجج اصحاب خيار المقاومة المسلحة نجد ان :
اولا:استناد هذه الحجج الى مقولات عامة واحكام مسبقة، مثل امريكا عدوة الشعوب او عدوة الأسلام،واعتبارها (مقدمات كبرى) توصل الى نتائج حاسمة دون النظر الى المتغيرات السياسية الدولية وتقاطع المصالح الدولية الناشئة من تلك المتغيرات.ان منطق هؤلاء يشبه منطق ذلك المتفيقه الذي اراد ان يقنع الاخرين بان( الثلاجة) لايمكن ان تبرّد الماء لانها تعتمد على الكهرباء فقال لهم :
((الشيء الحار لايمكن ان ينتج برودة..... ( مقدمة كبرى)
الكهرباء شيء حار....................( مقدمة صغرى)
الكهرباء اذا لايمكن ان تنتج البرودة......( نتيجة)(( علي الوردي-منطق ابن خلدون -ص 39 ))
ان هذا المنطق ( الارسطي) لايميز بين مصالح امريكا وحاجتها الى القواعد العسكرية ومناطق النفوذ ايام الحرب الباردة وبين مصالحها وحاجاتها في عصر القطب الواحد، كما انه يقفز على احداث الحادي عشر من سبتمبر ولايرى التاثير الهائل الذي احدثته في العقلية السياسية الامريكية.
ان اعتبار امريكا خير مطلق او شر مطلق هو منطق غير علمي يفنده الواقع. امريكا فيها الخير والشر معا كما في الدول الاخرى، وليس من الصحيح اطلاق صفات عامة على دولة ما ثم الاستناد على هذه الصفات في تحديد مسيرة العراق دون الرجوع الى الواقع وتحليل عناصره للاستفادة من اي تقاطع للمصالح الدولية.
ثانيا: ان القول بان القوات الامريكية هي التي تستفز المواطنين هو قول لايخلو من الصحة، وفعلا فان كثيرا من المواطنين يشكون من سوء تصرف القوات الامريكية، ولكن هل خيار المقاومة انبثق ليرد على هذه الاستفزازات؟ وهل قتل المواطنين العراقيين بتهمة التعامل مع قوات الاحتلال هو ايضا رد على هذه الأستفزازات؟
هناك جماعات مسلحة تسليحا اثقل من تسليح الجيش العراقي الحالي ولكنها تشكو باستمرار من تعرضها للاستفزاز، وتدعي انها لم تبدا المعركة، وكأن حمل الاسلحة الهجومية كالرشاشات المتوسطة ومدافع الهاون امر طبيعي، في دولة تنشد الاستقرار، ولايشكل استفزازا لهذه الدولة.
ثالثا: ان حديث اصحاب الخيار العنفي عن ضرورة مقاطعة العراقيين لما يسمى بقوات الاحتلال يشمل فئتين هما المواطنين العاديين والقوى السياسية العراقية. فأما الاعتقاد بان مقاطعة المواطنين العاديين لقوات الاحتلال سيدفعها للرحيل، تجر اذيال الهزيمة، فهو اعتقاد لايمكن التاكد من صحته، كما ان تطبيقه غير ممكن، فكثير من العراقيين تجبرهم ظروفهم الاقتصادية على العمل لدى( قوات الاحتلال) اسوة بالاخوة الفلسطينيين الذين يعملون لدى دولة الأحتلال،حتى ان بعضهم يعمل في مشروع بناء الحاجز الأمني الذي يعارضه كل العالم تقريبا لانه يقطّع اوصال المدن والقرى الفلسطينية.
اما عن مقاطعة القوى السياسية العراقية الوطنية لما يسمى بقوات الاحتلال فهو امر غريب وغير مسبوق فكيف ترفض قوى سياسية وطنية استلام شؤون بلدهم لتمهيد الامور امام انسحاب القوات الاجنبية؟ وماذا سيفعل اصحاب الخيار العنفي لو طلبت منهم الادارة الامريكية الدخول في مفاوضات لتسيير شؤون الدولة العراقية ولتمهيد السبيل امام انسحاب القوات الاجنبية من العراق؟ هل سترفض قيادة البعثيين استلام السلطة وقتها؟ ان السبب الاول الذي يدفع البعثيين لرفع السلاح هو محاولتهم لاعادة عجلة الايام الى الوراء ليعودوا الى تسلطهم على رقاب العراقيين، وما شعار محاربة الاحتلال الا شبيها بشعارات البعث الخادعة التي خبرها العراقيون. ان القوى الوطنية العراقية تعمل بصدق على جعل انسحاب قوات الاحتلال امرا ممكنا في حين تعمل قوى البعث وحلفاؤها على تاخير الانسحاب حتى تبقى (مبررات وحجج) حملهم للسلاح بوجه الشعب العراقي قائمة الى حين تمكنهم من فرض ارادتهم على الجميع.
رابعا : ان القول بان العراقيين في النهاية سيضطرون الى حمل السلاح وذلك لتبرير حمله الان،هو قول بعيد كل البعد عن العقل والمنطق، فكيف تبنى القرارات والسياسات على افتراضات تحمل الصواب والخطابمقدار متساو؟ وكيف لنا ان نجزم بان الشعب العراقي سيحمل السلاح في النهاية؟ان الاحداث وتطورالعملية السياسية في العراق تشير الى عكس ذلك تماما.
خامسا: ان الجزم بان القوات الاجنبية سوف لاتخرج من العراق هو رجم بالغيب وان الدلائل تشير الى عكس ذلك وخاصة وان الامم المتحدة اكدت على الطابع المؤقت لتواجد القوات الاجنبية في العراق من خلال قراراتها 1511و 1546، هذا عدا ان الادارة الامريكية تؤكد باستمرار على انها ستسحب قواتها بعد استقرار الاوضاع في العراق، وبالتالي لايوجد دليل يدعم الادعاء القائل ان القوات الاجنبية سوف لن تنسحب من العراق الا بواسطة المقاومة المسلحة.
سادسا : اذا كان المقصود هو العمل على انسحاب القوات الاجنية الان، فان هذا الامر يتعارض مع مصلحة الشعب العراقي ولايطالب به سوى اصحاب النوايا السيئة الذين يريدون الانفراد بالشعب العراقي وفرض ارادتهم عليه بعد ان يخلو الجو لهم. اما المطالبة باحلال قوات عربية واسلامية محل القوات الاجنبية فهو طلب غير واقعي وتعجيزي لانه غير قابل للتطبيق.فاية دولة عربية واسلامية مستعدة لضبط الامن في العراق؟ ومن يمول هكذا قوات؟ ومن يضمن القاء المقاومين لاسلحتهم ولايبحثون عن اعذار اخرى للاستمرار بالمقاومة؟
سابعا:ان القياس على نجاح تجربة المقاومة البنانية وفشل مسيرة الحل السلمي الفلسطينية لتبرير اختيار درب المقاومة المسلحة في العراق هو جهل فضيع للفوارق الواضحة بين الحالات الثلاث ( اللبنانية والفلسطينية والعراقية). ان لكل بلد ظروفه ولايمكن نقل تجارب الشعوب نقلا اليا، وان نجاح تجربة المقاومة في لبنان لايعني وجوب تعميمها في كل مكان، وان فشل الحلول السلمية في فلسطين لحد الان لايوجب حذف المقاومة السلمية من القواميس السياسية ولايلغي امكانية المقاومة السلمية في العراق. وان مقولة( ان ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة) ليست مطلقة الصحة، فقد تصدق في حالات ولاتصدق في اخرى، ومن يريد اللجوء الى القوة لابد له ان يضمن لنفسه التفوق العسكري والاّ يصبح عمله نوعا من القاء النفس في التهلكة المنهيّ عنها اسلاميا.
ثامنا : ان من يدافعون عن العنف بحجة ان (مقاومة الاحتلال واجب شرعي وفرض عين) يتغافلون، عن عمد او عن بلادة وغباء،عن حقيقة ان هذه المقولة لاتحصر المقاومة، اية مقاومة، بطريق العنف فقط، فقد تكون المقاومة السلمية انجع من المقاومة المسلحة وخاصة في الحالات التي يميل فيها ميزان القوة (للعدو). وكلنا نتذكر كيف ان الانتفاضة الفلسطينية الاولى(انتفاضة الحجارة) احرجت اسرائيل احراجا كبيرا دفعها للتفكير بالانسحاب من اغلب مناطق الضفة والقطاع لوللا ان جاءتها النجدة من انصار العنف الفلسطينيين الذين اعطوا اليمين الاسرائيلي المتطرف مبررات استخدام العنف ضد المدنيين الفلسطينيين.فحينما دعا العنفيون العرب العنفيين الاسرائيلين للمنازلة العسكرية فانهم بهذه الدعوة منحوا الصهاينة فرصة لاستخدام تفوقهم العسكري الهائل، وهذه الحقيقة المعاصرة هي احدى الدلائل الملموسة التي تؤكد فعالية المقاومة السلمية وعقم وعبثية المقاومة المسلحة.
تاسعا: لم تقدم المقاومة المسلحة اي مكسب للشعب العراقي وبالعكس فانها تسببت بالحاق خسائر هائلة بارواح وممتلكات المواطنين،وهذا الامر لايحتاج الى سرد واسهاب، أما الذين يدّعون ان المقاومة المسلحة هي التي ارغمت الامريكيين على التخلي عن حكم العراق حكما مباشرا فهم لايملكون اي دليل على ذلك وتظل اقوالهم مجرد ادعاءات فارغة يخالفها المنطق لأن من المستحيل على امريكا الأستمرار بحكم العراق حكما مباشرا. صحيح ان امريكا قد اضطرت لحكم العراق حكما مباشرا لفترة محدودة ولكن ذلك لايعود الى رغبتها بحكم العراق حكما مباشرا بل يعود سببه الأهم الى عدم جاهزية القوى السياسية العراقية، وقد عملت ادارة بريمر على دفع هذه القوى للعمل تحت ظل خيمة واحدة ( مجلس الحكم) ونقلت السلطة للعراقيين وتسعى الى اكمال مهمة اقامة حكومة منتخبة. وهذا كله يدل على كذب ادعاءات القائلين ان اعمالهم الارهابية هي التي اجبرت الادارة الامريكية على تسليم السلطة للعراقيين.
عاشرا: بما ان خيار المقاومة المسلحة خيار مكلف ويحتاج الى تضحيات كبيرة ولاتقتصر اضراره على المقاومين وحدهم، لذا فان المسؤولية الوطنية تستلزم الحصول على اجماع وطني للبدأ بتنفيذ هذا الخيار، ولا يجوز لفصيل وطني، مهما كان حجمه ونزاهته وبراءة اهدافه، فرض هذا الخيار الخطير على الاخرين.
حادي عشرا: ان كل حركات التحرير الوطنية لم تلجأ الى الخيار العسكري الابعد فشل كل الجهود السياسية السلمية، وعندما اعلنت الكفاح المسلح ظلت تحتفظ باجنحة سياسية مهمتها التفاوض، اي ان العمل العسكري كان يسير مع العمل السياسي جنبا الى جنب.فهل استنفذت المقاومة العراقية كل الاساليب السلمية لتقرراللجوء للسلاح؟وهل تقرن عملها المسلح بجهد سياسي يساعد على تحقيق هدفها المعلن الذي هو جلاء القوات الاجنبية من العراق؟ الجواب على هذين السؤالين هو النفي طبعا.وهذا يشير الى ان خيار المقاومة المسلحة في العراق ليس خيارا وطنيا بل هو خيار المصالح الضيقة الانانية المعادية لمصالح الشعب العراقي،في حين اتضح للجميع ان الخيار السلمي هو خيار اغلبية العراقيين الشجعان نساء ورجالا، خيار الوجوه المميزة بعراقيتها لاخيار الوجوه الملثمة الظلامية.

aoda [email protected]