عندما كان الرئيس الفلسطيني الراحل عرفات محاصرا ، تساءل الكثيرون عن كيفية أن يكون رئيس الدولة محاصرا.. وقد تقدم أمين سر حركة فتح مروان البرغوثي – المعتقل لدى إسرائيل- ليرشح نفسه رئيسا لفلسطين ، وكأنه يصنع التطور الطبيعي لحال رئيس فلسطين ، فبعد أن كان الرئيس عرفات محاصرا من قبل إسرائيل، يكون الرئيس التالي له ( البرغوثي) سجينا لدى إسرائيل. و رغم أن البرغوثي قد سحب ترشيحه ، ثم عاد إليه مرة أخرى إلا أن فكرة وجوده ضمن المرشحين للرئاسة قد أثارت الكثيرين من أبناء منظمة فتح نفسها ، وهم الذين اعتبروا أن هذا الأمر "عبثا سياسيا" ، وتشويشا على دور الحركة.. ولن أدعي أني قد شققت عن صدور رجال منظمة التحرير الفلسطينية لأعلم ما بداخلهم تجاه مروان البرغوثي ، و لكن الدلائل تشير إلى علو نجم الرجل على الساحة الفلسطينية ، خصوصا وأن الكثيرين يعتبرونه رمزا للمعتقلين الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية.
فلماذا لم يتم قبول مروان البرغوثي ضمن المرشحين للرئاسة..؟
هل هي الغيرة ؟؟ أم عدم قدرة شعوبنا على قبول منافسين لحكامهم ينازعونهم في شعبيتهم..؟!
أعتقد أن المشكلة الحقيقية هنا ليست مشكلة فلسطينية فحسب، بل هي مشكلة كل قطر عربي لا يقبل بتوزيع القوى السياسية على عدة هيئات أو مؤسسات أو حتى أفراد ، فشعوبنا تؤمن بالحاكم المقدس .. الفرد الصمد.. الذي لا شريك له..
و ما دامت الشعوب العربية تؤله حكامها، وتنظر على الحاكم على أنه (إله) لا يخطأ ، ولا يُنافس ، ولا يشرَك به ..
فبناءا علي ذلك .. لا يجب أن يكون هنالك آلهة أخرى تنازع هذا الحاكم (الإله) في الحكم ، اللهم إلا أن تكون آلهة للشر..!
وبالتالي.. ففكرة أن يكون هنالك عدة مرشحين للرئاسة لن تجد قبولا في بلادنا العربية ما دامت هنالك قدسية للحاكم ، حيث أن ذلك الأمر سيكون نتيجته إما الفتنة (تنازع الآلهة) ، أو أن يتجه العامة لانتخاب شخص واحد من المرشحين – كبير الآلهة- ويكون باقي المرشحين مجرد ديكور للواجهة المطلة على الشارع الدولي.
فالمشكلة التي أثيرت حول ترشيح البرغوثي نفسه في الإنتخابات الفلسطينية المقبلة سببها أن البعض يخشى من تزايد شعبية مروان البرغوثي خلال الانتخابات ، الأمر الذي سيوجد منافس للحاكم (الإله) المفترض الذي سيعقب عرفات الذي كان له قداسة كبيرة لدى شعبه، وفكرة أن يكون هنالك منافس لدى الحاكم هي أمر غير مقبول لدى العرب، فهو في نظرهم إضعاف للحاكم، وبداية لفتنة قادمة بين أنصار الطرفين ، حيث أنه من المفترض لدينا ألا يُنازَع الحاكم في شعبيته (قدسيته) من قِبل أحد أيا كان.
و أجدني الآن بعد حديثي عن نظرة شعوبنا إلى حكامهم على أنهم (آلهة)،أتجه بتفكيري إلى الإله الحق (الله).. خالق الحكام والشعوب ، لأتذكر موقف الملائكة – التي هي أفضل منا- مع الله خالق الشعوب و الحكام (الذين تم تقديسهم محليا) في موقف يرويه لنا القرآن عن قصة خلق آدم..
فأجد أن الملائكة تسأل ربها – وليس حاكمها- في توقيت ملائم عن المخلوق الجديد ، وحكمة خَلقه، وعندما أمِرَت الملائكة بالسجود لهذا المخلوق الجديد ، سجدت طاعة لأوامر الله الملك ، بينما ظهر حمق الشيطان في تمرده على تلك الأوامر نتيجة قلقه و غيرته من المنافس الجديد فكان تكبره على القوانين الإلهية ..
ومع الفارق..
فللأسف.. نجد أن شعوبنا أحيانا تقع في نفس خطأ الشيطان ، فتتمرد على القوانين، وقد تثير الفتن نتيجة رفضها أن يكون هنالك منافسا لحاكمها المقدس..
فإذا كان الشيطان لم يقبل أن يسجد لآدم تكبرا وحرصا على مصلحته الشخصية في أن يكون هو الأفضل.. فما بال شعوبنا تتمرد على كل جديد ، وتثور على منافس ليس لهم ، بل منافس لحاكمهم..؟؟
وكأن شعوبنا لا تريد أفرادا (بشرا) متنافسين في الانتخابات ، ثم متعاونين خارجها ، إنما تريد حاكما مقدسا بغير منافس.
الشيطان يتمرد على القوانين ( لمصلحته) بعد ظهور منافس جديد لم يعجبه ، ونحن نتمرد عل القوانين ونثير الفتن عندما يظهر منافس (لحاكمنا)..!!
وماذا عن الملائكة..؟!
ماذا حدث لها..؟؟
لم يُنتقص من مكانتها من شيء .. أما آدم الذي سجدوا له ، فقد هبط من الجنة مذنبا .. وأما الشيطان ، فقد كان تكَّبره على قبول منافس له قد جعله في لعنة أبدية إلى يوم الدين ..
ليتنا نتعلم من حكمة الملائكة التي كانت أكثر ثقة في نفسها، وأكثر التزاما بالتشريعات والأوامر الصادرة عن الإله (الحق) ..
فبمثل تلك الحكمة قد تصبح انتخاباتنا أكثر مصداقية ، بدلا من أن تكون كالموالد الشعبية ، التي يكثر فيها دراويش (سيدنا) صاحب المولد.



عبدالرحمن مصطفى حسن
مصر - القاهرة