فضائية الحرة:نثمن تشبثكم بالحرية، لكن نحذر من تسلل إرهابيي الأصولية

قمنا يوم الأربعاء الماضي الموافق 8 ديسمبر بمتابعة برنامجنا المفضل "ساعة حرة" على فضائية الحرة، و الذي يعطي فرصة هامة للرأي و الرأي الآخر، و بمهنية قلما نشهدها بالفضائيات العربية المسماة بالمستقلة. موضوع الحلقة كان إفتاء تحالف القومجية و السلفية للقتال في العراق. للتذكير "القومجية" هي الحركة الفاشية التي اغتصبت البلاد العربية بقوة السلاح منذ بداية الخمسينات من القرن الماضي، حيث قامت بإجهاض حركة النهضة التي بدأت تلوح في الأفق آنذاك، فهدرت الثروات و دمرت الاقتصاد وورطت بلداننا في حروب كانت محصلتها نكبة مصر في سيناء و نكبة سوريا في الجولان و نكبة الفلسطينيين في غزة و الضفة الغربية...). أما عن السلفية الجهادية فهي الحركة لإرهابية التي تسبب احد اكبر زعمائها
- حسن الترابي- على اثر اغتصابه الحكم عن طريق الانقلاب في السودان العام 1989 في كارثة حقيقية، حيث أضاف ما لا يقل عن المليون قتيل إلى حرب أهلية ادعى انه جاء ليضع حدا لها. وتسبب على اساسها الشيخان عباسي مدني و علي بالحاج في ذبح مائتي آلف مدني في الجزائر. كما فجرت المباني والباصات في سوريا في الثمانينات على أيدي الأخوان المسلمين، واقترفت نفس الجرائم في مصر في التسعينات على أيدي حركة الجهاد الإسلامي. و كانت المحصلة النهائية أن استسلمت هذه القوى الإجرامية صاغرة إلى أنظمة الحكم معتذرة عن الجرائم التي اقترفتها، لكن بعد أن وقعت الفأس في الرأس.

إذا، اجتمعت هذه القوى في بيروت فيما يسمى بالمؤتمر القومي الإسلامي، ليصدروا فتوى مضادة للفتوى التي أصدرها المرجعية الشيعية العليا في العراق السيد علي السيستاني التي تدعو لعدم سفك الدماء باسم الجهاد، بل طالبت كل العراقيين بتسهيل مهمة حفظ الأمن للسريع بعملية البناء و رحيل القورى الأجنبية... و كان المفروض القبول بهذه الفتوى من كل العرب و المسلمين خارج العراق عملا بقاعدة "أهل مكة أدرى بشعابها."

بدأت المفاجأة غير السارة باستدعاء البرنامج لضيفين من فقهاء الإرهاب مقابل ضيف واحد معاد لهذا الطرح. و هذا حيف غير مقبول من قناة مهمتها الأساسية التصدي لآلة الدعاية الجهنمية لثقافة الكراهية و قطع الرأس، التي وضعت على تصرفها ميزانية تقدر بحوالي 100 مليار دولار خلال العقدين الماضيين فقط (مساجد، مدارس دينية، مراكز ثقافية، منظمات تدس سمومها تحت غطاء العمل الخيري والدعوة إلى المعروف و النهي عن المنكر...).

للتذكير، تم استحداث وسائل الأعلام الأمريكية الناطقة بالعربية بعد الحادي عشر من سبتمبر لإضافة البعد الإعلامي للحرب الشاملة على الإرهاب ( بهدف تكملة الأبعاد الأخرى التي أتهمها: البعد العسكري، البعد الاستخبارات (تعاون ما لا يقل عن 120 دولة)، البعد الاقتصادي (مبادرة الشراكة مع الشرق الأوسط)، والبعد المالي -قوانين مكافحة غسل الأموال-...). ما حصل إذا على المستوى الإعلامي هو تخصيص الإدارة الأمريكية -و دون استشارتنا في الأمر- اعتمادات مالية هامة من الكونجرس الأمريكي لبعث وسائل إعلامية بالعربية موجهة إلى الدول العربية لتخوض غمار "حرب الأفكار" أبرزها مجلة هاي للشباب، راديو "سوا" و قناة الحرة.

على هذا المستوى، نحن أمام ثلاثة مسائل يجب عدم الخلط بينها: (1) الاستراتيجية الإعلامية التي يجب اتباعها لمواجهة تضليل آلة الإعلام الأصولية، و هذه مسؤولية هيئات التخطيط الاستراتيجي بالدول المعنية، (2) المنهجية التي يجب أن تتبعها وسائل الإعلام الموجهة للعالم العربي-الإسلامي -المصدر الأساسي للإرهاب في العالم الذي نعيش قيه اليوم- (على سبيل المثال، هل موسيقى البوب التي تبثها محطة سوا تمثل أنجع الطرق لتلقين الشباب العربي مبادئ التسامح و الانفتاح على الآخر؟...)، و هذه مسؤولية الهيئات المنوط بعهدتها إدارة العلاقات العامة مثل هيئة "Broadcasting Board of Governors" الأمريكية، و (3) اختيار محتوى البرامج من طرف معديها لدى وسائل الإعلام المتواجدة على الساحة، و هذه مسؤولية المشرفين على إدارة المشروع بمن فيهم مقدم البرنامج. و على هذا الأساس نرى انه من مسؤولية معد البرنامج انف الذكر عدم إعطاء فقهاء سفك الدم العراقي ثلثي التدخلات.

على العموم، يبدو أن المتابعة العربية لوسائل الأعلام الأمريكية الناطقة بالعربية قد فاجأت الأمريكيين أنفسهم: راديو سوا يجلب 15 مليون مستمع، و قناة الحرة التي سوق غوغائيو الأمة إلى إمكانية مقاطعتها من طرف "المثقفين العرب" و أفتى فقهاء الظلام بتحريم مشاهدتها على المسلمين، نجحت إلى حد كبير في جلب اهتمام المشاهد العربي، حيث أكدت نتائج المسوحات التي أجريت ستة اشهر فقط من بدا بثها أنها تحضا لا فقط بمتابعة شعبية كبرى و إنما بمصداقية أيضا.

لنعود إلى لب الموضوع. الضيف الأول في الحلقة هو فقيه الإرهاب الشيخ ماهر حمود من بيروت والثاني هو محمد القضائي من عمان. و القاسم المشترك الأول بينهما كان النفاق، بدليل انهما يدعوان غيرهما للذهاب إلى العراق و كان الأولى بهما أن يبدأا بنفسيهما. منذ البداية، حاول المنافقان تبرير المجازر التي يذهب يوميا ضحاياها من المدنيين العراقيين و أفراد الجيش و الشرطة بالإضافة إلى القوى الأجنبية التي يعود لها الفضل الأول في إزاحة صدام عن السلطة، والتي تبرر أعمال القتل تمديد مدة بقاءها في العراق، لا العكس. بل وصل الأمر بشيخنا الإرهابي ماهر حمود إلى إصدار فتوى مفادها أن الأخطاء في قتل المدنيين العراقيين لا تتجاوز نسبتها ال10%.

و الخاصية الثانية لفقيهي الإرهاب، التي شدت انتباهنا منذ البداية، هي خاصية " الكذب كما التنفس." و هذه خاصية يمتاز بها كل الذين يحترفون الدجل السياسي باسم الدين بدليل: (1) تكفير حسن البنا للانتخابات ليعود و يرشح نفسه لنفس الانتخابات المصرية في منتصف الاربعينات من القرن الماضي، بعد ان أفتى بعدم شرعيتها، (2) معارضة قاطعي رؤوس ال200 آلف مدني في الجزائر، عباسي مدني و عبلي بالحاج، باعتبار الانتخابات نظاما غربيا، ثم موافقتهما - من سجنهما- لأتباعهما بالتقدم لها - بغاية استعمال الانتخابات كمطية للوصول إلى الحكم-. بل وصل الاستهتار إلى تصريحات متتالية لزعماء الجبهة تؤكد بان هذه الانتخابات ستكون آخر الانتخابات في الجزائر. ثم تنكروا لقولهم هذا متناسين أن تصريحاتهم مسجلة لدى عديد وسائل الإعلام، البي-بي-يسي على سبيل المثال، (3) هرولة إرهابيي الاخوان في سوريا اليوم للعودة إلى ارض الوطن على أساس "عفى الله على ما سلف" و المطالبة بانتخابات ديمقراطية و شفافة، بعد محاولاتهم الإجرامية الفاشلة لإغراق البلاد في حمام دم يتناقض و ابسط مبادئ الديمقراطية و القبول بنتائج صندوق الاقتراع، (4) وعد ابرز قادة الحركات الأصولية في العالم العربي للسعودية عند زيارتهم لها ابان احتلال الكويت بإدانة العملية، لكن ما أن وصلوا إلى بغداد حتى أعلنوا تأييدهم لصدام، و(5) أخيرا و ليس أخرا، مثال يوسف القرضاوي الذي ادعى في الدوحة انه لم يفت بقتل المدنيين الأمريكيين و بذلك يكون قد سفه و على الملا حيث أن فتواه الأولى في شهر أكتوبر الماضي بمقر اتحاد الصحافيين المصريين بالقاهرة تشهد على العكس.

لقد حاول الضيف الثالث -السياسي العراقي فائق الشيخ علي- دحض أكاذيب الشيخين، لكن وجوده وحيدا سهل المهمة لفقيهي الإرهاب. و في تقديرنا، تتحمل إدارة الفضائية مسؤولية كبرى في عدم التوازن هذا. نحن ندرك جيدا أن دولة ديمقراطية تحكمها المؤسسات مثل أمريكا سوف لن تتنصل من مسئوليتها إزاء دافع الضرائب، و ستقوم بتقييم شامل لمدى نجاح المحطة للإيفاء بمهامها في مواجهة ظلامية الجزيرة و من هم على شاكلتها. سيكون ذلك على الأرجح من خلال لجنة مستقلة شبيهة باللجنة التي أذن بإنشائها مؤخرا المفتش العام لوزارة الخارجية الأمريكية لتقييم مهمة راديو "سوا" و التي خلصت في تقريرها إلى أن المحطة فشلت، و إلى حد كبير، في تحقيق الأهداف المنوطة بعهدتها، رغم تكلفة سنوية تقدر بحوالي 22 مليون دولار.

هذا و بهدف المقارنة، ما أن انتهت "الساعة الحرة" حتى تحولنا إلى قناة العربية لمتابعة برنامج "إضاءات" من تقديم الصحفي السعودي المستنير تركي الدخيل، الذي جاء إلى القناة على ما يبدو في عباءة المستنير الآخر -عبد الرحمان الراشد - الذي تم تعيينه بدوره على راس الفضائية للحيلولة دون أن يفعل بها يتامى صدام ما فعلوه بظلامية الجزيرة.

يبدو أن أهم الأسباب لاستضافة الشيخ عبد المحسن العبيكان، أحد اكبر علماء الفقه بالسعودية، للبرنامج تتمثل في فتواه مؤخرا بان التمرد المسلح في العراق لا يمكن اعتباره جهادا من الناحية الشرعية. أول ما يشد الانتباه هو تحذير شيخنا الجليل من جهل جهلة الأمة، حيث أكد أن الذين يفتون لقطع الرؤوس، حتى الشيوخ منهم، ليسو مختصين في الإفتاء، بل غالبا ما يكون اختصاصهم الحديث و أمور أخرى لا تمت للإفتاء بشيء. و على هذا الأساس، فان عبثية اعتماد فتوى هؤلاء تبدو لنا كعبثية تكليف متخصص في طب العيون بالقيام بعملية جراحية للقلب المفتوح...

أكد الشيخ أن أركان الجهاد في الإسلام ثلاث: (1) الغاية، (2) القدرة، و(3) قرار ولي الآمر. و هذه الأركان الثلاثة غير متوفرة في الحالة العراقية: غاية إنهاء الاحتلال تتم بإنهاء العنف المسلح لا بمضاعفته، القدرة العسكرية غير متوازنة بدليل أن كل ما فعله مقتدى الصدر، على سبيل المثال، هو الزج باتباعه -الذي قال عنهم انهم جهلة- إلى أتون معركة خاسرة و بعبثية يندى لها الجبين، و كانت النهاية أن خرج اتباعه من النجف تحت تهديد الطرد على أيدي اتباع المرجعية العليا علي السيستاني، و قدموا أسلحتهم صاغرين في مدينة الصدر ببغداد.

كما ذكر الشيخ أن مصادقة ولي الأمر لا توجد بالأساس في الحالة العراقية. ثم دق شيخنا الجليل المسمار الأخير في نعش فقهاء سفك الدم العراقي بضربه لمثل الرسول في مكة الذي رفض الدعوة إلى الجهاد نضرا لعدم توفر القدرة.

هدفنا من طرقنا لهذا الموضوع الحساس باعتماد مثال برنامج ساعة حرة هو التنبيه لأهمية ألا تتحول الوسائل الإعلامية التي تم إنشاؤها لمجابهة إعلام الكراهية و قطع الرأس إلى منابر يتسلل من خلالها فقهاء الارهاب لبث سمومهم، كما فعل الإخوان باختراق وزارات الإعلام و التعليم و الثقافة بالدول الخليجية اثر هروبهم من مصر عبد الناصر، مما ساهم في ما نشهده الآن... هذا، و حتى صدور كتابنا الذي نأمل أن يقدم إسهاما هاما لفهم سياسات التعامل مع الرأي العام العربي-الإسلامي، لا نمتلك إلا الدعوة لخالق الكون بان يهدي القوم المؤتمنين على أموال دافعي الضرائب لما فيه خير البرية و اتقاء شر فقهاء الإرهاب.

(*) بريد إلكتروني: [email protected]. يعد الكاتب حاليا كتابا باللغة الإنجليزية بعنوان:
Defeating Terror by Undermining Islamism:
why a war of ideas is urgently needed.