دابت بالكتابة وتحت عنوان "العراق محبة" منذ ثلاث سنين خلت وعلى صفحات "ايلاف" اكررها كلما حل مناسبة الاحنفالات باعياد الميلاد والسنة الميلادية وكعادتي اكتب ما جلبه لنا نحن محشر العراقيين عاما كاملا باشهره الاثنى عشر وبايامه الثلاثمائة والخمسة والستون من تجديد في "الامل العراقي المرتقب" وسواد المحبة والامن والامان والوئام ربوع الوطن الغالي وانسانه المعذب. اليوم ارى امامي عراقا مليئا بالتناقضات حيث خطوات الى الامام تعيد الامل الى النفس البشرية واخبار تدخل الاسى والحزن والجزع والقنوط افئدتهم الندية. لكني ها انا ولاول مرة ارى بصيص ذلك الامل ولو من بعيد في اول خطوة الى الامام في سلم لا نهائي من الدرجات في بناء عراق المستقبل الديمقراطي وتلك هي بالتاكيد خطوة على المسار الصحيح يخدم الانسان العراقي لا بل يخدم كل الشرق بتركيبتها التعددية الثقافية، الفكرية، العقائدية والعرقية البديعة و يخدم كذلك الانسانية جمعاء. لا زلنا نعيش عصر العولمة في سنواتها الاولى و التي من اهم نتائجها مفهوم القرية الكونية حيث جميع اعضاء المجتمع الانساني تتحول الى تركيبة واحدة تتاثر تضامنيا بما يحصل في اي جزء من اجزائها. اما ذلك البصيص فاعني به طبعا الانتخابات النيابية للجمعية الوطنية العراقية والمجلس الوطني الكوردستاني التي ستجرى باذنه تعالى في بداية العام المقبل ومن المؤمل ان يقوم المنتخبون بسن دستور البلاد الدائم والتاكيد على النظام الفدرالي التعددي الديمقراطي، ذلك الحدث التاريخي الذي سيغير المسار التاريخي لعجلة التطور الديمقراطي في مؤسسة السلطة الحاكمة في العراق بعد سنيين من هيمنة الفكر السلطوي الشمولي الواحد والرافض لوجود اي راي مخالف اخر او"خندق" معارض.
انت تسير على الجسر الذي يربط بين طرفي مدينة لندن على ذلك النهر الخالد ترى على احدى الجهات وعلى حافتها بناية البرلمان البريطاني بكل عراقته وهيبته وشموخه وساعته الشهيره وحديثي لبس عن تلك الساعة التي باتت رمزا لمدينة الضباب ولا عن تلك البناية العريقة بل عن مقهى على اقطاف تلك البناية على ضفاف النهر العظيم حيث يجلس فيها نواب الشعب من البرلمانين بكل اطيافهم يتحدثون في حوار تسودها اجواء حضارية يفتقره العديد من رجال السياسة في الشرق بعد ان بات فرض هيمنة سلطة الراي الواحد من الاهداف النضالية والسلوك الاساسي لنوازع البشرية النرجسية الشرقية حول فلسفة السلطة الحاكمة.
ان اهم ما يتميز به عام 2004 بالنسبة للعراقيين هو ذلك الاحساس والشعور الملموس بواقع التغير الجاري في البلد ولو ببطء شديد و ظهور علامات التغير بات امرا واقعيا يعايشه رجل الشارع في صحافة حرة مرئية ومقرؤة ومسموعة وعلى صفحات الانترنت هذا الثورة المعلوماتية وتلك الحرية التي طالما قدم في سوحها الشهداء شهداء الكلمة الطيبة الحقة. يبقى ان نعلم ان امال العراقيين بغد افضل لا تزال لم تتعدى عتبة دارهم وهناك العديد من المشاكل المالية والاجتماعية والهاجس الامني وضروف العيش القاسية تخيم في سمائهم.
لا ريب ان كل عملية تغير جذري في المجتمعات تشفعها مقاومة ورفض للجديد ونحن العراقيين لا نختلف عن الاخرين في كوننا نتوجس ونشك في ببواطن الامور ونعزوا الكثير من التغير الى ايادي خارجية اجنبية لا بل ان خيالنا خصب نحيك حولها السيناريوات والمؤامرات ونكتب الحوارات الخيالية ونقدمها بصورة حقيقة واقعة الى الناس في اسلوب مبالغ لا يكاد الا ان يتحول الى حديث الساعة والمجالس ويصدقها بعض العامة. ان الرياح الهابة ضد التيار وحدها كفيلة بارتفاع الطائرة الى السماء ودونها قد لا ترتفع قط. المقاومة الوطنية العراقية السلمية متاصلة في الروح العراقية و رفض الجديد المختلف حالة انسانية وقد تواجد في اعرافنا ومنذ الازل وحتى يعتبر"التجديد" في الكثير من الاحيان بدعة يجب محاربتها والغاء وجوده. وطننا تحت الاحتلال وقوات المتعددة الجنسيات منتشرون في كل مدينة وقصبة يساعدون اهلنا في محنتهم. واخرون يتربصون بنا خوفا من ان مجريات الامور وتحسن احوالنا سيسبب لهم ضيقا في ديارهم وربما يزعجهم مواطنيهم طالبين التغير على الطريقة العراقية فينفثون النار من افواههم على كل ماهو عراقي واصيل ولكنهم كذلك التنيين الخرافي لا يكاد ان ينقشع الضباب ويراه الناس بام عينهم بانه من الورق وتختفي الخرافة وقصورهم الرملية.
الجبهة الداخلية العراقية متينة برجالها، نسائها، شبابها، اطفالها وشيوخها. بعربها وكوردها وتركمانها وكلدو اشوريين وسريانها وارمنها بشيعتها وسنتها بالنصارى والمسيحيين و بمندائيها بيهودها بايزيديها بشبكها بكاكئيها باهل الحق والمعدان وفيليها بالرافظة وبطيف الفكري و السياسي البديع من يسارها الى يمينها ومن معتدليها ومتدينين وعلمانيين وتقدميين احتظنوا جميعا الوطن في صدورهم وكتبوها على شغاف قلوبهم يحملونه معهم اينما وجدوا وحتى هؤلاء الذين تركوا الديار طوعا او قسرا يرتفع اصواتهم محبة لبلاد ذات الجدائل الذهبية دجلة والفرات من شمالها الكوردستاني الى ابلتها على الخليج ومن قير خانقين الى نواعير عانه وهيت وطربيل ومن صحن الامام علي وشهيد كربلاء الحسين (ع) الى منائر سامراء وكفل والموصل وزين العابدين وقادر كرم والكاظمين وسيد محمد والعسكري و النبي دانيل ويونس........سيلتقون جميعا ليتوجهوا الى صناديق الاقتراع ولينتخبوا نوابهم ممن يرونهم مناسبا واهلا لحمل المسؤلية.
الامل العراق والمولود من جديد على ضفاف نهري الزلال بعد ان فاز بها الانسان العراقي حصرا قبل غيره وبعد ان طال الانتظار من ايام جلجامش الباحث عن عشب الخلود وجوديا الحكيم الى يوم نيساني اعاد الامل الى ملايين الارواح الانسانية التي نحرها النظام السابق وباتوا يسبحون يطوفون في سماء الوطن يحرسونه انتظارا ليوم الخلاص. اما الخوف الذي سبق تلك العاصفة وبعدها والحقد الدفين الذي مورس ويمارس اليوم وبشكل غير انساني على ارض الرافدين سيبقى شهادة لصبر ايوب العراقي. فقد فقد العراقيين خيرة ابنائهم ولا يزال الدم العراقي الطاهرة يقدم قرابين من الشهداء يوميا في دروب الحرية والديمقراطية والسلام والوئام الوطني وعودة الامل الى النفوس وبناء دولة الحق والقانون والقضاء المستقل والمجتمع المدني.
فسلاما الى تلكم الارواح وسلاما لك يا امي العراقية والى دموعك النبيلة سلاما الى ارواح كل من سقط شهيدا على ارض الرافدين في طريق اعادة البسمة والامل الى نفوس انسانها المعذب سلاما الى حين..


توفيق آلتونجي
السويد
عشية يوم عيد الميلاد المجيد