فهمنا من وزير النفط العراقي أن خسائر العراق بسبب تفجير أنابيب النفط في الجنوب خلال الأحداث الأخيرة كان بحدود 180 مليون دولار، وكذلك صرح بأن مجموع خسائر العراق كنتيجة لأعمال التخريب في العراق خلال العام المنصرم والعام الحالي ما مجموعه مليارين وسبعمائة مليون دولار أمريكي وهذه الأرقام بتصاعد مستمر مادامت العمليات التخريبية مستمرة في العراق.

إن هذا حق، ولكن هناك جانب آخر للحقيقة تركه الوزير للمحللين في مجال اقتصاد النفط. في الواقع لا أريد الادعاء بأني خبير باقتصاد النفط بالرغم من أني مهندس نفط، ولكن بالتأكيد أستطيع أن أتناول الأمور البسيطة من الاقتصاد السياسي بما يتعلق بالنفط والتي يستطيع القارئ البعيد عن هذا المجال من التخصص أن يساهم أيضا معي بهذا التحليل من خلال ملاحظاته وفطنته فقط.

إن تأثير قطع إمدادات النفط من دولة ما بسبب المشاكل الأمنية لم يكن له بعيد الأثر على أسعار النفط منذ زمن بعيد جدا، قد يزيد على خمسة وعشرين عاما خلت، وذلك لعدة أسباب أهمها توفر طاقة إنتاجية متاحة وغير مستغلة لدى الكثير من الدول المنتجة للنفط، فالسعودية وحدها كانت لديها القدرة قبل عشرة أعوام خلت أن تغرق السوق النفطية بما تملكه من طاقة متاحة غير مستغلة بحيث تستطيع أن تجعل سعر النفط يتدنى لحدود تقل عن تكلفة الإنتاج لمعظم الدول المنتجة، فقد استطاعت أن تصل بسعر النفط إلى حدود خمسة دولارات في الأشهر التي سبقت اجتياح الكويت من قبل صدام. لهذا الأمر أسبابه، كون الطلب على النفط آنذاك كان أقل بحدود عشرين بالمائة من الطاقة المتاحة لإنتاج دول الأوبك. أما الآن فإن الأمر مختلف تماما، حيث إن الطاقة المتاحة لا تزيد على الطلب بكثير، وربما تقترب منه إلى حد أن إضرابا عماليا بسيطا في دولة منتجة للنفط سيجعل من المستهلكين في حالة ذعر شديد والذي سيتسبب بارتفاع كبير بأسعار النفط، وهذا ما حدث خلال السنة المنصرمة، بحيث أن أحداث العراق وما تعرضت له منشأة النفط من عمليات تخريب وتوقفات بسبب ذلك جعل من الأسعار أن ترتفع تدريجيا من مستوياتها قبل سقوط نظام صدام بحدود عشرين دولار، أو أقل، للبرميل لتصل اليوم إلى خمسين دولارا، وكلما ازداد التهديد لهذه المنشأة النفطية، فإن سعر النفط سيزداد كنتيجة لازدياد التكالب على شرائه خشية الانقطاع. وقد حاولت المملكة العربية السعودية، كونها أكبر منتج للنفط، أن تحد من تصاعد الأسعار بما لديها من طاقة متاحة أكثر من حصتها في الأوبك، فلم تفلح بذلك، وساهمت معها باقي الدول بما تملك من طاقات متاحة أكثر من حصصها في الأوبك، فلم تفلح أيضا، وهكذا بقي السعر يتصاعد تدريجيا حتى بلغ هذه المستويات العالية جدا. الأمر سيبقى هكذا مادام استهداف منشأة النفط في العراق مستمرا، وأعمال العنف المسلح مستمرة في العراق، فإن أسعار النفط ستبقى ترتفع دون توقف، والسبب واضح كون الدول المنتجة لا تمتلك هذه الأيام طاقة متاحة أكثر من حصتها المحددة من قبل أوبك بكثير وبعضها لم يستطع أن يبيع حصته بالكامل تاركا إياها للمنتجين الكبار.

بناءً على ما تقدم دعونا نحسب خسائر العراق الحقيقية، إن كانت فعلا خسائر، وكذلك خسائر أو أرباح أمريكا كنتيجة لهذه الزيادة بأسعار النفط.

سنجري الحساب على مرحلتين:

الأولى منذ سقوط النظام في التاسع من نيسان العام الماضي وحتى التاسع من نيسان هذا العام.

والثانية منذ التاسع من نيسان هذا العام وحتى تاريخ كتابة هذا التقرير.

خلال المرحلة الأولى كانت المعطيات كالآتي:

إنتاج العراق قد تصاعد بشكل تدريجي من 200 ألف برميل يوميا حتى وصل إلى مليوني برميل يوميا تقريبا، أي بمعدل إنتاج يومي يقدر بمليون ومئة ألف برميل يوميا، وللتقريب سنحسبه مليون برميل يوميا.

سعر النفط كان يوم سقوط النظام يراوح بحدود 18 إلى عشرين دولار، وإرتفع خلال عام، أي حتى التاسع من نيسان الماضي ليبلغ سعر بحدود 32 دولارا. فمعدل السعر خلال العام المنصرم كان 25 دولار للبرميل الواحد.

من هنا نستطيع أن نحسب أن عائدات النفط كانت بحدود تسعة مليارات ومئة وخمسة عشرين مليون دولار

ولو لم تكن هناك عمليات تستهدف خطوط النفط لما إرتفع السعر، ولكن لم تتوقف العمليات خلال العام المنصرم ولو ليوم واحد، هذا بالإضافة إلى الأعمال المسلحة التي هي الأخرى تساهم بتهديد المستهلك للنفط ومن ثم يزداد الطلب خوفا من توقف نفط العراق عن الأسواق، وهكذا يمكن أن نحسب الزيادة بعائدات العراق بسبب زيادة سعر النفط من 18 دولار إلى معدل 25 دولار أي بفارق يقدر بسبعة دولارات للبرميل الواحد:

وهكذا فإن العراق قد جنى زيادة بعائدته ما مقداره مليارين ومئتي مليون دولار.

وهذه الزيادة بالعائدات تقترب من إجمالي الخسائر كنتيجة لما تخرب والتي قدرها الوزير بمبلغ مليارين وسبعمائة مليون دولار، أي إن العراق عمليا لم يخسر إلا القليل خلال العام الماضي بسبب التخريب للمنشاة النفطية.

أما الفترة الأخيرة التي تمتد من التاسع من نيسان الماضي وحتى كتابة هذا التقرير فإن الحسابات ستكون كالآتي:

سعر النفط في نيسان الماضي كان بحدود 32 دولار، وسعره الآن بحدود 50 دولار، أي بزيادة مقدارها 18 دولار عن نيسان الماضي، وزيادة قدرها 32 دولار عن نيسان عام 2003، وهذا في الواقع هو الفرق الذي يجب أن نأخذه بالحساب لهذه المرحلة، وذلك بالرغم من أن الزيادة الجنونية الأخيرة التي جاءت الآن كنتيجة لعمليات التخريب في الجنوب كانت ذات أثر أكبر على أسعار النفط وهي في الواقع إمتداد للعمليات التي جربوها في الإنابيب الشمالية، حيث الأخيرة مازالت مستمرة لحد الآن.

إنتاج العراق خلال الفترة الأخيرة أي من التاسع من نيسان وحتى الآن( 131 يوم) كان بمعدل مليونين ومئتي ألف برميل يوميا. كان الإنتاج قد توقف لمدة إسبوع تقريبا، فالمدة الحقيقية هي 124 يوم.

مجمل عائدات العراق كنتيجة للزيادة بسعر النفط والتي تسببت بها الأعمال التخريبية كانت تساوي ثمانية مليارات وسبعمائة وثلاثون مليون دولار.

كان من المفروض أن تكون عائدات العراق من النفط خلال الأربعة أشهر الأخيرة فيما لو بقيت الأسعار على ما كانت عليه قبل سقوط النظام البعثي والتي كانت تساوي 18 دولارا، فإنها ستكون أربعة مليارات وتسعمائة وعشرة ملايين دولار، أي بفارق وقدره ثلاثة مليارات وتسعمائة وعشرين مليون دولار، أي تقريبا أربعة مليارات دولار كفرق بالسعر لصالح العراق بسبب أعمال التخريب.

من هذا نستنتج أن العراق لم يكن خاسرا من هذه الأعمال، بل خرج رابحا مبلغ أربعة مليارات دولار في نهاية المطاف، ويجب أن نفهم أن مبلغ المليارين وسبعمائة مليون دولار كانت كمبلغ إجمالي لعمليات التخريب وتم حسمها من عائدات العام الماضي في هذا الحساب. وكلما ازادات عمليات التخريب كلما كان ربح العراق أكثر.

أما أميركا فلها حساب آخر، حيث أميركا تمتلك حوالي أربعين بالمئة من إنتاج النفط في السعودية ودول كخليجية أخرى. صحيح إنها تدفع مبلغ أكبر لشراء النفط لاستهلاكها الداخلي، ولكنها تجني أرباحا خيالية كنتيجة لارتفاع أسعار النفط. أمريكا تملك امتيازات في مناطق كثيرة من العالم ومنها روسيا وجمهوريات الإتحاد السوفيتي السابقة وتمتلك امتيازات في بحر الشمال وأفريقيا وأمريكا اللاتينية وأماكن كثير أخرى في آسيا واستراليا، وفي كل بقعة من هذه البقاع لها شركاء وتستحوذ على نسب مختلفة حسب المنطقة وعقود الامتياز. لذا من الصعب جدا حساب أرباح أميركا كنتيجة لأعمال الإرهاب في العراق، فهي الرابح الأكبر وحتى أكثر بكثير من أرباح السعودية مثلا كنتيجة لهذه الزيادة في العائدات النفطية. للقارئ أن يتخيل، أن العراق الذي يبيع فقط مليونين برميل يوميا استطاع أن يجني أرباحا قدرها أربعة مليارات دولار خلال أربعة أشهر فقط كفرق ناتج عن الزيادة بالأسعار بسبب التخريب بشكل عام في العراق، فما الذي نتوقعه من أرباح أمريكا كنتيجة لمثل هذه الزيادة؟؟

حاولت حسابها من خلال معطيات كثيرة ومعقدة لا تهم القارئ بكثير، فكانت النتيجة أن أميركا قد جنت أرباح إضافية كنتيجة لزيادة أسعار النفط أكثر من عشرين مليار دولار خلال الأربعة أشهر الأخيرة وتزيد على مئة مليار منذ سقوط النظام البعثي حتى الآن. وكلما ازداد السعر كلما ازداد ربح أمريكا أكثر. وهذه المبالغ التي حققتها أميركا كزيادة على أرباحها المعتادة تزيد على ما صرفته في حربها على العراق بكثير، حيث أن المبلغ الإجمالي الذي صرفته أمريكا على عملياتها العسكرية في العراق وأفغانستان لم يزيد على مئة مليار دولار، مجملها عاد للولايات المتحدة كمشتريات للسلاح والعتاد والمعدات العسكرية، وقد استفادت منه إسرائيل مبالغ تزيد على سبعة مليارات دولار كتجهيزات للجيش الأمريكي في العراق معظمها مواد غذائية.

فما الذي جنته أعمال الإرهاب والتخريب في العراق إذا؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟

[email protected]