نسى الكثيرون أن الأرهاب الإسلامي، الذى خرج من قلب العالم العربى مؤخراً، كان موجها أساسا ضد الأنظمة الحاكمة المحلية ومجتمعاتها لإقامة الدولة الإسلامية، أو دعم وجودها، فى تلك البلاد. وكانت معارك هذا الإرهاب مركزة فى بدايتها فى الجزائر ومصر والسودان منذ بداية ثمانينات القرن الماضى. ونسى الكثيرون كذلك ان العمليات الإرهابية التى حصدت آلاف الضحايا من المواطنين المسلمين وغير المسلمين فى تلك البلاد كانت متواكبة مع ما سميّ بالصحوة الإسلامية التى رعتها مؤسسات إسلامية، رسمية وغير رسمية، فى طول وعرض العالمين الإسلامي/ والعربي.
ونسي الكثيرون أن حُمّى جنون الإرهاب أخذت تنتشر فى قلب افريقيا وغرب ووسط آسيا، بدعم من دعول عربية – مثل السعودية، وغير عربية - مثل باكستان والسودان - بدعوى دعم حركات التحرر الإسلامى ودعم تطبيق "الشريعة الإسلامية" الغراء، مستخدمين العنف دون حدود، فى محاولات يائسة لزعزعة الأمن فى فى العديد من المناطق، بل ومحاولة تقطيع أوصال الدول، لإقامة دويلات إسلامية منشقة عن الدولة القائمة.
وإستمرت هذه الأعمال الإرهابية لتصل إلى قلب أوروبا، فى الوقت الذى فتحت أوروبا قلبها لملايين من المهاجرين العرب والمسلمين، ليعيشوا فيها كمواطنين، وإذ بالعالم يشهد خروج بعض من هؤلاء المهاجرين بعمليات إرهابية خطيرة – مثل ما حدث فى أسبانيا وفرنسا والبانيا، وروسيا، بشكل ينم عن وحشية وهمجية منقطعة النظير.
فى الوقت الذى يواجه العالم هذا الخطر المدمر، يخرج علينا بعض الكتاب بالحديث عن سماحة الفاتحين العرب، وإلتزامهم بالعهود والمواثيق. وكيف أن هؤلاء الإرهابيين الجدد لم يكونوا على مستوى أخلاق أسلافهم من العرب الفاتحين فى السماحة والكرم! أي هراء هذا وأي تستطيح وضحالة فى قراءة التاريخ؟
إن الغزوات العربية، بدءا من القرن السابع، وحتى إنهيار الإمبراطورية العثمانية فى القرن الثامن عشر، أو ما يسمونها بالفتوحات الإسلامية، لم تكن إلا حركات إستعمارية إمبريالية إعتمدت الإرهاب والترهيب إساساً فى السطو على تلك البلاد ونهب خيراتها ونقلها إلى عواصم الدولة (الخلافة) الإسلامية ، الأمر الذى أنهك تلك البلاد مع مرور الزمن، وقضى على عزها وحضارتها بغير رجعة.
لقد قامت الحضارة الإسلامية على أكتاف أبناء البلاد المفتوحة، الذين عُربوا وتأسلموا مع مرور الزمن، تحت سياسة إستعمارية إمبريالية لم يعرف التاريخ الإنسانى لها مثيلا. وكانوا قد إستمروا فى صنع الحضارة إلى حين. ولكن تحت ظروف القهر والنهب التى إستخدمها الحكام المسلمين، سواء من العرب أو المماليك أو غيرهم من الأجانب، وبعد أن تغيرت التركيبة السكانية (ديموغرافية) تلك البلاد ذات الحضارات التليدة، مثل مصر وما بين النهرين، و سوريا وفلسطين والأناضول، وشمال إفريقيا، وإنفصل السكان الأصليون عن جذورهم الحضارية، إنهارت مظاهر تلك الحضارة التى صنعوها تحت حكم إتسم بالإرهاب من بدايته إلى نهايته، إلا فى فترات قصيرة ومتقطعة.
أما موضوع إتفاقيات الفتح أو عهود العرب مع أهل البلاد المفتوحة، مثل عهد عمر، فلا تزيد عن كونها "وعود" كاذبة، مثل أى وعود صادرة من أى محتل دخيل. هذا إذا جاز لنا قبولها بشكلها المتواتر فى كتب التاريخ الملفق. فوقائع التاريخ تكذب تلك النصوص، إذ أن تاريخ الشعوب المغلوبة لم يتسم بالعدل والسلام، إنما بالتمييز والقهر والحرب المستمرة، مع إختلاف درجة حرارة تلك الحرب، طبقا للظروف وأهواء الحكام، وتفسير الفقهاء، وإختلاف الآيات بين متشدد ومتسامح!
كانت تلك الدول تُحكم بالشريعة، وكان كما هو الحال الآن مع إختلاف الطريقة والمظهر، فالأحكام المطبقة على المسلمين غير تلك المطبقة على غير المسلمين. والفرق بين الأحكام هو العزة للمسلمين والذلة لغيرهم إلى أن يصيروا مسلمين! هكذا تقول كتب الفقه، بكل صراحة، و دون مواراة.
أما العالم فقد قسمه العرب المسلمون إلى عالمين، العالم الإسلامى، وجعلوه "دار سلام"، والعالم غير الإسلامى، وجعلوه "دار حرب"، مرصود للفتح/الغزو (والبعض يقول: التحرير) الإسلامي!! إنه إرهاب مستمر. وحالة حرب دائمة، تتخللها هدنات، إلى أن تخضع الأرض كلها لله ورسوله، سلماً أم حربا، وهى فى العرف الإسلامي ليست مجرد حرباً عادلة، بل جهاداً!
فصد الدعوة الإسلامية، حتى وإن كان سلما، يعتبر عملاً من أعمال الحرب "الحرابة" أو "الفتنة" فى الفقه الإسلامي والواقع التاريخي الإسلامي، منذ بدايته. وشواهد ذلك كثيرة فى كتب التاريخ والفقه الإسلامى.
لاشك أن هناك بعض المسلمين ممن يعارضون مثل تلك التفاسير والممارسات التاريخية. ولكن هناك على الطرف الآخر من لا يزال يؤمن بما هو مكتوب فى كتب التراث الإسلامي، وما سجلته كتب التاريخ الأسود للفتوحات/ الغزوات الإسلامية!
هذه الفئة الأخيرة هى التى تنشر الإرهاب فى عالمنا المعاصر، بدءا من البلدان العربية والإسلامية، عبورا بأوروبا إلى الولايات المتحدة، وفى كل عملياتها الإرهابية لها من أسباب وحجج عديدة، يتسم بعضها بالجنون، وتعتمد فى أحيان أخرى على تفسيرات دينية تراثية، وأمال إستعمارية إمبريالية، ربما يمكن قبولها، وخصوصا إذا فضلنا نصرة الإسلام على نصرة الكفرة من الإمريكان فى حكم العالم. فعلى الأقل، ومما لاشك فيه أن حكم العالم بالإسلام سيكون أكثر عدلا وسلاما، بل والأهم من كل ذلك إنه عمل مرضى عليه من الله سبحانه وتعالى، وتنفيذا لوصاياه لنشر الإيمان والفضيلة. هكذا كانوا – من البدء - يوقولون، ولا يزالوا يقولون، حتى وإن فجروا العالم كله.

* رئيس المنظمة الكندية المصرية لحقوق الإنساان