تعتبر ظاهرة الدروس الخصوصية إحدى نتائج فشل الجهاز التعليمي بالدولة في أداء واجبه نحو المواطنين.. الأمر الذي أدى إلى وجود طلاب مستواهم العلمي ضعيف، إذا ما قورنوا بالأجيال السابقة عليهم.


وكلنا نرى اليوم كيف أصبحت الدروس الخصوصية أحد أهم أسس العملية التعليمية في مجتمعنا المصري، بل لن أبالغ إذا ما قلت أنها أصبحت أهم لدى الطالب من ذهابه إلى المدرسة والانتظام بها.. و نلاحظ أيضا أن ظاهرة الدروس الخصوصية لا ترتبط بطبقة معينة، أو شريحة ما من المجتمع، حيث أنها قد جاءت كنتيجة لقصور في أداء الجهاز التعليمي بالدولة، والذي يخضع له جميع أبناء الشعب.. خصوصا في المدارس الحكومية.


و الأسوأ في تلك الظاهرة.. أننا نجدها وقد امتدت إلى داخل الجامعة، التي انتقلت إليها بعض أمراض التعليم ما قبل الجامعي، فنجد الطلبة في كثير من الكليات يجتمعون حول أستاذهم (المعيد) في حلقات دراسية خارج الجامعة قبيل فترة الامتحانات، مما جعل تلك الحاجة لدى الطلبة سببا في أمر جديد.. ألا وهو نشأة المراكز التي تقوم على تلخيص المناهج في شكل مذكرات للطلاب.. تلك المذكرات التي أصبحت في بعض الكليات -ككلية التجارة مثلا- بديلا عن الكتاب الجامعي.. !


واليوم.. لن نبحث في الأثر العلمي الذي تتركه الدروس الخصوصية و (توابعها) على الشباب المصري، بقدر ما نبحث في أثرها على نظرة الشاب نحو المجتمع والدولة بأجهزتها الرسمية.. وسيتـضح لنا بعد البحث سويا حجم الآثار الخطيرة لتلك الظاهرة على الشاب المصري و على علاقته بالمجتمع والدولة، سواء من الناحية الاجتماعية، أو من الناحية السياسية.


والآن.. تعالوا سويا نستعرض معا بعض تلك الآثار السيئة للدروس الخصوصية على حياة شبابنا المصري في شكل نقاط..

1 - فقد الثقة في المجتمع وفي أجهزة الدولة:

يجد الشاب نفسه بعد تخطيه لمراحل التعليم المختلفة، وقد تعرض لتآمر مشترك من ناحية أستاذه ومدرسته التي أهملت في تعليمه، والتي تـُمثِّـل الدولة هنا (ممثلة في الجهاز التعليمي).. ومن ناحية أخرى نجد الأهل والأسرة (نواة المجتمع) مشتركون في تلك المؤامرة، فالأسرة لم تقف في وجه الدولة التي أخفق أحد أجهزتها (الجهاز التعليمي) في أداء دوره تجاه ابنهم، ولم تدافع الأسرة عن حق ابنها لدى الدولة، بل نجد الأسرة قد اتجهت للهروب من المواجهة باستقطاب (عميل) من الجهاز الحكومي كي يقوم بالتدريس لابنهم، كبديل عن مواجهة الإخفاق و صاحب الإخفاق (الحكومة).


ولنا هنا أن نخرج بأن أول الآثار السيئة على الشاب المصري بعد تعرضه لمثل تلك التجربة، هو فقده الثقة في مجتمعه و في دولته بأجهزتها الحكومية.. وذلك بعد صدمته الأولى في التعامل مع الجهاز التعليمي الممثِّـل الأول للدولة لديه، والمتمثل في المدرسة الفاشلة في أداء دورها، إلى جانب المدرِّس المتآمر على الجهاز التعليمي المنتمي إليه.. كذلك كانت صدمته الأولى في مجتمعه الصغير (الأسرة )، لعدم قدرته على مواجهة الدولة، والاتجاه بدلا من ذلك إلى التآمر السلبي، ومخالفة قوانينها سرا.

وهنا.. لنا أن نوجه بعض الأسئلة لأولئك الذين يتشدقون بالحديث عن الواجب الوطني كفرض أبدي على شباب الأمة.. أولئك الشباب الذين مروا بتجربة أفقدتهم الثقة في الدولة والمجتمع..


س: أليس من المنطقي أن يفكر هؤلاء الشباب في الخروج على تلك الدولة التي لم تستطع أن تقوم بواجبها تجاههم..؟؟


س: أليس من المنطقي أن يحاول أولئك الشباب أيضا الخروج أو على الأقل عدم الانتماء لذاك المجتمع غير القادر على مواجهة حكومته..؟!


س: بعد رؤية الطالب لنموذج المعلم (المدرس الخصوصي) وهو يتآمر على الجهاز التعليمي المنتمي إليه –رسميا- مخالفا بذلك للقانون، أليس من المتوقع منه أن يفكر كثيرا في جدية مسألة الانتماء..؟؟


وهنا نوجه سؤالا أخيرا..


أليس الخروج على الدولة وفقد الثقة في المجتمع وعدم الانتماء إليه، هما بداية لقبول أي فكرة مناهضة للمجتمع و الدولة بأجهزتها..؟؟


بمعنى آخر أليس ذلك طريقا لما تسميه الدُّول اليوم بالإرهاب..؟؟


فلننتظر الإجابة بعد أن نرى باقي الصورة، و بعد أن نعرض بعض آثار الدروس الخصوصية على الشباب المصري، فربما وقتها قد نستطيع الإجابة على هذا السؤال..

عبدالرحمن مصطفى حسن

القاهرة - مصر