لا زلنا نبحث سويا في حجم الآثار التي تتركها تجربة الدروس الخصوصية على الشاب المصري من حيث علاقته بالمجتمع وبأنظمة الدولة وأجهزتها.
و كنا قد استعرضنا سويا، كيف كان للدروس الخصوصية دورا في جعل الشاب فاقدا للثقة في مجتمعه الذي لم يستطع أن يواجه أخطاء الدولة التي فقد الثقة فيها هي أيضا، و في أجهزتها الحكومية.


و دعونا نكمل سويا ما بدأناه من عرض لبعض الآثار السيئة للدروس الخصوصية التي تصيب الشباب المصري..


والتي منها :

2- تحويل الشاب إلى أداة :


يجد الشاب المتخرج نفسه يبدأ حياته العملية، بعد أن تعرض لتلك المؤامرة (غير القانونية) التي حولته إلى أداة في أيدي مدرس خصوصي يريد استغلاله بغرض تحقيق عائد مادي، و أسرة تعامل ابنها على أنه (أداة) للفخر بما يُنفَق عليه ثمنا للدروس الخصوصية، وبما سيحققه إن أحرز مجموعا عاليا.

أضف إلى ذلك.. أن هذا الشاب قد تعوّد أن الحل بيد غيره، وأنه مجرد دمية في يد من يفكر له، وذلك بدلا من أن يتجه هو بنفسه إلى حل أزمته مع مدرسته الممثلة لأحد أجهزة الدولة (الجهاز التعليمي)، من خلال الوسيلة أو التنظيم الذي يعبر فيه عن نفسه وعن مشاكله.. في الوقت الذي لم تبحث له أسرته (مجتمعه الصغير) عن إيجاد مثل تلك الوسيلة الشرعية من خلال الطرق السليمة..

فاستسلم الطالب للدروس الخصوصية التي صُوِّرت له على أنها الخلاص من أزمته مع الدولة وأجهزتها التعليمية..

وهنا.. لنا أن نتوقع من مثل ذاك الشاب بعد انتهاء تعليمه، أن ينطوي تحت جناح من يصور له أن لديه حلا لمشكلاته مع الدولة أيا كانت الوسيلة، حتى لو كانت غير قانونية، و عن طريق (مجموعات) مخالفة لقوانين الدولةز

3- تعويد الشاب على المواجهة غير المباشرة مع الدولة:

من ضمن الآثار السلبية للدروس الخصوصية، أنها ترسخ فكرة عدم المواجهة المباشرة مع الدولة من خلال الطرق الشرعية، والاتجاه إلى طرق (غير قانونية) عند مواجهة المجتمع لأي أزمة مع الدولة وأجهزتها الحكومية.

فالتصريحات الرسمية للدولة تذكر– حفظا لماء وجهها- أن الدروس الخصوصية أمر غير قانوني، ومع ذلك يتكاتف المدرس الخصوصي صاحب المرتب الحكومي الضئيل، مع الأسرة الباحثة عن مجموع كبير لابنها، في تحالف غير شرعي أو قانوني،كبديل عن مواجهة تلك المشكلة التي أوجدت مثل هذا الموقف.

وهنا لنا أن نتصور فكر هذا الشاب الذي نشأ في مثل تلك البيئة، وهذا التفكير.. ولنا أن نتصور أيضا كيف سيكون رد فعله عندما يواجه بأي مشكلة مع الدولة بعد ذلك.

أليس من المتوقع أن يتجه إلى الأسلوب القديم..؟!

أليس من المتوقع أن يخالف قوانين الدولة - ولا يخلو الأمر من روح الانتقام- ويبدأ في إيجاد تنظيماته الخاصة التي تحقق مصلحته من وجهة نظرهز.؟!

وقد تكون تلك التنظيمات تحمل اتجاها معاديا للدولة، مما نسميها اليوم- أو كما تسميها الدول- تنظيمات إرهابية..!

4- تنمية الحس التنظيمي المعادي للدولة :

لعل اخطر الآثار التي تنعكس على شبابنا ولا ننتبه لها، هو تعويد الشباب على القيام بتكوين مجموعات مخالفة لقوانين الدولة، وغير شرعية.. تلك (المجموعات) التي نشأت في حالة ضعف للدولة (المتمثلة في جهازها التعليمي)ز

و هنا نجد الشاب وقد تعود على مثل هذا الأسلوب، في أن يخرج على حكومته مكتفيا بما أنشأه هو من مجموعات وتنظيمات بديلة عن أنظمة الحكومة التي أخفقت في أداء مهامها.

فمجموعات الدروس الخصوصية لها قائد، وهدف، ومواعيد منتظمة تلتقي فيها.. إلخ، مثلها في ذلك مثل أي من المجموعات الأخرى المنظمة.. بل إن مجموعات الدروس الخصوصية اجتمعت على أنها مخالفة لقوانين الدولة إن لم تكن معادية لها.

ولنا أن نتصور ما قد يمثله هذا الحس التنظيمي الخارج على قوانين الدولة من خطر على الدولة والمجتمع سويا..

خاتمة :


استعرضنا سويا كيف كان للدروس الخصوصية آثارها التي تجعل الشاب بعد انتهائه من تعليمه قد أصبح فاقدا للثقة في مجتمعه ودولته بأجهزتها الحكومية، وأصبح أداة في أيدي غيره، فيكون وسيلة لجلب المال للبعض (المدرس الخصوصي)، و وسيلة للفخر لدى البعض الآخر (الأسرة والأهل).

بالإضافة إلى أننا رأينا سويا كيف كانت الدروس الخصوصية سببا في نشأة مجموعات مخالفة لقوانين للدولةز. لا نستبعد أن تتحول إلى تنظيمات إرهابية معادية للمجتمع والدولة بعد خبرة الشاب السابقة في تكوين مثل تلك المجموعات.


وهنا أرجو لظاهرة الدروس الخصوصية أن تلقى مزيدا من الاهتمام من حكومتنا المصرية، نظرا لأبعادها الاجتماعية والسياسية (الخطيرة) على المجتمع المصري، حتى لا نفاجأ في يوم ما بتنظيمات غير قانونية قد كونها شبابنا، ونحن في غفلة من زماننا، فنتعجب وقتها ونتساءلز.

" كيف أتى هؤلاء الشباب بمثل هذه القدرة التنظيمية..؟!"

وقتها سيكون شباب مصر قد اجتمعوا في مثل تلك التنظيمات نتيجة إخفاق الدولة في أداء واجبها تجاههم، كما أخفقت أول مرة عند تعليمهم..

عبدالرحمن مصطفى حسن

القاهرة - مص