الدكتور توفيق آلتونجي

من دفتر الذكريات عن مادب الحزن والعزاء بيوم أستشهاد سيد شباب الجنة "الحسين" عليه الصلاة والسلام في كركوك.


كانت مدينة كركوك وقبل عقود طويلة مركزا لتاخي القوميات وكانت ايام "عاشورا" ذلك اليوم الجلل في التاريخ الاسلامي والذي نقش على قلوب أبناء الفراتين منذ تلك ايام العصيبة في صحراء كربلاء الى يومنا هذا متحولا مع مرور الزمن الى أحتفال ديني يتكرر كل عام يتذكر فية المسلم ذلك اليوم الحزين والماساوي في التاريخ الاسلامي ليكون درسا ليتذكرها الطغاة حين يعتلون عروش البلاد وياخذون في حصاد النفس البشرية التي حرم الله سبحانه تعالى قتلها الا بالحق.
لا يستثنى الشعب التركماني في انتمائه الديني التعددي البديع كمعظم ابناء القوميات الاخرى حيث دخل ابنائه طوعا في هذا الدين الحنيف وعشق رموزها وتعاليمها السمحة. قد لا أغالي حين أقول بان محبتهم لآل البيت يتعدى درجة محبة جميع الكائنات على المعمورة وقد يكون كذلك ذلك من دواعي الاحساس بالظلم الذي وقع على شهداء يوم كربلاء كاتي تكرر بشكل منظم وامام أعينهم بهم وبابنائهم بالقتل ونهب تراثهم وتهميشهم وقبر روح الوطنية والشعور والزهو القومي عندهم فبات الخلاص بالنسبة لهم كالشهادة.
كركوك ذلك الطيف الحضاري البديع الذي يضم بين حنايا ازقته و أحيائه المسجد الجامع والحسينية والكنيسة والمعبد وبذلك تكاد أن تكون المدينة النموذج لذلك التفاعل الحضاري والتعددي القومي والديني هنا يتقابل ماذنة المسجد الجامع مع الحسنية في نداء "الله أكبر "خمسة مرات في اليوم وهنا يحتفل الجميع بالمناسبات الدينية وقد تكون أحياء مثل تعليم تبة - عرصة من الاحياء الفقيرة ومناطق محاذية لشارع أطلس ومحلات مثل تسعين وحمزلي وصولا الى بشير على أطراف المدينة الجنوبية خاصة بالطائفة الشيعية بكافة فروعها واصولها ولكن في تنوع جميل ووئام كبيرين من عرب وكورد وتركمان لا بل يشاركم الاخوان المسيحيين في مصابهم ويبكون معهم ويعيشون تلك اللحظات بنفس روح اخوانهم من المسلمين كنتيجة للجوار الحضاري بين ابناء الوطن العراقي.
حديثي اليوم عن شهر محرم الحرام ويوم عاشورا ايام زمان حيث يكون الشعور الديني قد وصل الى أوجه وينتشر مجالس العزاء الدينية في الحسينيات والمناطق والساحات العامة حيث يقوم الراوي بصوته الحنون حيث الغناء الديني برواية ماساة صحراء كربلاء والعبر الماخوذة من ذلك اليوم بينما يقوم المتمكنين والميسورين من العوائل والتجار بتنظيم جلسات ومادب عزاء للناس حيث يوزعون الشاي على الحاظرين بينما بتوالى الخطباء من فوق منبر عالى يرون الحوادث الماساوية التي أصابت بالحسين سيد شباب الجنة وآل بيته يوم عاشورا والحزن والندم ينتشر بين الناس فيقومون بلطم صدورهم حزنا ويبكون ذلك اليوم بحرقة. هنا يقوم أحدهم كمن يخفي شيئا بين ملابسة فتراه قد أخذ ملعقة صغيرة وربما قدح الشاي المسماة "أستكان" ليس من أجل السرقة لا سامح الله بل ينذر المرء في هذه الايام يطلب من الله عز وجل أن يحقق ما نواه وبالمقابل ياتي العام القادم بعد أن تحقق طلبه ب درازن من المعالق وربما من أقداح الشاي الى تلك المادبة ويهديها لهم وقد ياتي بالشاي والسكر كذلك.
يصل الحزن والاحتفالات الدينية الى أوجها يوم عاشورا "يوم الطبك" حيث ينام الناس ليتهم ذلك بين أقربائهم في منطقة حمزلي وفي صباح اليوم التالي يخرج الناس الى الشوارع بينما تقوم بعض العوائل بتوزيع "الهريسة" على الناس وينتشر موزعي الماء البارد صيفا على المارة"ماء سبيل" ثم يبدا الموكب بالمجيئ ترى مجموعة اللطامين والذين يضربون على أكتافهم بالزناجير وموكب الذين يستعملون "القامة" وهو السيف الطويل في ضرب رؤسهم المحلوقة لهذا الغرض بينما يرتفع اصواتهم بنداء "يا علي.. الله أكبر"
وقد يكون بعض المواكب شبيهه بتلك ما حدث في ذلك اليوم حيث يقوم ممثلين هواة بتمثيل وقائع عاشورا بينما تتعالى عويل الصغير والكبير حزنا على وقائع النكبة.
سيتكرر كل عام الاحتفال بهذا اليوم ويبقى رأس أنسان الرافدين ويداه مرفوعتان الى السماء في دعاء مقدس وليحل الامن والسلام والطمئنينة ربوع الوطن.