هل ستكرر سوريا اخطاء صدام وترفض صيغة عربية لاستدراك الموقف

عندما احتل صدام حسين الكويت توسل له العالم العربي والغربي أن ينسحب وينصاع لقرارات الامم المتحدة ولكنه رفض وتعنّت.
حاول الملك حسين رحمه الله التدخل معه لاقناعه بالانسحاب وايجاد صيغة عربية لحل الأزمة لكنه رفض بشدة.

توسل له كورت والدهايم السكرتير العام للامم المتحدة ولكن دون جدوى

قابل جيمس بيكر المبعوث الاميركي طارق عزيز وحذره من مغبة البقاء في الكويت ولكن دون جدوى.
ذهب سكرتير الجامعة العربية آنذاك عصمت عبد المجيد لصدام حسين وطلب منه الخروج من الكويت. وكذلك ايدوارد هيث رئيس وزراء بريطاني سابق وتوني بن وزير عمالي بريطاني سابق وتوسل له بيريز دي كويلا سكرتير سابق للامم المتحدة وعدد كبير من قادة العالم ولكنه رفض وأبى وعنّد عناد الثور ولم يتزحزح.
وتوسلت له اوروبا وآسيا بأن ينسحب من الكويت ولكنه أبى. تدخلّت الدول الاسلامية معه للانسحاب ومنع الغزو الاميركي ولكنه ازداد صلابة.

لم يجرؤ أي من وزراءه او مساعديه من تحذيره أو ارشاده خوفا على أنفسهم من بطشه.
ووعد شعبه ووعد الساذجين في العالم العربي خاصة في الاردن وفلسطين أنه سيخوض ام كل المعارك واأنه سيحرر فلسطين. راهن خطأ واثبتت كل توقعاته انها خاطئة.

راهن أن يثور الشارع العربي ويدمر المصالح الاميركية في المنطقة وكان رهانه خاسرا
راهن على الصين وروسيا وفرنسا ان تدعمه سياسيا ولكنه خاب أمله.
واخطأ عندما ظن أن أميركا غير جادة في غزو العراق.

وتحولّت ام كل المعارك الى أم كل الهزائم.

نجح صدام حسين في خلق كارثة سياسية وانسانية في العراق

استطاع أن يقسم العالم العربي الى معسكرين أحدهما مؤيد له والآخر ضده

لعب دورا حاسما في نزوح 200 ألف فلسطيني واردني من الكويت

نجح في اعطاء اميركا قواعد عسكرية في الخليج

وبعد الهزيمة المنكرة، تشبث بالحكم وكرر الخطأ مرة أخرى عام 2003 عندما أعطي الخيار بمغادرة العراق هو وعائلته وأمواله. آنذاك توصلت الاردن الى اتفاق مع الولايات المتحدة ان يتم السماح لصدام وعائلته والمقربين منه بالخروج آمنين وذهب مروان المعشر وزير الخارجية الاردني بعد محادثات مطولة مع كولن باول لاقناع صدام بالخروج ولكنه احتقرالاقتراح. وبنفس الاسلوب الوقح احتقر توسطات الشيخ زايد رحمه الله.
ولاقى ابناء صدام حتفهم ولكن بطل العروبة قرر الاختباء في حفرة بائسة حيث قبض عليه.

هذا جعلني أشك في مقدرة صدام حسين العقلية. هل الرجل معتوه أو غبي أو حمار. أثبت للعالم أنه يتمتع بالخصال الثلاثة مجتمعة.


لا اعتقد ان بشار الاسد سيكرر اخطاء صدام حسين بتجاهل المطالب اللبنانية والدولية بالبقاء في لبنان. الكرة في الملعب السوري الآن. ولا يستطيع أن يتجاهل الموضوع. ولا تستطيع سوريا أن تتبنى استراتيجية النعامة كما فعل نظام صدام.

ويتعين على سوريا أن تتعامل مع هذا الملف بجدية تامة وأن تجد صيغة عربية للاتفاق مع لبنان على جدول زمني للخروج والتوصل الى تفاهم عربي عربي وسوري لبناني لقطع الطريق على المتربصين الذين سيستفيدوا من الفوضى والزعزعة التي ستنتج عن أي تدهور في العلاقات السورية اللبنانية.

التدخل العسكري الاميركي او فرض عقوبات اقتصادية بقرار مجلس الامن سيأتي بالكوارث لسوريا ولبنان والعرب جميعا. والذي سيتفيد في النهاية هي اسرائيل.

التعامل الجاد بموضوع الانسحاب من لبنان يجب ان يرافقه اصلاحات داخلية تهدف الى تقليص دور ونفوذ الحرس القديم واجهزة المخابرات. اطلاق سراح المعتقلين السياسيين من صحفيين ومفكرين واصلاحيين ونشطاء حقوق الانسان. المصالحة الوطنية الداخلية ستدعم الحكومة السورية في مواجهة التحديات.
والمصالحة لا تقتصر على الداخل فقط. يوجد في اوروبا عناصر سورية ذات تأثير ووجهات نظر اصلاحية وديمقراطية يجب السماح لها بالعودة والمشاركة في بناء دولة حديثة ديمقراطية تستمد شرعيتها من الشعب السوري وليس من فئة ذات مصالح أو أجهزة مخابرات قمعية.

لماذا لا يبادر الرئيس بشار الاسد باصدار عفو عام عن جميع السوريين المطلوبين، والترحيب بكل سوري يريد العودة الى سوريا. وليبدأ بدعوة أقرب المقربين له بالعودة والمساهمة في بناء سوريا حديثة على أسس ديمقراطية وأعني بذلك الدكتور رفعت الاسد وانجاله، ناهيك عن آلاف السوريين الذين يحبوا سوريا والعودة والمساهمة في بناء الوطن. وقال لي صديق سوري أن الخوف من المخابرات التي تنتظرك في المطار هو الرادع الاول الذي يمنع السوريين في الخارج من العودة.
الاصلاح ليس مطلب اميركي بل مطلب سوري شعبي. الحرس القديم سيقاوم وسيتشبث في السلطة مدعوما من المخابرات. على بشار الاسد ان يوجه هؤلاء ويقص أجنحتهم.

قصدا ومتعمدا لم أعلق على اغتيال المرحوم رفيق الحريري لعدم تواجد دليل قاطع من هو الجاني ويبدو أن سوريا تجلس في قفص الاتهام في المرحلة الحالية حتى تأتي أدلة لاثبات براءتها. هناك أكثر من طرف يستفيدوا من غياب الحريري عن الساحة بما في ذلك أطراف داخلية في لبنان واطراف عربية وغير عربية وسنسمع الكثير عن هذا الموضوع في الاسابيع القادمة.


نهاد اسماعيل - لندن