فوجئت الاوساط السياسية بالزيارة التي قام بها الرجل الاقوى في قائمة الائتلاف الزعيم الوطني احمد الجلبي ل(هيئة علماء المسلمين) الجهة السنية المتشددة ولقاءه بمسؤولها الاول الشيخ حارث الضاري. واعتبر بعض المراقبين هذه الزيارة بمثابة بداية عهد جديد ستشهده العلاقات الشيعية السنية في العراق بينما اعتبرها البعض الاخر مناورة سياسية للجلبي الذي يجيد فن المناورات ببراعة الغاية منها هو التأسيس لتحالفات جديدة بينما عدها اخرون محاولة لخلط الاوراق واثارة المصاعب بوجه قوى سياسية معينة بدأت تستغل مكاسبها التي حققتها اخيرا في الانتخابات بالضغط من خلال رفع سقف مطالبها السياسية ومنها على سبيل المثال لا الحصر المطالبة بمدينة كركوك الغنية بالنفط والتي ما تزال موضع شدّ وجذب بين اطراف عراقية عديدة.

الواقع ان للزيارة التي قام بها الدكتور الجلبي ابعاد واهداف اخرى حسبما اخبرت كاتب السطور مصادر وثيقة الصلة وقريبة من الجلبي. ترى هذه المصادر ان الغاية الاساسية من وراء الزيارة المفاجئة هي محاولة تذويب الجليد بين الهيئة المذكورة وبقية القوى السياسية العراقية وترطيب علاقتها مع مختلف شرائح المجتمع العراقي ومحاولة مساعدتها على دخول الحلبة السياسية وفك عزلتها التي تسببت بها مواقفا المتشنجة من العملية السياسية الجارية ومقاطعة هذه الهيئة للأنتخابات كذلك تحريضها المستمر على اعمال العنف تحت لافتة (مقاومة الاحتلال) وما تسببت به تلك الاعمال من خسائر فادحة في صفوف المدنيين العراقيين.

كذلك تهدف الزيارة والتي جاءت بعد التحسن والتطور الملحوظ في خطاب الهيئة السنية الى مساعدة السنة على تشكيل وبلورة مرجعية سياسية واخرى دينية بدلا من التشرذم الذي هم عليه الان مما سيساعد القوى السياسية الاخرى على التواصل معهم والتفاهم حول مستقبل العراق انطلاقا من مبدأ الشراكة السياسية هذا من ناحية، ويحول دون سيطرة القوى المتطرفة الوافدة من خارج الحدود على الشارع السني واختطافهم لسنة العراق ومن ثم سحب البساط من تحت ارجل اولئك المتطرفين وانهاء العمليات الارهابية من ناحية اخرى.

ومن اهداف الزيارة ايضا حث وتشجيع السنة المقاطعين على المشاركة الفاعلة مع بقية العراقيين بكتابة الدستور الدائم من اجل ضمان حقوقهم الدستورية والقانونية في العراق الجديد. كذلك تهدف الى منح المقاطعين فرصة المساهمة في العملية السياسية وضمان عدم تهميشهم من اي طرف كان. وهدفت ايضا الى طمأنة المقاطعين الى ان الواقع السياسي الجديد الذي تمخضت عنه انتخابات الجمعية الوطنية سوف لن يفضي الى ديكتاتورية الاكثرية، بل ان الحياة السياسية الجديدة ستتسع للجميع لأنها ستقوم على اسس المواطنة والشراكة بين مختلف اطياف وتلاوين الشعب العراقي من دون بخس لحقوق احد. هذا هي اهم الاهداف التي قُصد تحقيقها من زيارة الدكتور الجلبي.

الملاحظ هو مشاركة مقام المرجعية الدينية العليا في النجف الاشرف بهذه الزيارة الخطيرة من خلال مشاركة الدكتور علي الدباغ عضو قائمة الائتلاف الفائزة والمقرب من المرجعية. بعض المحللين السياسين يفسر هذا الاهتمام بالزيارة هو حرص مرجعية النجف الاشرف على مشاركة جميع العراقيين في كتابة الدستور والانخراط في العملية السياسية كذلك فُسر على انه ُغصن الزيتون الممدود من المرجعية العليا_ التي كانت وماتزال هي واتباعها المستهدف الاول من الارهاب والعنف_ للمقاطعين ودعوٌة منها للتسامح ولطي صفحة الماضي القريب وطمأنة الاخرين ان فوز الشيعة لايعني تهميشهم هذا اذا ما عرفنا انه وبعد انتهاء الزيارة سافر الجلبي والوفد المرافق له مباشرة الى النجف الاشرف حيث التقى بسماحة الامام السيستاني وعرض عليه نتائج اللقاء وتشاور معه مما يؤكد مدى اهتمام المرجعية بالزيارة وحرصها على نجاحها. جدير بالذكر ان المرجعية الدينية لم تقطع حبل الوصل مع الهيئة السنية حتى في احلك الساعات التي شهدها العراق ورفض الهيئة اصدار اي بيان او فتوى بتحريم اعمال العنف او ادانتها. مع كل ذلك حافظت المرجعية على تواصلها مع الطرف الاخر ايمانا منها بأبوتها لجميع العراقيين دون تمييز.

يبدو ان الجلبي وانطلاق من نظريته في العمل السياسي والتي تقوم على المبادرة وصنع الفعل السياسي وايجاده يطمح الى توسيع مساحة المجلس السياسي الشيعي الذي شكله العام الماضي ليشمل سنة العراق مع وجود سنة مقربين لذلك المجلس كالشيخ فواز الجربة شيخ مشايخ عشيرة شمر ومضر شوكت واخرين، وذلك تحسبا لجميع الاحتمالات خصوصا وان زيارته تزامنت مع اخبار ُسربت عن نية الامريكيين فتح قناة حوار مع جهة سنية تُوصف بأنها ترعى العنف، بل هنالك من يذهب الى اكثر من ذلك بالقول ان زيارة الجلبي جاءت منسجمة ورغبة السيد روبورت فورت مستشار السفارة الامريكية في العراق في دعوة السنة المقاطعين الى المشاركة الجادة في العملية السياسية.

على اية حال يبدو باب الاحتمالات في المشهد السياسي العراقي مفتوح على مصراعية بعد التصعيد السياسي لقوى معينة الذي تمثل برفع سقف مطالبها واستعدادها للتحالف مع اطراف منافسة لقائمة الجلبي قائمة الائتلاف والتي انضمت اليها مؤخرا مجموعة من الاحزاب ليصل عدد مقاعدها الى 149 مقعدا متجاوزا بذلك نسبة ال 50 زائد واحد. الجلبي المعروف بأمتلاكه لحاسة شم سياسية يفتقراليها الاخرون والذي تعود على التنبؤ بالاحداث قبل وقوعها ربما قد تنبأ هذه المرة بأن صفقة ما يجري عدها في الكواليس لهذا تجده سارع بهذه الزيارة حتى يفوت على الاخرين فرصة التصيد بالماء العكر، وحتى يوجد لنفسه ورقة جديدة لللعب، فما يجري في العراق اليوم اشبه بلعبة الورق فهل سيشهد المستقبل القريب ولادة مجلس سياسي شيعي سني ليكون هو ورقة الآس الرابحة من يدري؟ فلننتظر وان غدا لناظره لقريب.