ان التاريخ مليئ بشخصيات غيروا مساره وتركوا بصماتهم بوضوح على صفحاتها وصورة العراق والعراقيين التي شوهت وبصورة منظمة تحت سيادة افكار القومية السلبية الاحادية التوجه وشمولية التطبيق ترك اثار واضحة في الداخل والخارج واليوم نحن امام منعطف تاريخي سيغير من تلك الصورة النمطية المعروفة عن العراق وابناءه البررة. الصورة الجديدة ستواجه بمقاومة من قبل هؤلاء اللذين يرفضون رؤية الواقع العراقي الحقيقي ان كانوا داخل العراق او هؤلاء مواطني الدول الاخرى فهم تعودوا ان يسمعوا ويروا صورة قاتمة احادية اللون ولوحة مشوهة عن تركيبة البوتقة العراقية والحقيقة ان العراق لوحة زاهية بديعة بتركيبتها الثقافية والاثنية والعرقية والعقائدية ففيها الكوردي والعربي والتركماني والكلدو اشوري والسني والشيعي والمندائي والنصراني والايزيدي والارمني واليهودي فكيف بهم يغيروا تلك الصورة التي تعودوا على رؤيتها دوما بعين واحدة عوراء فاليتعود الدنيا على ما كان قد قد اخفي خلال اكثر من دهر من الزمان.
لاول مرة في الحياة السياسية العراقية المعاصرة سيتم انتخاب رئيس دولة مباشرة عن طريق نواب الشعب المنتخبون عن طريق الانتخابات النيابية الديمقراطية التي اجريت في نهاية شهر شباط الماضي في العراق وبين عراقي المهجرفمن هو هذا الرئيس الجديد الذي كان النظام السابق وعلى رأسه الدكتاتور صدام حسين قد اصدر مرارا اوامره الفرعونية بعدم قبول وجوده في العراق وحورب وجوده الانساني باستصدار اوامر الفرمان الطاغوتي بقتله حتى اذا كانت الحكومة احيانا قد اصدرت قانونا بالعفو العام عن السياسيين كان اسم "الطالباني" دوما بين المستثنين من الاستفادة من ذلك العفو.
كان يردد الطاغوت واعدا معارضية بانهم سوف "لن يشربوا ماء دجلة والفرات".
ما يهمني هنا ان اقدم الزعيم العراقي التاريخي الى قارئ العربية بموضوعية بعيدا عن المديح والاطراء. هذا الانسان الذي سوف يعتلي اعلى سلطة تنفيذية في العراق الديمقراطي منتخبا عن طريق الشعب العراقي بكافة اطيافة التعددية البديعة مع التاكيد بوجود قوى رافضة طبيعية في مسار الممارسة الديمقراطية الحقة في جميع الانظمة التي تؤمن بالمجتمع المدني الديمقراطي وبتعددية الفكر والراي والعقيدة و تلك الانظمة التي لا تؤمن بنسبة ال 99% السيئة الصيت.
يبدا رحلة حياة هذا المناضل العراقي في احدى قرى كوردستان عام 1933 في قرية "كلكان" من اب وام عراقيين ابيه الشيخ حسام الدين الطالباني طيب الله ذكره ترعرع في مدينة "كوي سنجق" حيث واصل دراسته الابتدائية والمتوسطة وقد اختير وهو طالبا لتمثيل اللجنة الطلابية في كوي سنجق من اجل الاعداد للمؤتمر التاسيسي لاتحاد طلبة كوردستان عام 1948 في بغداد تعرف على العديدين من رجال السياسة والحكم من العراقيين انذاك وناقشهم في الهم الوطني الكوردي.
اما دراسته الثانوية فتتوزع بين مدينتي اربيل وكركوك في ثانوية كركوك للبنين عام 1950 الى عام 1952 وعلى مقاعد الدراسة يبدا البوح لزملائه بارئه وايمانه المطلق بحقوق الكورد في جو تلك المدينة التعددي ثقافيا وقوميا حيث الكورد والتركمان والعرب والكلدو اشوريين يتجمعون جنبا الى جنب ومنذ الازل في حوار حضاري بديع في عراق مصغر.
ينتقل الشاب الى العاصمة بغداد لدراسة الطب حسب رغبته في بداية الامر ومن ثم يستمر في دراسة الحقوق. عام 1953 يكون على راس مؤسسي اتحاد طلبة كوردستان سرا وفي عام 1956 يعقد مؤتمرها الاول في العهد الملكي، وكنت بين اللذين عملوا كذلك في صفوفها منذ عام 1970، كان انذاك الشرطة العراقية تبحث عنه وتلاحقه مما اظطره الى ترك دراسته الجامعية ومن ثم التوجه الى الصين ومن ثم الى الى الاتحاق بقائد الكوردي الخالد الملا مصطفى البرزاني المنفي منذ ايام انهيار اول جمهورية كوردية "جمهورية كوردستان"1947 واعدام قائدها الشهيد القاضي محمد ورفاقه البررة في ساحة القناديل الاربعة وسط العاصمة مهاباد. اقفل عائدا مع رجال الثورة الى بغداد اثر اعلان الجمهورية عام 1958 ليتم استقبالهم رسميا وشعبيا في احتفالات جماهيرة لا يزال الشيوخ يتذكرونها ويرون ايامها لاحفادهم. مرة اخرى تمكن من الاستمرار لاكمال دراسته الجامعية في اجواء الحرية النسبية التي ترافقت الايام الاولى لثورة تموز. كان ممثلا للحزب الديمقراطي الكوردستاني وممثل الشخصي للقائد الخالد المرحوم البارزاني في مصر لمقابلة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر عام 1963 وله علاقات وددية مع العيد من قادة وزعماء العرب ودول العالم الاخرى كما انه يحفظ بعلاقات متميزة بالقادة من جيران العراق من الاتراك وبرجال الحكم في الجمهورية الاسلامية في ايران والكويت وسوريا والادرن والمملكة العربية السعودية.
يحدثنا احد رفاقة وهو الدكتور جميل شرف عن حادثة تسمية بلقب العم"مامه" الذي يشتهر به بين ابناء الشعب الكوردي قائلا بانه اي التسمية تعود الى ايام طفولته حيث كان يجالس الكبار في السن فنعت بذلك اللقب تحببا.
يعتبر جلال الطالباني مثقفا من الدرجة الاولى وكاتبا لامعا وراعيا للمثقفين والاعلاميين مقدرا لدور الاعلام في الحوار الحضاري بين الامم.
ان الطالباني وجه العراق الجديد والاكثر معرفة بالعراق والعراقيين ولا ريب انه يمثل الشخصية العراقية الوحيدة في علاقاته الواسعة مع الدول العربية والعالم اجمع. العراقيون بحاجة الى قائد يعيد لم شمل العائلة العراقية في هذه الضروف التاريخية الصعبة التي يمر منها البلاد وانسانه المعذب وليتحد جميع قوى الخير لمؤازرته في مهمته النبيلة هذه وعلينا ان لا ننسى بان عالم الدكتاتوريات قد رحل وولى الى الابد والغد الديمقراطي بانتظار الشعب العراقي والقائد الجديد سيتحمل اعباء المسؤلية في حمل الراية الى حين وتداوريا سيسلمه الى التالي والتالي والتالي بعونه تعالى.

الدكتور توفيق آلتونجي
السويد