سودانيون.. إسلاميون.. أقباط (ملامح مشتركة)

بعد أن تم توجيه عاصفة من الانتقادات إلى السلطات المصرية بسبب سقوط عشرات القتلى من اللاجئين السودانيين على أيدي قوات الأمن المصرية التي فضَّت ndash; بالقوة- اعتصاما للاجئين دام أكثر من ثلاثة أشهر أمام مقر مفوضية اللاجئين بالقاهرة، لم يعد لدينا الآن إلا تجربة (سودانية) مريرة أعطت بعض الدلالات على حالة المجتمع المصري وما هو مؤهل له في الفترة القادمة.

فقد برز في تجربة اللاجئين السودانيين ثلاثة ملامح واضحة، أولها هو وجود تاريخ مشترك وتجارب متشابهة بين هؤلاء اللاجئين، مما قوّى اتحادهم طوال فترة الاعتصام التي زادت عن الثلاثة أشهر، أما ثاني تلك الملامح هو وجود عنصر المعاناة المشتركة بين اللاجئين جميعا.. وذلك بسبب ما عانوه في مصر من مشقة وبطالة وفقر وعدم ترحيب، إلى جانب ما كانوا قد عانوه من قبل في وطنهم الأم، أما الملمح الأخير فهو إحساسهم بالاغتراب نتيجة نظرتهم إلى مصر منذ البداية على أنها مجرد محطة يعبرون منها إلى دار الهجرة والمستقر في العالم الغربي.

أما عن الخطر الذي قد يواجه المجتمع المصري في الفترة القادمة.. فهو عن ذلك التشابه بين ملامح تجربة أولئك اللاجئين مع ملامح تجارب أخرى لبعض العناصر الداخلية في المجتمع المصري، ونقصد هنا التيار الإسلامي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين، إلى جانب بعض العناصر المسيحية (القبطية) المتطرفة.

فإذا كنا قد تحدثنا عن الملمح الأول الخاص بالتاريخ المشترك بين اللاجئين السودانيين في مصر.. فإن جماعة كجماعة الإخوان المسلمين نجد بين أعضاءها نفس تلك القناعة بوجود تاريخ مشترك بينهم، وهو الأمر الذي ترسَّخ عبر سنوات طوال.. فدفع أفرادها أن يحفظوا سير مناضليهم وأفكار رموزهم عن ظهر قلب، أما على الجانب المسيحي فنجد بعض الكتابات التي تتحدث عن نضالات (الشعب القبطي) وكأنها تؤرخ خارج سياق تاريخ مصر الإسلامي والحديث، فبعضها يصف الأقباط وكأنهم جماعة منفصلة بذاتها لها تاريخها المشترك والمتفرد مما أوجد فكرة التاريخ المشترك عند بعض العناصر القبطية المتطرفة.

أما عن الملمح الثاني وهو عنصر المعاناة الذي لمسناه في التجربة السودانية، فنجده متوافرا في خطاب التيار الإسلامي وخصوصا جماعة الإخوان المسلمين التي قد تعرضت بالفعل للعديد من المشاكل أو (الاضطهادات) من قبل أجهزة الأمن طوال حقبة طويلة من الزمان.. ولدى بعض النشطاء الأقباط من يحاول أيضا إضفاء ملمح المعاناة على الجماعة القبطية فيتحدث عن عمليات اضطهاد للمسيحيين وإجبار على الدخول في الإسلام جرت قديما وحديثا.. !

أما الملمح الأخير وهو ملمح الاغتراب.. فكما طرحناه معا في التجربة السودانية السابقة فإننا نجده ملموسا أيضا في بعض أدبيات التيار الإسلامي وجماعة الإخوان المسلمين وخصوصا عند استخدام البعض للنصوص الدينية التي تتحدث عن غربة الإسلام وأزمة المتدينين القابضين على دينهم كما يُـقبض على الجمر، إلى جانب ما تحمله تلك الأدبيات من إدانة للمجتمع والدولة، وهو ما يرسخ الشعور بالاغتراب في المجتمع الحالي على أمل إنشاء quot;دولة الحقquot;... أما داخل الجماعة القبطية فهنالك بعض العوامل الواقعية التي قد تدفع إلى الشعور بالاغتراب سواء كان هذا بسبب فوضى الدعاية الإسلامية، أو بسبب بعض التصرفات السياسية و المجتمعية الخاطئة، إلى جانب انتشار فكرة الهجرة إلى خارج مصر وصعود دور الكنيسة في القضايا المسيحية التي برزت كبديل عن دور أجهزة الدولة في بعض الأحيان.

تلك ثلاثة ملامح وجدناها مشتركة بين تجربة اللاجئين السودانيين وتجربتي التيار الإسلامي ممثلا في جماعة الإخوان المسلمين إلى جانب تجربة بعض العناصر القبطية المتطرفة في مصر... وربما تكون التجربة السودانية هي الأعمق والأعنف.. وهو ما يدفعنا هنا إلى التساؤل عما سيكون عليه حال أصحاب التجربتين الإسلامية والمسيحية إذا ما اشتدت عليهم الظروف.. هل سيلجأ بعضهم أيضا إلى اتخاذ نفس تصرف اللاجئين السودانيين..؟؟ وهل ستكون النهاية واحدة..؟؟

أظن أنه على الحكومة المصرية الجديدة ألا ترث سياسات من قبلها، وأن تعيد حساباتها من جديد فتتخذ المبادأة في حل المشكلات المجتمعية بدلا من أن تحولها إلى ملفات أمنية... فليست كل المشاكل لدى السلطات الأمنية الحل لها.

عبدالرحمن مصطفى حسن

القاهرة مصر

[email protected]