مقدمة

[عندما يضع الرجل العربى كلمة المرأة فى جملة مفيدة فهو يقع أسير صراع عنيف، ففى العلن يقول أنها الدرة المصونة والجوهرة المكنونة، وفى السر يخفى إحتقاره لها وتعاليه عليها ونظرته المزمنة إلى كيانها كمواطن من الدرجة الثانية، ولايوجد تراث أدبى فى الكون يحمل كل هذه الكمية من الغزل البرئ وغير البرئ فى المرأة، ولكنه فى نفس الوقت هو غزل جسدى لم يتطرق إلى التغزل فى العقل أو الفكر أو السلوك، وهذه الإزدواجية الذكورية هى التى جعلت من المرأة لوحة تنشين سهلة لرصاصات الرجل الطائشة، وصنعت منها تمثالاً محشواً بالقش مثله مثل النماذج التى يتدرب عليها لاعبو "البوكس "، فيكيل لها اللكمات المادية والمعنوية ليفرغ فيها كبته المزمن، وعقده المتضخمة، وطاووسيته المتورمة، وتكون النتيجة مجرد عيشة وليست حياة، عيشة فيها طرف ضد طرف آخر، وليس طرف مع طرف آخر، عيشة مثل لعبة "البازل " التى ضاعت منها قطعة واحدة ولكنها القطعة التى بدونها لن يكتمل الشكل أبداً، هذه القطعة هى التفاهم والتواصل الذى لايمكن أن يحدث نتيجة إحساس الدونية الذى تعيشه المرأة، والذى يؤدى إلى قبول العنف ضدها كأمر واقع، وهو عنف كرسته للأسف الثقافة السائدة لدرجة أن الكثير من النساء لم يعد يرون فيه مشكلة بل يعتبرونه حقاً إلهياً للرجل!!.
[ فى البداية لابد من تعريف العنف، وسنرجع فى هذا التعريف للمادة الأولى من الإعلان العالمى للقضاء على العنف ضد المرأة 1993 والذى يؤكد على أن العنف هو"أى فعل عنيف قائم على أساس الجنس ينجم عنه أو يحتمل أن ينجم عنه أذى أو معاناة جسمية أو جنسية أو نفسية للمرأة، بما فى ذلك التهديد يإقتراف هذا الفعل، أو الإكراه أو الحرمان التعسفى من الحرية، سواء وقع ذلك فى الحياة العامة أو الخاصة"، وهكذا يتسع مفهوم العنف ليشمل العنف المنزلى والمؤسسى والإجتماعى، وهو بذلك لايعنى فقط الإيذاء الجسدى والمعنوى المتمثل بالضرب والقتل والإغتصاب وماتتعرض له المرأة من إهانات وإكراه وإذلال وتهديد وشتم وحرمان، بل يعنى أيضاً كافة أشكال السلوك الفردية والإجتماعية، المباشرة وغير المباشرة، التى تؤثر سلباً على المرأة جسدياً ونفسياً، والتى تعرقل تنمية شخصيتها وقدراتها ومواهبها، وتحط من قدرتها وكرامتها، وتؤكد تبعيتها وتحرمها من ممارسة حقوقها التى كفلها لها الدستور، وتحجبها عن المشاركة الفعلية فى التنمية الشاملة لوطنها، وتشمل أشكال التمييز المؤدى إلى العنف أشياء كثيرة مثل فرص التعليم والعناية الصحية والغذائية، وتوزيع الأدوار داخل الأسرة ومنح الحريات الشخصية، والقوانين والتشريعات 000الخ، أى أنه بإختصار كل مايكرس النظرة الدونية لها فهو نوع من أنواع العنف.
[والعنف ضد المرأة فى مصر يتميز عن العنف فى مناطق أخرى فى العالم بميزة فريدة، وهى أنه يمارس منذ الطفولة، وأحياناً قبلها وهى مجرد جنين فى أحشاء الأم، فثقافتنا السائدة فى كثير من الأحيان مازالت تتوجس من ولادة الأنثى، ثم نصل إلى أخطر ممارسات العنف فى الطفولة وهو الختان أكبر جريمة وحشية بربرية تمارس ضد الطفلة الأنثى فى العالم كله، والمدهش أن الختان أصبح بالنسبة لبعض التيارات فى مصر قضية دونها الموت يرفعها ويقاتل فى سبيلها رجال يعتقدون أنهم قد حلوا كل القضايا المصرية ولم يعد أمامهم إلا متعة الأنثى يحاولون وأدها، ولذلك أفردت فصلاً خاصاً لهذه الجريمة التى تسمى من باب التأدب طهارة البنات وهى فى الحقيقة إغتيال لبراءة وإنسانية البنات، ثم خصصت الفصل التالى لمظاهر العنف الأخرى ضد المرأة من زواج مبكر وإغتصاب وجرائم شرف...إلى آخر هذه القائمة المشينة المهينة لأعز مانمتلكه وهو المرأة.
وأود أن أتوجه بالشكر الخاص إلى التى أفسحت صدرها وصفحات مجلتها لهذه الدراسة أستاذتى وصديقتى سناء البيسى رئيس تحرير مجلة نصف الدنيا، وتحملت بشجاعة أعباء المشاكل التى من الممكن أن تنجم عن مثل هذه الموضوعات التى تحاول خلخلة البديهيات وزرع القلق فى إستقرارنا المزيف، وأيضاً أعرب عن إمتنانى وشكرى للدكتورة فاطمة البودى التى إنتشلتنى من كسلى وشجعتنى على نشر هذه الدراسة فى كتاب يصدر عن دار النشر المحترمة التى تشرف عليها وهى دار العين التى دوماً تتبنى فكر التنوير، وأخيراً وليس آخراً أتوجه بالشكر لسماح زوجتى التى منها أتعلم كل شئ جميل، والتى بها عرفت أن المرأة هى أجمل شئ فى الكون، بالحضن الذى يسع الكون كله، والدفء الذى تبثه للجميع، والحنان الذى يجعلنى قادراً على تحمل مصاعب الرحلة، وإليها أهدى هذا الكتاب.
د/خالد منتصر
ص.ب 136 الإسماعيلية
[email protected]


الفصل الأول
الختان عبودية لاعبادة

الختان ليس عملية طهارة وإنما عملية بتر!
قراءة إجتماعية وأدبية

[ ختان البنات سؤال يؤرقنى منذ أن كنت طفلاً أرى بنات عائلتى يسقن إلى مصيرهن وكأنهن ذاهبات إلى السلخانة، وكبر السؤال وتضخمت علامة الإستفهام عندما إلتحقت بكلية الطب وعرفت أن هذه الجزارة البشرية التى يمارسها المصريون مع بناتهم لاتمت لعلوم الطب بأية صلة، وتيقنت وتأكدت من أن العرف والعادة والتقاليد والخرافة أحياناً ماتكون أقوى من المصلحة وأعلى صوتاً من المنطق وأشد إقناعاً من الحقيقة العلمية الواضحة، وتساءلت لماذا تدلف بناتنا من عتبة الطفولة إلى باحة أجمل سن وهو سن المراهقة عبر نافورة من الدماء؟!، وكيف نسمح لأنفسنا بممارسة كل هذه السادية بتقطيع أجسادهن وبتر أعضائهن؟، ولماذا تتضخم لدينا غدة الوصاية وننصب من أنفسنا حماة للأخلاق المزيفة التى لايمكن أن تصنعها مجرد "جلدة " إسمها البظر ولكن تصنعها منظومة كاملة من القيم يعلمها لنا الدين وتلقنها لنا الأسرة ومؤسسات المجتمع؟، ولماذا أصبحت لدينا عقدة من ممارسة البهجة ووسواس قهرى من شعور الفرحة ورعب وفزع من النشوة ومصادرة لحق إنسانى مشروع وهو حق الإستمتاع بالجسد بكامل طاقاته التى خلقها الله بداخلنا؟!، كل هذه الأسئلة وغيرها توالدت فى رأسى ثانية مع بدء حملة مقاومة الختان التى تبناها المجلس القومى للأمومة والطفولة، ووجدت أنه لامفر من طرحها حتى يواجه المجتمع نفسه فى المرآة ويرى تجاعيده بكل تفاصيلها وملامحها، فطرح الأسئلة أحياناً يكون أهم من الإجابة نفسها، وقليل من الإستفزاز العقلى فى مثل هذه القضايا يكون مفيداً، ولذلك كان لابد من مناقشة هذا الموضوع من كافة جوانبه المتعددة المتشابكة، فختان البنات ليس مشكلة طبية أو دينية أو إجتماعية فقط، ولكنها حاصل جمع هؤلاء جميعاً ونتيجة تفاعل تلك العوامل بحيث تعد مناقشة عنصر من هذه العناصر منفرداً نوعاً من الغش والخداع.
[ من المضحكات المبكيات فى قضية الختان أن يحدث الخلط الذهنى وعدم وضوح الرؤية فى أذهان المثقفين بنفس درجة اللخبطة والتشويش التى تحدث بها عند العامة والبسطاء، ويكفى أن نعرف أن أعلى صوت مدافع عن الختان هو لأستاذ لأمراض النساء والولادة بطب عين شمس والغريب أنه يصر على مواصلة رفع قضيتة ضد وزير الصحة السابق لأنه منع الختان!، وهذا يدلنا على أن الخرافة كثيراً ماتتفوق على العلم حتى ولو كان مسلحاً بالدكتوراه، وهنا تكمن الكارثة حين يتم تشفير العقول بواسطة الفكر الجمعى الذى يميل فى بعض الأحيان للغوغائية أكثر من الهدوء والمنطق، ولذلك يجب أن نعرف سيناريو تلك البربرية التى تحدث بإسم الدين والدين منها براء وهذا ماسنثبته فى فصل آخر بإذن الله، إنها بربرية إستحقت أن تحمل إسم " البتر التناسلى للإناث " FEMALE GENITAL MUTILATIONوهو الإسم العلمى الجديد الذى تستحقه هذه الجزارة التى تنتمى لعقلية القرون الوسطى ولسلوك الهمج، وسنحاول قبل أى تحليل أن نتعرف عن قرب على هذه العملية التى من الممكن أن يكون المثقفون غير مدركين لمدى بشاعتها وذلك بأن نستمع إلى هذا السيناريو الدراكولى من عدة مصادر منها عالم الإجتماع الذى رصد والطبيبة التى عانت والروائى الذى حكى والبنت التى بترت أعضاؤها حتى نكون على نفس موجة الإحساس ونستطيع أن نستوعب أركان الجريمة حتى نصدر الحكم السليم.
[ البداية مع د.محمد عوض خميس أستاذ الإجتماع الذى يصف "حفلة " طهور بنت وطبعاً نحن نسميها حفلة تجاوزاً فهى حملة دموية وليست حفلة، وأهمية وصف دكتور خميس يأتى أولاً من أنه رصد بعيون أكاديمية، وأيضاً من أنه حضر الطهارة بواسطة داية وليست طبيب، والداية مازالت حتى الآن هى مندوب الشرف السامى فى الأوساط الشعبية التى تمثل الغالبية، ويصف أستاذ الإجتماع هذه الحفلة السادية قائلاً " يجتمع حشد من النساء الأقارب المتزوجات وغير المتزوجات وعدد كبير من الأطفال والأخوة الذكور والأب وعدد محدود وخاص جداً من الرجال، وتعم الجميع فرحة غامرة!، وتتهامس النساء فيمابينهن بجمل غاية فى القباحة والتى لها دلالة على تخلفهن الشديد مثل " خليها تبرد نارها " أو " علشان ماتبقاش مالحة "، أو " شوية ويتهد حيلها..الحال من بعضه " أو " ده يكسر مناخيرها " أو " بكره تتجوز ومهما الزوج عمل لاتتعب ولاتحس "...الخ، ويعقب كل جملة من هذه الجمل ضحكات مرتفعة هستيرية دلالة على الموافقة والترحيب مع التعقيبات ذات الدلالة الجنسية الصارخة، ,هذا الضحك هو نوع من أنواع الشماتة أو تعويض لنقص فمعظم الجالسات حدث معهن مايحدث مع الفتاة المذكورة "...وهنا يسترعى الإنتباه فيما يذكره د.خميس رد فعل المرأة التى تنكر معاناتها وتتخفى وراء لسان طويل وصفاقة مفتعلة حتى تثير الغبار وتتوه القضية الأساسية، ويستكمل الدكتور وصفه قائلاً " تدخل الداية وهى سيدة كبيرة السن قوية الجسد متسخة أظافرها نافرة معها منديل معقود به مشرط طويل عرضه حوالى إثنان ونصف بوصة يشبه سكين الجزار، وتتطوع خمسة من النسوة ذوات الصحة الجيدة من المدعوات إلى الدخول معها ويبدأن على الفور فى رفع ملابس الفتاة حتى الجزء الأعلى من الجسم ثم يوزعن أنفسهن كالآتى:إحداهن تقف عند كتفيها ضاغطة عليهما بكل قوة، وإثنتان يمسكن بالفخذ الأيمن وإثنتان بالفخذ الأيسر ويفتحن الفخذين إلى آخر حد ممكن حتى يبدو العضو التناسلى للفتاة وهى فى حالة صراخ هستيرى بشع، ثم تقوم الداية بمنتهى الهدوء وبحركة سريعة جداً بضرب مشرطها قاطعة البظر تماماً ومعه جزء من الشفرتين، وبعدها يحدث النزيف الحاد من الفتاة وهى فى غيبوبة من جراء هذه العملية الإجرامية التى تتم بدون أى شفقة، وأثناء هذه العملية تكون النسوة يمضغن اللبان الدكر ويضعنه فى طبق ثم يشربن قهوة وتترك الأكواب والفناجين دون غسيل، وتقوم إحدى السيدات بجمع بقايا القهوة " التنوة " فى طبق آخر، ,يطلق البخور أثناء العملية بين النسوة المنتظرات، وتتعالى بعد خروج الداية الزغاريد الهستيرية وتقوم إحدى السيدات بخلط اللبان الدكر وتنوة القهوة والبخور المحترق معاً وتقدمهم للداية التى تدخل مرة أخرى ومعها فرقة المتطوعات لتضع الخليط السابق على الجرح وتضغطه بشكل قاسى جداً ثم تضع فوقه قطعة من قماش خشن، وتخرج الداية مرة أخرى متلقية "النقطة " أى الهبة المالية من أهل الفتاة "..إنتهى السيناريو البربرى بفرحة الجميع وزغاريدهم إلا واحدة فقط هى الفتاة نفسها التى من المؤكد أنها تنعزل بعيداً تلفها برودة الوحدة ودموع التساؤل ليه حصل معايا كده؟وإيه الغلطة اللى أنا عملتها؟، إنها لاتعرف أن غلطتها الكبيرة هى أنها قد خلقت بنتاً!.
[ ومن عالم الإجتماع إلى طبيبة وكاتبة مرموقة هى نوال السعداوى تحكى تجربتها الشخصية مع الختان، تحكيها بكل شجاعة وكل مرارة أيضاً، وهذه الحكاية لها دلالة مختلفة لأنها تصدر عن طبيبة كانت وقت ختانها طفلة تنتمى إلى الطبقة الوسطى المحافظة، وإلى أسرة تتمتع بقسط وافر من التعليم والثقافة، تحكى نوال السعداوى قصة ختانها قائلة:
" كنت فى السادسة من عمرى، نائمة فى سريرى الدافئ أحلم أحلام الطفولة الوردية حينما أحسست بتلك اليد الخشنة الكبيرة ذات الأظافر القذرة السوداء، تمتد وتمسكنى، ويد أخرى مشابهة لليد السابقة خشنة وكبيرة تسد فمى وتطبق عليه بكل قوة لتمنعنى من الصراخ، وحملونى إلى الحمام، لاأدرى كم كان عددهم ولاأذكر ماذا كان شكل وجوههم وما إذا كانوا رجالاً أم نساء؟، فقد أصبحت الدنيا أمام عينى مغلقة بضباب أسود، ولعلهم أيضاً وضعوا فوق عينى غطاء، كل ما أدركته فى ذلك الوقت تلك القبضة الحديدية التى أمسكت رأسى وذراعى وساقى حتى أصبحت عاجزة عن المقاومة أوالحركة، وملمس بلاط الحمام البارد تحت جسدى العارى، وأصوات مجهولة وهمهمات يتخللها صوت إصطكاك شئ معدنى ذكرنى بإصطكاك سكين الجزار حين كان يسنه أمامنا قبل ذبح خروف العيد، وتجمد الدم فى عروقى ظننت أن عدداً من اللصوص سرقونى من سريرى ويتأهبون لذبحى وكنت أسمع كثيراً من هذه القصص من جدتى الريفية العجوز، وأرهفت أذنى لصوت الإصطكاك المعدنى وماأن توقف حتى توقف قلبى بين ضلوعى، وأحسست وأنا مكتومة الأنفاس ومغلقة العينين أن ذلك الشئ يقترب منى، لايقترب من عنقى وإنما يقترب من بطنى، من مكان بين فخذى، وأدركت فى تلك اللحظة أن فخذىّ قد فتحتا عن آخرهما، وأن كل فخذ قد شدت بعيداً عن الأخرى بأصابع حديدية لاتلين، وكأنما السكين أو الموسى الحاد يسقط على عنقى بالضبط، أحسست بالشئ المعدنى يسقط بحدة وقوة ويقطع من بين فخذى جزءاً من جسدى، صرخت من الألم رغم الكمامة فوق فمى، فالألم لم يكن ألماً وإنما هى نار سرت فى جسدى كله وبركة حمراء من دمى تحوطنى فوق بلاط الحمام، لم أعرف مالذى قطعوه منى، ولم أحاول أن أسأل، كنت أبكى وأنادى على أمى لتنقذنى، وكم كانت صدمتى حين وجدتها هى بلحمها ودمها واقفة مع هؤلاء الغرباء تتحدث معهم وتبتسم لهم وكأنهم لم يذبحوا إبنتها منذ لحظات، وحملونى إلى السرير ورأيتهم يمسكون أختى التى كانت تصغرنى بعامين بالطريقة نفسها فصرخت وأنا أقول لهم لا، لا، ورأيت وجه أختى من بين أيديهم الخشنة الكبيرة، كان شاحباً كوجوه الموتى وإلتقت عينىّ بعينيها فى لحظة سريعة قبل أن يأخذوها إلى الحمام، وكأنما أدركنا معاً فى تلك اللحظة المأساة، مأساة أننا خلقنا من ذلك الجنس، جنس الإناث الذى يحدد مصيرنا البائس ويسوقنا بيد حديدية باردة إلى حيث يستأصل من جسدنا بعض الأجزاء ".
[ تساءلت نوال السعداوى ولكن غيرها لم يتساءلن بل رضين بأن يسقن كالقطيع إلى مصير هو كالقضاء والقدر، بل والمدهش أن الكثيرات منهن نتيجة تزييف الوعى يدافعن عن ذبحهن، تخيلوا إلى أى درجة وصل غسيل المخ بالمرأة التى تتخيل أن تقديمها كقربان على مذبح الأخلاق هو أعظم تكريم!، وإذا كانت نوال السعداوى قد حكت عن تجربة ختان مألوفة لفتاة شرقية مسلمة، فإن الروائى الكبير سليمان فياض فى روايته "أصوات " يحكى عن تجربة غير مألوفة ومدهشة لإمرأة أجنبية ظن أهل زوجها المصرى أنهم بهذا الختان يحافظون على شرف إبنهم العائد من الغربة مصطحباً هذه الفرنسية الشقراء التى حتماً ستخونه إذا لم يتم ختانها، إجتمعت نسوة القرية وقررن إنقاذ شرف إبنهم حامد بختان سيمون حتى لاتصبح كماوصفوها قطة جائعة تبحث عن الرجال، وعلى لسان زينب زوجة أخ حامد التى تغار من سيمون نسمع القصة:
" أغلقت نفيسة النافذة وأحطنا بها فدارت حول نفسها باحثة عن مخرج، أمسكنا بها، فصرخت وقاومت، خفنا منها، فأغلقت فمها بكفى وطرحناها على السجادة فى أرض الغرفة، ورفعنا ذيل القميص الذى ترتديه، وكنا نمسك بها جيداً وهى تناضل بكا مافيها من قوة لتتخلص من ثمانية أيد، وقالت نفيسة: ألم أقل لكم؟، وراحت نفيسة تمارس مهمة تطهيرها بالمقص، ثم بحلاوة العسل الأسود لتزيل القذر الذى تحمله بين فخذيها، وشهقت نفيسة وقالت لحماتى:أنظرى ألم أقل لك؟أنها لم تختتن."
وعند هذا الإكتشاف الخطير كان لابد أن يسيل لعاب النسوة لممارسة السادية الكامنة فيهن والتى تنتقل كالجينات الوراثية من جيل إلى جيل، ويكمل سليمان فياض الحكاية على لسان زينب فيقول " أخرجت نفيسة زجاجة من صدرها ونزعت غطاءها، ففاحت منها رائحة البنج وغمست فى الزجاجة قطعة قطن، أخرجتها من صدرها أيضاً، ثم وضعتها على أنف سيمون، رأيت فى ضوء المصباح عينيها مفتوحتين على آخرهما، مليئتين بالفزع، فكرت فى أن أتركها، وأدفع الكل عنها، وأوقظها، تصورت نفسى فى مكانها، لكن خطر لى أنها تبهج حامد بروحها وربما أيضاً بجسدها الذى يشبه الملبن بياضاً وطراوة لأنها لم تختتن، وكان جسدها يسترخى تحت أيدينا، وفمها يتوقف عن المقاومة، ويتوقف الأنين المكتوم المنبعث من أنفها، وعيناها تنطبقان، وتظلان مواربتين "....لم يشفع كل هذا الفزع لبطلة الرواية، فالخوف والرعب يشعل رغبة النسوة ويؤججها فى مزيد من الإنتهاك، وتكمل زينب القصة قائلة " أخذت نفيسة تمارس مهمتها بسعادة بالغة، والنسوة واقفات مستريحات ينظرن إلى مهمة جليلة، وفى قلق وسرور شديدين، وجذبت نفيسة ذلك الشئ حتى آخره بيد، وأخرجت باليد الأخرى موساً حادة كموس الحلاق من جيب ثوبها، وفتحته ومسحته فى جانب ثوبها، ثم ضغطت بجانب السلاح، وجذبت حد الموس بسرعة، فإنفصل ذلك الشئ فى يدها الأخرى، وتفجر دمها غزيراً، لم نر مثل هذا الدم من قبل على كثرة ماشاهدنا من طهارة للصبيان والبنات، وأخذت نفيسة تدس كل مامعها من قطن لتوقف النزف، لكن القطن كان يغرق بسرعة فى الدماء المتدفقة من المسكينة، ودست نفيسة شالها، وشال سيمون، وكل ماطالته يدها فى الدم المتفزر، والدم لايتوقف، والقماش يغرق فى بحر من الدم، لطمت حماتى خديها بيديها وصاحت:يامصيبتى، صاحت فينا نفيسة تنهرنا حتى لانفضح أنفسنا وطلبت منى أن آتيها بكل مالدينا من بن وتراب فرن وتراب أحمر ".
ولم يفلح البن أو التراب أو البصل أو الكولونيا فى إيقاظ سيمون فهى قد ماتت، إنها كما قالت الحماة جاءت من بلدها لعذابها، إن هؤلاء النسوة بترن سيمون لأنها قامت بإستفزاز سكونهن وبلادتهن بإقبالها على الحياة فقررن إخراسها إلى الأبد ليس بقطع لسانها بل بقطع وبتر أنوثتها!.
ومن سليمان فياض إلى الروائى الراحل فتحى غانم وروايته البديعة "زينب والعرش " التى تم فيها ختان زينب بطلة الرواية بعد صراع ورفض من الجدة التركية دودو هانم وإصرار من الأم خديجة ذات الأصول الريفية، ولكن قانون الأخلاق المزيفة كان هو الأعلى صوتاً وموس أم إسماعيل هو الذى وضع نقطة نهاية السطر، وتم ختان زينب ويحكى فتحى غانم عن زينب بعد ختانها بيوم قائلاً " لما رأت دودو هانم زينب منفرجة الساقين منكسرة الرأس، طلبت منها أن تتقدم إليها، ولكن زينب وقفت حائرة، وضحكت خديجة وقالت أنها مكسوفة وكان السرور يلمع فى عينى خديجة التى حاولت أن تنقل سرورها إلى حماتها فجعلت تقول لها أنها الخير والبركة فى البيت، وأنها لم تفعل مافعلت إلا ليقينها أن أنوثة زينب لن تكتمل إلا بالختان، وهى لن تتزوج تركياً ولكن زوجها سيكون مصرياً، وهو لن يرضى بزوجة بغير ختان، وجعلت خديجة تثرثر بحكايات عن رجال إكتشفوا أن زوجاتهن بغير ختان فكانوا يطلقونهن، أو كما حدث لحكمت الألفى وهى من عائلة تركية تسكن فى المنيرة فقد صمم زوجها على أن تجرى لها أم إسماعيل عملية الختان وهى عروس جاوزت العشرين، فنزف منها دم غزير وكادت أن تموت وهزت دودو هانم رأسها مستسلمة لكلام خديجة وقالت وهى تتنهد أن زمن الرجال الذين كانوا رجالاً قد ولى ولم يبق إلا الفلاحين "!.
[ هذه الحكايات ليست كلام روايات وإنما هى واقع كتبه من هم ضمير الوطن، إن هذه الحكايات جميعاً نقطة فى بحر القلق والتوتر الذى تغرقن فيه بناتنا المذبوحات بسكين الجهل والخرافة، والدماء النازفة من الفتاة هى فى بعض الأحيان أقل الأضرار فالنزف النفسى يكون أكثر تدميراً، ويقول عنه د.حلمى عبد السلام فى كتابه مفاهيم جديدة إن آثار الختان النفسية قد تكون سابقة له، فما أن تسمع الفتاة بما حدث لأقرانها الأكبر سناً حتى ينتابها القلق، وكلما إقتربت من السن المعتاد إجراء الختان فيه يتصاعد قلقها ويتحول إلى رعب نفسى قد يصل فى بعض الحالات إلى حدوث كوابيس وتأخر دراسى، وتزداد حدة هذا القلق كلما كانت الفتاة معتدة بنفسها وبشخصيتها، ويحكى د.طه باشر أن فتاة كانت تصرخ خلال نومها قائلة " الحشرة، الحشرة " ولكن الأهل لم يجدوا أثراً لمثل تلك الحشرة، ثم تبين أن خادمة البيت كانت قد أعادت عليها فى الأيام السابقة بأنها سوف تختن، فالحشرة التى تتكلم عنها فى منامها تعبر عند العامة بمخالبها ومنظرها المخيف عن المرأة التى تقوم بالختان، وبعد ذلك تم التأكيد للفتاة بأنها لن تختن، وقد أدى ذلك إلى أن عادت الفتاة إلى نومها الهادئ "، وفيما يخص الآثار النفسية اللاحقة لختان البنات تقول د.سامية سليمان رزق " لايمكن أن تمحى الآثار النفسية لأخذ البنت غدراً وسط مظاهر الإحتفال، لتفاجأ بعملية التكبيل ورؤية أسلحة البتر، وتعانى من الآلام والمضاعفات، فى مقابل تقديم رشاوى مادية رخيصة، فمهما كانت البنت صغيرة فهى تستطيع أن تقارن بين ماقدم لها من أكل مميز وملابس جديدة، وبين مادفعته من كرامتها بعرضها مجردة من ملابسها الداخلية أمام أغراب، ويترتب على ذلك فقدان ثقة الطفلة فى أبويها أو من يحل محلهما، ويرتبط الغدر والأذى الجسمى والنفسى بخلق الشعور بالظلم لدى الفتاة الصغيرة والتى قد تلجأ للتعبير عنه بالتبول اللاإرادى والإنطواء الإجتماعى، فعملية الختان ليست بتراً عضوياً ولكنها أيضاً بتر نفسى ".
حقاً إنها عملية بتر نفسى قبل أن تكون بتراً جسدياً، إن محاولة بتر المرأة إجتماعياً محاولة قديمة ومتكررة، يلح فيها المجتمع على شطب هذا الكيان وحذفه تارة بعزله داخل أسوار البيت، وتارة بتحويل الشارع إلى معتقل تتحرك فيه المرأة بحساب وريبة وأغطية وحواجز، ويؤكد د.عادل صادق أستاذ الطب النفسى على المعنى السابق بقوله " إن الختان يشكل عملية بتر تظل فى مخيلة الفتاة مدى الحياة، إن هذا الشعور بالبتر لعضو مهم فى جسم الفتاة بمافيه من معان جنسية يصبح شيئاً راسخاً فى ذهنها، ويقولون إن هذا الجزء يبتر حتى لاتنحرف الفتاة، وبذلك يصبح مفهوم الأخلاق مرتبطاً بالغريزة وأنه لاإرادة لها فى ذلك، وذلك يحرمها كأنثى من الإعتزاز بذاتها الأخلاقية الإنسانية الناشئة عن قناعة وإيمان "، ويحكى د.طه باشر فى كتابه السابق عن إمرأة فى الثلاثين من عمرها قد عانت من هبوط نفسى بعد وضعها على إثر تأخر شفاء ندب الختان، فلم تستطع الأكل أو النوم، وكان يجب معالجتها جسدياً ونفسياً فى عيادة الأمراض العقلية، ويحكى عن إمرأة أخرى كانت مريضة عقلياً وعندما أحيلت إلى الطبيب تبين أن هذه المرأة لاأطفال لها وأنها مطلقة مرتين، وبعد الفحص تبين أنها تعانى من ورم بحجم كرة التنس تحت جرح الختان وبعد إزالة هذا الورم شفيت وتركت المستشفى وهى سليمة عقلياً "، وقد رصد باحثون كثيرون التحول المرعب الناتج عن ختان الإناث، فقبل الختان كانت الفتيات ودودات وصافيات العين وطبيعيات دون خوف من الفحوصات الطبية، أما بعد شهرين أو حتى سنتين من الختان، تحولت الصورة تماماً، فالبنت منهن تقف مرتجفة وتفزع من الفحص الطبى وتصبح عدوانية فى ردود أفعالها...الخ.
[ لابد أن نعرف أن الختان ليس تقرباً للآلهة، وأن ماكنا نفعله فى عصر الفراعنة لم يعد صالحاً لهذا العصر، فمن عادات المصريين القدامى إلقاء دمية على شكل فتاة جميلة يزينوها كعذراء يوم عرسها ويلقونها فى النهر، وكانوا يعتقدون أنهم إن لم يفعلوا ذلك فإن النهر قد يغضب عليهم ويكف عن الإنعام عليهم بفيضانه، وكان موسم وفاء النيل هو الوقت المناسب لختان البنات، فتقوم الدايات بختانهن فى ذلك الوقت، وكانوا يحتفظون بتلك الأجزاء التى كانت تقطع من الأعضاء الجنسية للفتاة ويلفونها على هيئة حجاب ويربطونها بخيط حول عنق الفتاة التى قطعت منها تلك الأجزاء، وفى يوم الإحتفال بعيد فيضان النيل كانوا يلقون بتلك الأجزاء فى مجرى النهر معتقدين أن الفتاة التى لاتفعل ذلك تبقى عانساً من غير زواج، أو أنها إذا تزوجت فإنها لاتنجب أطفالاً على الإطلاق، أو حتى إذا أنجبت أطفالاً فإن أولئك الأطفال لايعيشون أو يموتون صغاراً، وللأسف مازلنا نصر على تقديم بناتنا كقرابين لوهم كبير إسمه العفة التى لايعرف الكثيرون أنها مسئولية عقل وروح وليست مسئولية قطعة من اللحم أو بروز من الجلد خلقه الله كمصدر للمتعة وليس للنكد.

الختان ليس عادة إسلامية أو فرعونية ولكنها عادة عبودية!
قراءة تاريخية وأنثروبولوجية

[ كنت متأكداً حتى وقت قريب بأن ختان الإناث عادة خاطئة يفعلها المسلمون ولها أصل فرعونى، ولكن عندما سألنى أحد مرضاى المسيحيين عما كنت أستطيع إجراء عملية الختان لطفلته الصغيرة إندهشت مرتين، الأولى لأنه طلب منى أنا شخصياً هذا الطلب، أما الدهشة الكبرى فقد كان مصدرها أن الطالب مسيحى الديانة وهنا خاب ظنى وأيقنت أن ختان الإناث عادة عابرة لحواجز الأديان والجنسيات!، وقد جعلنى هذا المريض أعيد البحث فى الأصول التاريخية لهذه العادة البربرية بعيداً عن الأديان، وعندما قرأت بعدها عن وضع المرأة المميز فى العصر الفرعونى عدت للتشكك فى أن أصل الختان فرعونى كما يدعى الكثيرون وكما كنت أنا شخصياً معتقد، ومن هنا قررت الخوض فى بحار وعواصف تاريخ الختان الشائك حتى نفهم معاً من أين نبعت كل هذه الأنهار الدموية؟.
[ يحكى المستشار ماهر برسوم عبد الملك قصة لها دلالة مهمة فى كتابه "مذكرات مستشار مصرى " جرت أحداثها أثناء عمله كوكيل نيابة فى الصعيد حيث إستدعى لتحقيق حادثة سقوط شخص من القطار مما أدى لبتر ساقه، وعند سؤال المصاب إتهم حماه، وعندما تمت مواجهة المتهم دافع عن نفسه بجملة كان فيها الإفحام والإقناع كله فقد قال " وده معقول يابيه أرميه من القطر ده واخد عارى!!"، وقد إرتعشت عند قراءة هذه الجملة البليغة التى لخصت المسألة كلها، إن المرأة عار والرجل هو الذى يخفى آثار هذا العار فمن الممكن أن يخفيه بالقتل أو يرمى تبعته عن كاهله بالزواج أو يكيف و"يأيف " هذا العار منذ الطفولة بالختان، إنها آثار عهد العبودية والإقطاع والرق والجوارى التى إمتدت لتعشش فى عقول البعض من ضعاف النفوس ومرضى العقول من الرجال الذين مازالوا يعيشون بمنطق شهريار وسلوك الطاووس الذى إن أنصف المرأة فمن باب الإنعام والهبة وليس من باب الحق المشروع والواجب الملزم، وكما كان يمارس الإخصاء فى العصور الإقطاعية حتى يضمن السيد أن العبد لن يلعب بذيله وحتى يضمن أن قوته الجسمانية لن تضيع أدراج الرياح فى النزوات، فبعد أن تم إستبدال السيد الرجل بالسيد الإقطاعى تم "الإخصاء الأنثوى" الجديد عن طريق الختان حتى تصبح ممتلكات الرجل خالية من التلوث الإشعاعىالجنسى والقذارة الشهوانية التدميرية الشاملة!، ولأن أصل كلمة البظر الطبية معناها المفتاح فقد فعل السادة بنفس منطق حزام العفة ختان المرأة حتى لاتفتح به باب الشهوة!.
يرفض الكثيرون من الأطباء والباحثين نسبة ختان الإناث إلى الفراعنة ومنهم د.محمد فياض ود.نوال السعداوى ود.سامى الذيب وغيرهم بالرغم من تسمية أهل السودان لأفظع وأبشع أنواع الختان ب"الختان الفرعونى "، فتقول د.نوال السعداوى أن أندونيسيا مارست ختان الإناث قبل مصر القديمة " ولقد أثبت علم التاريخ والأنثروبولوجى أن هذه العمليات، الختان والإخصاء وغيرها، لاعلاقة لها بالمصريين أو العرب أو المسلمين أو اليهود أو المسيحيين أو البوذيين أو غيرهم، إنها ترتبط بنوع النظام الإجتماعى والإقتصادى السائد فى المجتمع وليس نوع البشر أو دينهم أو لونهم أو جنسهم أو عرقهم أو لغتهم " وتضيف " إن القارة الأفريقية أو اللون الأسود ليس مسئولاً عن هذه الجريمة وإنما هى إحدى جرائم العبودية فى التاريخ البشرى، إلا أنها بقايا النظرة العنصرية التى تتصور أن مشاكل الدنيا بمافيها الإيدز أصلها أفريقى، أو على الأقل بدأت فى أفريقيا ثم إنتقلت بالعدوى فقط إلى الجنس الأبيض "، ويقول د.سامى الذيب صاحب أهم الدراسات عن الختان أنه قد يرجع سببه للنظام الذكورى الذى يشرع تعدد الزوجات ونظام العبيد، ويشير إلى كتاب الكاماسوترا الهندى الذى يتحدث عن كيف أن الرجل فى نظام الحريم كان لايمكنه أن يرضى جميع النساء اللاتى يمتلكهن، فقد يتداول العلاقة الجنسية مقسماً لياليه بينهن، وقد يختار إحداهن ليمارس الجنس معها، بينما تقوم المحرومات بممارسات وحيل غير مشروعة للوصول إلى الرجل أو تعويض هذا الحرمان، وللحد من هذه الممارسات غير المشروعة قام الذكور بفرض الختان على الإناث بإعتباره وسيلة للحد من شهوتهن ومنع إختلاط أطفالهم الشرعيين بأطفال من رجال غرباء، ويؤكد د.أحمد شوقى الفنجرى على هذا المعنى قائلاً " تعود هذه العملية إلى عصور الإقطاع حين كان الإقطاعى يمتلك الآلاف من البهائم والغنم إلى جانب المئات من العبدات والعبيد، وكان يعامل البهائم والبشر على السواء على أنهم ملك له، فكان يخصى الذكور من البهائم حتى لاتحمل الإناث وهن فى مرحلة إدرار اللبن، ويخصى الذكور من العبيد حتى لا يقتربوا من نسائه، أما الإناث من البهائم فكانوا يضعون فى أرحامهن قطعة من النوى أو زلطة حتى لاتحمل فى وقت غير مناسب، أما العبدات فكان يعتبرهن ملك له فقط دون غيره رغم أن أعدادهن بالمئات، فكان يختنهن لقتل الشعور الجنسى حتى لايستمتعن بالجنس لأنه لايستطيع إشباعهن جميعاً "، إنها ليست مسألة مكان بعينه أو دين بذاته هى التى صنعت الختان ولكنها مسألة إحساس العبودية الذى لو تغلبت عليه إنتفى سبب الختان وأصبح مرفوض إجتماعياً، وعلى العكس لو إستسلمت له لصار الختان مناسبة يجب الإحتفاء بها والترويج لها، ويستخدم فى هذا الإحتفاء والترويج الدين تارة والعادات تارة أخرى لكى تغطى هذه العادة الوحشية بورق سيلوفان جميل يجعله مقبولاً بل ومطلوباً أيضاً.
[ عندما يسيطر الفكر الأسطورى الغيبى على مجتمع يظل محتفظاً فى بنائه بالخرافة التى تنتقل عبر جيناته الوراثية جيلاً بعد جيل خاصة عندما يتوارى المنهج العلمى فى التفكير ويفشل فى إحداث التوازن وخلق الطفرة التى تجعل الأسطورة جزءاً من الفولكلور لامكوناً للتفكير والفعل والإختيار والقرار، والأعضاء المبتورة تمثل منذ قديم الزمان وفى معظم الأساطير قرابين ومكونات خلق، ففى أسطورة ريجفيدا الهندية تم ربط "بروزا " وتقديمه ضحية وخلق العالم من أشلائه فمثلاً من عينه خلقت الشمس وهكذا، ومعظمنا يعرف قصة إيزيس وأوزيريس الذى مزقه إله الشر " ست" فحاولت إيزيس جمع أشلائه ولكنها فشلت فى العثور على عضوه التناسلى الذى إبتلعته ثلاث سمكات تمثل قوى الشر، ومن الأساطير الأفريقية القديمة أسطورة قبيلة "مانتجا " التى تصارع فيها الأخوان "باجنزا " و" ياكومو " أمام الإله وجرح فيها الأول وتم ختانه، وبعد شفائه رفض العلاقة الجنسية مع زوجته التى طلبت أن تختتن هى الأخرى لكى ترضى زوجها، وأسطورة التضحية بعروس النيل التى تحدثنا عنها سابقاً هى مجرد إشارة لأهمية التضحية أو القربان فى الفكر الأسطورى، وهو تارة يستخدم لتفادى غضب الآلهة وتارة أخرى كطقس للعبادة، ومن ضمن هذه القرابين حرق الأجساد وبتر الأعضاء، فبعض القبائل الأفريقية تضحى بالخصية اليسرى أو اليمنى رغبة منهم فى إتقاء شر ولادة التوأم!، وهنا يصبح الختان مجرد ظلال أسطورة ورمز للتضحية الدينية التى تتحول رويداً رويداً لعلامة تميز وتفرد لقبيلة ما أو أصحاب دين ما أو سكان بلد ما يوحدهم هذا الطقس وينقذهم من الشتات الإجتماعى.
[هذا التوحد أو هذه الرغبة العارمة فى التشابه وخلق الإنتماء والتطابق المزيف المزعوم يجعل من الختان وسيلة سهلة وسريعة لتحقيق كل هذا بمجرد ضربة مشرط ونزف دماء وتضحية بجزء هو فى عرف العامة جزء زائد عن الحاجة يجلب وجع الدماغ والهياج الجنسى، ورغبة أفراد المجتمع فى أن يكونوا نسخ متكررة فوتوكوبى من بعضهم هى إمتداد للفكر العبودى الذى خلق ورسخ عادة الختان، وتعبر د.كاميليا عبد الفتاح عن تأثير هذا التطابق على عادة ختان البنات قائلة " إن عملية ختان البنات تندرج تحت مفهوم التطابق فى المجتمع، ويظهر ذلك فى توقع حدوث الختان وضرورته وفى الرضى عنه والإقتناع به، وإلى جانب رغبة البنت فى التطابق فهناك دلالة نفسية لكل هذا وهى إحساس البنت بالأهمية ولو لمدة أيام، تلك الأهمية التى تفتقدها البنت عادة فى مجتمعنا، وهذا الفرح الذى يغمر الأسرة يعلق بذهن الفتيات الصغيرات اللاتى يطالبن بأن يجرى لهن الختان كنوع من التقاليد والمشاركة الوجودية والتطابق مع قيم المجتمع "، والمدهش أن هذه الرغبة فى التشابه التى تذكرها د.كاميليا قوية على عكس مانعتقد أن الألم يتغلب عليها، فالرافضة لقيم المجتمع المستقرة أو بالأصح التى يريد لها البعض الإستقرار لتحقيق مكاسبه، هذه الرافضة خاسرة وتصرفاتها مستهجنة وصديقاتها تعايرنها بأنها أقل منهن مما يضطرها لطلب الختان!، ويورد د.سامى الذيب بعض الأمثلة التى من الممكن أن نستغربها فى البداية ولكن عندما نلمس عن قرب وطأة وسطوة التقاليد سيضيع هذا الإستغراب، فهو يقول أن المجتمع السودانى يضع غير المختونات ضمن ثلاثة خانات الأطفال والمجنونات والعاهرات، وتشير إحدى الدراسات الميدانية التى أجريت فى الصومال أن الفتيات اللاتى يتركن بلا ختان لمدة طويلة يطالبن تكراراً بختانهن لأن عدم ختانهن يجعل منهن منبوذات فى محيطهن ولايمكنهن أن يجدن زوجاً إلا خارج مجتمعهن، وقد صرحت إحدى الممرضات غير المختونات بأنها تعيش مأساة وتفضل ألف مرة الموت على أن تعيش منبوذة!، وأعتقد أننا فى مصر لابد أن نخلق إلحاحاً حول خطورة الختان حتى نكسر هذه الرغبة فى التشابه، ولابد من كسر هذه الحلقة الجهنمية فى سياسة القطيع الى تخلق نوعاً من الراحة المزيفة، ويظل يقنعك تيار ليس فى الإمكان أبدع مماكان أن التغريد خارج السرب برغم أنه يمنحك متعة التميز إلا أنه يفقدك دفء القطيع، وتصدق الفتيات والأمهات هذا الهراء ويفضلن حالة أسر السكون والركود الذى يصل لحالة التعفن على حرية الحركة والتغيير والتقدم.
[ ولأن العبد مجرد شئ أو جزء من المتاع الإقطاعى فإن التصرف معه يتم بنفس الطريقة التى يتعامل بها الإقطاعى مع ممتلكاته ودوابه ومزرعته، فكما يسمن أبقاره حتى تعطى مزيداً من اللحم واللبن فإن المجتمع المتأثر بالفكر العبودى يختن المرأة لتجهيزها للزواج، أو بإختصار علشان تعجب السيد الذى هو الرجل، وكما تقول أسطورة أفريقية لقبيلة " دوجون " أن الإله "أما " قبض على مصران ملئ بطين فخارى ورماه فتكونت الأرض على شكل إمرأة مضطجعة على ظهرها، وعندما أراد "أما " لقاء هذه المرأة منعه هذا العضو الملعون فقام الإله بقطعه ليتم اللقاء، ومازال هذا الإعتقاد هو أساس عملية الختان حتى الآن فى تلك القبيلة، والأفارقة لهم رأى غريب فى سبب الختان وهو أن الفتاة الصغيرة تستمتع بطريقة ذاتية ولذلك عندما تكبر لابد أن يقطع مصدر اللذة الذاتية حتى تبحث عن الرجل وعن الزواج، والأشد غرابة أن هناك مجتمعات فى كينيا وأوغندا وغرب أفريقيا تستطيع فيها الفتاة الإنجاب خارج العلاقة الزوجية لإثبات خصوبتها وبعد الإنجاب يتم ختانها إعداداً للزواج، وقد أوضحت ممثلة لجنة النساء الغينيات فى مؤتمر داكار 1984 أن الفتيات المختونات يبقين فى غرفة واحدة أو فى الغابة المقدسة لمدة شهر حتى يشفى الجرح، وفيها تقوم إمرأة عجوز بمراقبتهن وتعليمهن القصص والأغانى الشعبية ودور ربة البيت...الخ وبعد الخروج من هذه العزلة يصبحن صالحات للزواج، أما فى مصر فتوجد بردية كتبها باليونانية كاهن مصرى يرجع تاريخها إلى عام 163 قبل الميلاد يؤكد فيها على العلاقة بين الختان والزواج، ويذكر د.سامى الذيب رواية للرحالة الإسكتلندى "جيمس بروس " حول محاولة المبشرين الكاثوليك فى مصر فى القرن السابع عشر منع ختان الإناث على أتباعهم ولكنهم تراجعوا عن هذا المنع عندما رفض الرجال الزواج من النساء الكاثوليكيات غير المختونات!، وتذكر د.آمال عبد الهادى فى دراستها عن قرية دير البرشا ذات الأغلبية المسيحية التى تخلت عن ختان الإناث أن أكثرية الناس كانوا يرفضون مساعدة الغير فى عدم ختان بناتهم وكان سبب رفضهم مايلى " كل واحد يحكم على بيته لنفرض أننى نصحت أم بعدم ختان بنتها ثم لم تتزوج فماذا سيكون موقفى؟!".
[ كما يمثل عدم الزواج هاجساً بشعاً وملحاً من بقايا العصر العبودى الذى يعامل العانس كعار وعبء ومصدر نحس، فإن العقم وعدم الخصوبة هو الهاجس الأشد وطأة لأن المرأة فى هذه المجتمعات هى ماكينة تفريخ لفقس الأطفال، وأى خلل فى هذه الوظيفة هو بمثابة تجريس مزمن للمرأة، ولذلك تعتقد بعض القبائل فى نيجيريا أن البظر عضو خطير يؤذى رأس الطفل إذا مسه ومن الممكن أن يصل الإيذاء لحد القتل، ولهذا السبب يتم ختان المرأة فى الشهر السابع من الحمل إذا لم تكن مختونة قبل الحمل، وهناك إعتقاد فى بوركينا فاسو أن بظر المرأة يجعل الزوج عاجزاً جنسياً وقد يموت أثناء العملية الجنسية، وفى مناطق ساحل العاج يعتقد أن المرأة غير المختونة لايمكن أن تنجب، وهناك أسطورة تقول بأن الفرج له أسنان تضر بالرجل وأن البظر هو آخر سن فيه يجب قلعه، وتعتقد بعض القبائل بأن الختان يزيد الخصوبة وأن البنت غير المختونة تفرز إفرازات قاتلة للحيوانات المنوية للزوج، وفى مصر تحكى مارى أسعد وحلمى عبد السلام عن الأصول الأسطورية لعلاقة الختان بالإنجاب، ومنها قصة تسمية مايقطع من المرأة بالفضلة لخطورتها، بالإضافة لقطع هذه الفضلة هناك عمليات كثيرة يعتقد فيها المصريون تحد من خطر الجزء المقطوع مثل التمائم السحرية وغسله بصورة خاصة أو مسه بأشياء مختلفة، وإستلهاماً من أسطورة عروس النيل التى سبق ذكرها فى الفصل السابق يعتقد أن من لاتلقى بفضلتها فى النيل لن تنجب على الإطلاق، وبالطبع يساعد الجهل بعلم التشريح على سريان وإنتشار حجة ووهم أن الختان يسهل عملية الولادة لأن مايجب إزالته يسد الطريق أمام الجنين، وكما كان القدماء يشكلون جسد المرأة بإضافة الشحم والدهون و " يعلفونها " "لمزيد من التخن والربربة" لتصبح كمصارعى السومو فإنهم يشكلون جسدها بالكشط والإزالة وبالطبع يقف الختان كأشهر هذه الأساليب التى تعبر عن المزاج الإجتماعى السادى الذى يشيئ المرأة.
[ وتمشياً مع إعتبار الختان وقفة عند مرحلة المجتمع العبودى، فإن النجاسة المرتبطة بأعضاء الجسم وتقسيم الجسد إلى مراتب طبقية حسب درجة الطهارة والنجاسة كل هذا من بقايا التصور الإقطاعى للجسم الذى يختلف فيه جسم العبد عن سيده وأيضاً أعضاء الجسم الواحد نفسه، ويكفى أن الإسم الذى يطلق على الختان هو الطهارة، وفى السودان يعتبرون البنت غير المختونة نجسة وإطلاق صفة إبن غير المختونة يعتبر من قبيل الشتيمة هناك ويشبه شتيمة إبن العاهرة، والإرتباط بين عدم الختان والنجاسة عند القبائل الأفريقية إرتباط وثيق، فالبعض يرفض الأكل مع غير المختونة وفى مالى يرفضون مجرد تحضيرها للأكل، والبعض يعتقد أن فى البظر سم قاتل، وفى أوغندا تعبر المرأة غير المختونة بنتاً مهما كان عدد أطفالها، ويعتبر إبنها "إبن بنت " دون أية كرامة فى جماعته ولايحظى بأى منصب هام، ولايحق لهذه المرأة حلب البقر لأن ذلك يجلب النحس، كما لايحق لها سكب الماء فى الإناء الذى يحتوى ماء الشرب للعائلة، أو الصعود إلى المخزن لإحضار الحبوب للطبخ أو الزراعة، وإذا مات رجلها لايحق لها إستقاء الماء من النهر أو البئر للذين يدفنون زوجها، إن مفاهيم النجاسة المرتبطة بعبادة الطوطم ومفاهيم إنسان الكهف الأول الذى كان لايستطيع فهم الظواهر المحيطة به فينسج حولها الأساطير ومنها أسطورة النجاسة وخاصة بالمكان الذى ينزل منه دم الحيض المفاجئ الذى وضعه هذا الإنسان فى خانة النجاسة كحل منقذ لعقله القاصر.
[ السحر وطقوسه وتدريباته عنصر أساسى من عناصر تكوين المجتمع العبودى، وقد جمعت ال"بولتين " عدد ديسمبر 1991 بعض هذه الطقوس الأفريقية الغريبة التى تنقلنا فوراً لجو المجتمع القبلى الذى يفتقر لأبسط بديهيات المنهج العلمى فى التفكير وتفسير الظواهر، ويحدد الساحر مكان التدريب على طقوس إحتفالات الختان من غناء ورقص، وتتسابق الفتيات فيه للبحث عن الشجرة المقدسة ومن تجدها هى التى تتلقى أكثر طلبات زواج، وفى قبيلة "ناندى " عشية إجراء الختان تشعل النار المقدسة قرب شجرة مخصوصة، وتقوم الخاتنة بفرك مكان الختان بنبات لاسع حتى ينتفخ المكان، ثم يتم الكى بقبس من النار وسط غناء ورقص القبيلة، وفى قبائل "أوبانجى " يحظر دخول المكان على الرجال إلا زوج الخاتنة العجوز الذى يسيطر على الفتاة بعنف فاتحاً فخذيها فى نفس الوقت الذى يلهب ظهرها فيه سوط تمسك به إمرأة من القبيلة، وبعدها يتم جز البظر بالسكين، وتقف البنات فى طابور تحرسهم زغاريد القبيلة، وعلى من تنهى عملية الختان أن ترقص رقصة اللقاء الجنسى والدم ينزف منها، وفى توجو ينتهى طقس الختان بسير الفتيات عاريات فى موكب حتى يصلن إلى التمثال المقدس، وفى دولة بنين تجلس الفتيات على حجر مسطح على شكل دائرة ووجوههن إلى الخارج، وتجلس الخاتنة وسط الدائرة وتلف الحجر حتى تواجه البنت وتجرى لها الختان، ثم تلفه لكى تختن الفتاة التالية وهكذا....، كل ماسبق له ظلاله الدينية فى معتقداتهم، وهو شبه إمتحان تجريه القبيلة للبنت، وهذا الإحساس بالإمتحان إنتقل إلي مجتمعنا المصرى حيث نعقد إمتحانات دورية للبنت فى الأخلاق بالطبع التى هى أخلاق من وجهة نظرنا تحمل خاتمنا الخاص وبصمتنا المميزة، إن الفرق بيننا وبينهم إنهم يجرون الختان بصراحة وتحت غطاء السحر ونحن نجريها بنفاق وتحت غطاء الدين.
[ العبودية ليست تعريفاً زمنياً ولامكانياً ولكنها مجموعة قيم أخلاقية معينة، ونظرة خاصة متزمتة، ونسق سلوكى يهتم بالحفاظ على المظهر الخارجى، وأرتيكاريا شديدة من أى شئ يمس ممتلكات السيد ومنها المرأة، بدليل أن هذا الختان البربرى وصل إلى أوروبا عندما سيطر عليها إحساس الطهر "البيورتانى " فى العصر الفيكتورى المتزمت المتخلف الذى صاحبه تخلف طبى أيضاً، وقد ساعد هذا المركب المتخلف المزدوج على تبنى عادة الختان وقد ساعد على إنتشارها بعض التفسيرات الطبية التى تربط بين الأمراض العقلية والعصبية التى تصيب النساء وبين أعضائهن التناسلية، والتى تدين المرأة لأنها أسيرة طبيعتها البيولوجية المتقلبة من حمل وإرضاع وولادة وحيض..الخ، ممايؤدى من وجهة نظر أصحاب هذه التفسيرات لخفض قدرتها الذهنية وإنهيار إرادتها الواعية وفقدها للقدرة على التحكم فى نفسها، وفى كتاب "موقف الأطباء من ختان الإناث" تقص مؤلفتا الكتاب آمال عبد الهادى وسهام عبد السلام قصة غزو ختان النساء لأوروبا إبان العصر الفيكتورى، ففى سنة 1858 أدخل د.إسحق بيكر براون ختان النساء لبريطانيا كوسيلة علاجية للأمراض البدنية والعقلية التى كان يعتقد أنها تصيب النساء بسبب تعرضهن للإثارة الجنسية، وللعلاج "مارس د.براون إستئصال البظر والشفرين الصغيرين كعلاج لهذه الأمراض بل وأحياناً المشاكل الإجتماعية كالطلاق!، وكان يتباهى بأنه يخدرهن تخديراً كلياً "، وقد أدت التجاوزات المهنية للدكتور براون إلى تجريده من ألقابه العلمية وفصله من عمله، وفى سنة 1867 نشرت المجلة الطبية البريطانية خطاباً هاماً يوضح أسباب رفض المجتمع الطبى لممارسات د.براون، يقول الخطاب " نحن معشر الأطباء حماة مصالح النساء بل ورعاة شرفهن، والحق إننا نحن الطرف الأقوى وهن الطرف الضعيف، فهن مجبرات على تصديق كل مانقوله لهن لأنهن لسن فى وضع يسمح لهن بمجادلتنا، لذا يمكن القول بأنهن يقعن تحت رحمتنا، وفى ظل هذه الظروف لو تخلينا عن التمسك بمبادئ الشرف وخدعنا مريضاتنا أو ألحقنا بهن الأذى بأى شكل، فإننا لانستحق الإنتماء إلى مهنتنا النبيلة "، وأما الأكثر طرافة فهو ماذكر فى كتاب "مشاكل النساء " لفرنيون كوليمان من أن الختان أستخدم لعلاج كثرة عرق الأيدى وللفتيات اللاتى كن يعملن بمصانع النسيج على آلات الخياطة التى تعمل ببدال القدم، وكان المبرر هو أن حركة إهتزاز الفخذين الدائمة وإحتكاكهما كانا يولدان إثارات جنسية لاتحتمل!!، وقد تبنى البعض فى مصر مثل هذا الرأى أو أشد منه فى تأييد الختان فقالوا أن تلامس الملابس وإحتكاكها بالبظر من الممكن أن يثير البنت فمن الأفضل ختانها!!.
[ وفى ختام هذه القراءة التاريخية نقول إننا بالختان نقول مرحباً بالعبودية ووداعاً للحرية والعقل، وإذا رغبنا فى الخروج من كهف الظلمة لساحة النور علينا أن نعترف بأن أجسامنا ملكنا ومصدر فرحتنا وليست وعاء شرورن