موسكو من ريتشارد بالمفورث: أراد ادولف هتلر اعدامه بمجرد سقوط موسكو في أيدي القوات النازية وقتل الدكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين شقيقه ودعاه ميخائيل جورباتشوف اخر رئيس للاتحاد السوفيتي للكرملين. انها الرسوم الكاريكاتيرية الساخرة هي التي جلبت لبوريس يفيموف كل ذلك. بعضها فجر احتجاجات دبلوماسية غاضبة خاصة تلك التي كانت تنال من خصوم الاتحاد السوفيتي الايديولوجيين في الغرب بأوامر من ستالين شخصيا. والان يبلغ عمر يفيموف 104 أعوام وقد كف بصره تقريبا ويسمع بصعوبة بالغة. ومع ذلك مازال رسام ستالين المفضل يقبض على الفرشاة ليرسم يوميا بعض الاسكتشات وبقي معه حس انساني يساعده على مواجهة شياطين الماضي. قال "كنت أتلقى الاوامر من ستالين. ويؤسفني قول ذلك الا أنه كان علي الاستهزاء باولئك الذين احترمهم. لم يكن ثمة مجال للرفض... لانني ..." ومر بيده على رقبته في اشارة الى قطع الرقبة بعد ان تقطعت انفاسه.

طوال معظم سنوات القرن العشرين منذ الثورة البلشفية وحتى اصلاحات جورباتشوف المعروفة باسم المكاشفة (بيريسترويكا) خدم يفيموف الدولة السوفيتية وقدم رسوما كاريكاتيرية يستهزأ فيها بخصوم موسكو من أجل الاستهلاك الجماهيري. في سنوات الحرب العالمية الثانية كان الهدف دعم معنويات القوات السوفيتية في الخطوط الامامية وفي الحرب الباردة سعوا لاقناع الشعب بأن العالم الرأسمالي مقضي عليه بالفناء لا محالة.

وفي برقية تلغرافية الى يفيموف بمناسبة عيد ميلاده يوم 28 سبتمبر ايلول أعرب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن تقديره "للموهبة اللامعة والعمق والحس الانساني والحكمة" التي يتمتع بها الرسام المعمر. كانت رسوم يفيموف التي تنشرها الصحف السوفيتية بسيطة للغاية حتى تناسب جمهورا عريضا غير مثقف. رجل مثل هتلر كان يفيموف يرسمه كشخصية مجنونة ذات مظهر مزر. واثناء الحرب الباردة كانت الولايات المتحدة هي العم سام ذو المظهر الوضيع الذي يلعب بالصواريخ وفي الاغلب كان يضع علامة الدولار لتأكيد المقصود. وقال يفيموف "كما تعرف كانت رسومي سلاحا.كان لابد أن تضرب بحدة وتهزأ بقوة."

ويعيش يفيموف الان في موسكو في شقة تطل على نهر محاطا بتاريخ مثير مكدس حوله في كتب والبومات وصور. كل يوم يرسم يفيموف لكن للمتعة الشخصية في الاغلب. فهو لم يعد يقدم رسوما سياسية لان روسيا ما بعد الحرب الباردة كما يقول لا تولي أهمية لهذا النوع من الفن. وتابع "هل تتخيل ان لدينا الان في بلدنا قتلة مأجورين. كل يوم يقتلون مديرا أو رجل أعمال. انها ليست قضايا تتناولها الرسوم الكاريكاتيرية... لا أعرف كيف يمكن صنع فكاهة من مثل هذه الاحداث البشعة."

عاش يفيموف احداثا جساما. وربما كان من أسوأها قتل أخيه في عهد ستالين مع الاف غيره. ومثل الملايين الاخرين لم يكن يستطيع طبعا أن يتكلم. لقد انقذته موهبته من مصير سيء حاق باعداد لاحصر لها من الناس في عهد ستالين. وقال "كانت حسبة اقتصادية مفيدة بالنسبة له (ستالين). كان الحاكم بأمره. أدرك ان لديه رساما جيدا هو في حاجة اليه. من ثم قال دعوه يعيش." ولانه يهودي كان يفيموف يسخر يوميا من هتلر. وعندما أبلغوه بان هتلر أمر باعدامه بمجرد سقوط موسكو قال الرسام انه سيفضل ان يواجه غضب هتلر على ان يواجه ستالين. وأصبح ونستون تشرشل رئيس وزراء بريطانيا خلال الحرب العالمية الثانية هدفا مستمرا لرسوم يفيموف اليومية بعد الحرب. وبأوامر من ستالين كان يرسم الرئيس الامريكي الاسبق دوايت ايزنهاور وهو مدجج بالسلاح.

وكان يفيموف صديقا لخصم ستالين الثوري ليون تروتسكي ومازالت حتى الان ذكرياته معه تثير الالم في نفسه. انه لا ينسى لقاءهما الاخير عام 1928 عشية نفي تروتسكي الى اسيا الوسطى في الاتحاد السوفيتي كما لو أنهما التقيا بالامس. يتذكر يفيموف هذا اللقاء قائلا "قلت له تعرف .. أعتقد أن الابتعاد عن السياسية لابد سيفيدك. فرد تروتسكي (لا أنوي أخذ راحة من السياسية ولن أفعل. ولا انت. انك تواصل الرسم لانك رسام جيد)." افترقا كاصدقاء لكن يفيموف كان عليه ان يهاجم تروتسكي باوامر من ستالين وهو شيء يثقل ضميره. وقتل تروتسكي عام 1940 على يد عملاء ستالين في المكسيك بعدما جاب العالم. ويكن يفيموف تقديرا كبيرا لجورباتشوف اخر زعيم للاتحاد السوفيتي والزعيم الروسي الوحيد الذي دعاه للكرملين. ورغم مرور كل هذه السنوات لا ينسى ابدا يفيموف مقتل شقيقه الصحفي ميخائيل كولتسوف في الثلاثينات. والقى ستالين القبض على كولتسوف رئيس تحرير صحيفة الحزب الشيوعي (برافدا) عام 1938 وأعدم بعد تعذيبه وهو في الاربعين من العمر.