كاتبة ومفكرة وداعية حقوق الانسان

توفيت يوم الثلاثاء الماضي الكاتبة الأمريكية الشهيرة سوزان سونتاغ في مستشفى خاص بعلاج السرطان بنيو يورك. وقال متحدث باسم المستشفى بأن الكاتبة التي تبلغ 71 عاماً توفيت صباحاً من جراء مرضها الطويل باللوكيميا.والكاتبة سوزان سونتاغ، التي تعتبر افضل تلميذة للمفكر الفرنسي رولان بارت،والتي نشرت 17 كتاباً في ميادين ثقافية مختلفة، في القصة القصيرة والرواية والمسرح والسينما بالاضافة الى عدد كبير من المقالات في قضايا ثقافية وفكرية وسياسية، كرست حياتها أيضاً للدفاع عن حقوق الانسان،.. وكانت في السنوات الماضية واحدة من بين عدد قليل من المثقفين، في الولايات المتحدة الامريكية، التي انتقدت علانية وبشدة سياسة الرئيس بوش بعد ضربة 11 سبتمبر في العام 2001 لمركز التجارة العالمي في نيويورك. وكان نقدها منصباً ضد سياسة الادارة الامريكية في شنها الحروب ضد الارهاب دون أن تعالج الامر بطرق أكثر نجاعة وتدرس جذورالارهاب الاقتصادية. بالاضافة الى نقدها القاسي للتحولات السياسية والاقتصادية في بلدها ـ الولايات المتحدة، بينما كان موقفها واضحاً في مناهضة استخدام القوة العسكرية في افغانستان والعراق. وقد توجت سونتاغ في العام الماضي بجائزة السلام في معرض الكتاب العالمي في فراكفورت بالمانيا، فيما قال عنها ابراهيم سباهيج مدير مركز السلام العالي في سراييفو: "كانت تستحق سوزان سونتاغ جائزة نوبل للسلام ". ولدت سونتاغ في 16 يناير 1933في نيويورك من عائلة يهودية . توفي والدها مبكراً وهي لم تبلغ السادسة من عمرها لتتزوج والدتها مرة ثانية وتنتقل الى أريزونا ومن ثم الى لوس أنجلس . وبدأت في الخامسة عشر من عمرعا تدرس الفلسفة وعلوم الادب في جامعة بيركلي وشيكاغو. نالت الدكتوراه من جامعة هارفارد في العام 1955. ويعتبر كتابها (ملاحظات في التصنّع) المنشور في العام 1964 من أهم الدراسات الفكريةالتي تعرضت الى الفن المعاصر وربطت فهمه وبنيته الداخلية بما تسميه الحساسية الجديدة. ويعترف النقاد بأنها تركت باطروحاتها عن الفن تأثيرا واضحاً في المشهد الفني سنوات الستينيات والسبعينيات. ومن بين أعمالها الأخرى: "الكتابة نفسها، عن رولان بارت"، "فن التصوير"، "المرض كمجاز - الايدز واستعاراته".

وعلى الرغم من تقديرها في الاوساط الثقافية لاقت سونتاغ الكثير من المتاعب وتعرضت الى نقد وهجوم عنيفين من قبل مواطنيها بسبب من أفكارها الليبرالية اليسارية ولنقدها القاسي والدائم لسياسة ادارة بوش الداخلية والخارجية. وكانت في نقدها تتناول الحقائق من منظور عميق ، لامن جانب صحافي ضيق. ولدى تتويجها بجائزة فراكفورت قالت : سأتصدى دفاعا عن الفكر الحر في عالم يزوّر الصور ويقدم الحقائق مجزأة ومقطعة. كتبت سونتاغ 17 مؤلفا، وعددا لا يحصى من المقالات في الثقافة والسياسة وفي نصوص سينمائية ومسرحية. واشرفت على اخراج أربعة افلام سينمائية، ووقفت أمام الكاميرا في العام 1983 في فيلم لوودي ألن. وحازت روايتها الصادرة في العام 2002 على جائزة الكتاب في أمريكا . ترجمت اعمالها الى 32 لغة عالمية. وعلى الرغم من مرضها فقد كانت تملك طاقة كبيرة في التحرك وفي تكريس نفسها لمسألة الحرية. ويتذكر ابراهيم سباهيج الموقف الانساني المتضامن من قبل الكاتبة سونتاغ إبان حرب البوسنة 1992 ـ 1955 فيقول: "رفعت صوتها الى جانب عدد قليل من المثقفين تطلب من الولايات المتحدة الامريكية أن تلعب دوراُ في إنهاء نزيف الدم في البوسنة". ويقول: "في الوقت الذي كانت قنابل الصرب تضرب سراييفو المحاصرة وتريد اقتحامها وصلت زونتاغ الى المدينة المحترقة لتتضامن مع المواطنين فيها، وبالاخص مع كتابها، ومع العاملين في المسرح". وقامت زونتاغ آنذاك باخراج مسرحية بيكت "بانتظار كودو". لقد منحتها مدينة سراييفو صفة مواطن شرف وهي اليوم مع اتحاد كتابها تعزي بوفاة سوزان سونتاغ وتعتبر وفاتها "رحيل مؤسف لصديقة عظيمة".

أما بالنسبة الى غونتر كراس الحائز على جائزة نوبل فيعتبرها "شخصية امريكية وطنية ..جريئة وغير هيّابة من شيء يردعها عن نقد الاوضاع السيئة في بلادها" ويقول: "إن وطنيتها قد أعلنت عن نفسها من خلال دأبها على توجيه النقد القاسي، ورفضها العقلية الصليبية لادارة بوش"... وهذا ما يستدعي الاحترام والتقدير". وبمجرد متابعة سيرتها السياسية وتفاعلها مع الاحداث من السهولة أن نكتشف بأن سونتاغ كانت "كاتبة عظيمة" وسوف "يفتقد صوتها في الولايات المتحدة الامريكية التي هي الآن في الواقع بحاجة لهذا الصوت أكثر من أي وقت مضى". وكان غراس الذي يمجد فيها الصراحة والجرأة قد التقى وتعرف بها عن كثب ، وفي مناسبات عديدة. ويعلق سلمان رشدي ، رئيس اتحاد "PEN" الامريكية واصفاً إياها بـ "كاتبة عظيمة، ومفكرة جريئة، كرست نفسها وعملها من أجل اعلاء شأن الحقيقة". لقد ثمن الليبراليون الامريكيون الكاتبة سوزان سونتاغ لفكرها العميق وتأملاتها الفلسفية، ولدمجها الموقف السياسي بالكشوفات الفكرية والثقافية واتخاذ موقف واحد لا انفصام ولا تعارض فيه. وفي كتابها، المرض بمثابة استعارة أو مجاز ، انشغلت أيضاً منذ العام 1975 مع مرضها في سرطان الثدي وواجهت الأمر في حقيقته المأساوية لتبحث عن الخلاص الجماعي لا الفردي من خلال رفض جعل المرض ميثولوجيا لا يمكن الشفاء منه ، ملقية على عاتق العالم مهمة البحث الجاد عن العلاج لعشرات الملايين من البشر الدين ينزفون حتى الموت. كتبت زونتاغ روايتها الاولى في العام 1963 عن ممثلة بولونية مهاجرة الى الولايات المتحدة أصبحت فيما بعد نجمة لامعة . وقد قارن الكاتب جورج ماكلاين رحيل زونتاغ بنجمة منيرة أفلت في سماء أمريكا . وفي تعليق لـ "بي. بي . سي.": "تركتها هي حرية الفكر".