"العراق - الجحيم في الفردوس"- آخر كتاب صادر في وارسو عن العراق، ألفه الكاتب الصحفي البولندي (بافل سمولينسكي). من المعروف أن العراق أصبح مادة إعلامية لكثير من وسائل الإعلام و الكتاب في كافة أنحاء العالم. لكن تواتر الأحداث لم تعط مجالا للتأمل سوى لقلة من الطامحين. لذا فإن هذا الكتاب ليس عملا صحافيا سريعا رغم قصر الفترة(شهور معدودات) التي قضاها مؤلف الجحيم في العراق. حينما وصلني هذا الكتاب من صحيفة: (غازيتا فيبورتشا) - أكبر صحيفة في بولندا- بغرض الكتابة عنه، وجدتني حائرا باديء الأمر. و لعلني سأكون منصفا فيما لو قلت: إنني كنت وجلا لأن الموضوع موضوعي و لأن ما صدر باللغات التي أقرأ بها لم تشجعني على الثقة بما يكتب، ناهيك عن كوني لا أميل أساسا إلى اليقينية. خاصة وأن نسبة لا بأس بها مما كتب عن العراق و المنطقة يفتقر إلى المصداقية و حرارة ما يحدث. يبقى موضوع العراق من أكثر القضايا التباسا و تعقيدا و عسرا على فهمها، خصوصا بالنسبة للغرباء.

العراق من البطانة

لكي يتمكن الغريب من الدخول في معادلة العراق ينبغي عليه أن يترك الأفكار الجاهزة عن الشرق و العالم العربي بالذات- أي عن شرق الحريم و الطغيان و الأمية ذات السبعين مليون و البؤس الروحي و الحياتي و هلم جرا. هذه كانت نصيحتي الأولى للمؤلف قبل سفره إلى بغداد. أما الفكرة الثانية فكانت تستدعي دخول العراق عبر أهله و هذا هو المحور الرئيس الذي استند عليه المؤلف في كتابة جحيم العراق. لقد حاك سمولينسكي خيوط قصته عن العراق داخل العراق فكان العراقيون أنفسهم دليله الحي: ببساطتهم، و براعتهم في تصوير أحوال الناس و المجتمع و بنظرتهم عن النظام المنقرض و توصيفهم لواقع الحال. كيف يبدو العراق من البطانة؟ ما يخيفي حقا، هو أن يتحول البيت الشعري الذي كتبه الشاعر البولندي الراحل ميووش بصيغة سؤال وجودي:" وإذا كان العالم بلا بطانة"، أقول أخاف أن يتجسد هذا البيت و يصبح حقيقة مجسمة لا مفر منها في هذا المقام. في هذا الكتاب لنا علاقة ببلد: مظلوم، ظالم، قاس، رحيم، منفتح، منغلق، متسامح، متطرف، مُدَمَر،متمرد، فخور، معتد بنفسه، مهان، مذل، جائع، غني و مدقع، يستغيث:

“Mister America, give me one dollar”

مبتهج، نادب، مؤمن،شكاك، عاطفي و ساذج لفرط طيبته، ذو فورة و فوران و أزيز، محتد و متهور، شجاع، شهم، و خائف من نفسه و من الآخر، قديم قدم تاريخه السحيق، فتيّ و مندفع في تحقيق مطامحه الخاصة و العامة، متشائم و متفائل، غيبي و واقعي، حالم و طوباوي، عنيد و مطواع، لكنه مؤمن إلى حد ما "بنظرية المؤامرة"! كان العراق دائما واقعا تحت وطأة تراثه و تقاليده و متناقضاته من جهة و ضرورة التطلع إلى أمام. هذا هو فخ التقاليد و فخ التاريخ لمن له مثل هكذا تاريخ و هكذا تقاليد. هذا هو العراق الذي يقدمه لنا بافل سمولينسكي في كتابه " الجحيم في الفردوس". و ليصف لي أحد العراق عكس ذلك؟!

جحيم وفردوس

يقسم الكتاب إلى سبعة أجزاء. كل جزء له أبطاله و حكايته أو حكاياته عن جحيم العراق و نعيمه. تبدو الأجزاء للوهلة الأولى كيانات لها استقلالها الذاتي، لكنها تتكامل في المحصلة النهائية. ألم يكن العراق في واقع الحال كذلك؟ أحد أغنى بلدان العالم و أصبح بفضل حكمة "القائد التاريخي الفذ!" من أفقر البلدان!! يا لها من مفارقة، يا لها من مهزلة! يظهر الكتاب معضلة مجتمع تم إذلاله من قبل نظام شمولي لا يرحم، و إضعافه إلى آخر حد بحروب و قوانين و ممارسات لا إنسانية قراقوشية متناقضة و مدمرة في عواقبها. نرى كذلك كيف تندثر النوايا الطيبة في رمال وادي الرافدين بسبب الممارسات الخاطئة للقوى المحررة، و بسبب قساوة و بربرية قوى الإرهاب المناهضة لعراق ما بعد الديكتاتورية البغيضة. ساحة الفردوس هي نقطة الارتكاز في هذا الكتاب. ساحة الفردوس رمز تحرر العراقيين. سبق و أن كان ها هنا منتصبا- حتى اسقاطه في التاسع من نيسان 2003- تمثال الطاغية. لكنه، و بعد عدة شهور على اسقاطه، أخذت تكتب في الساحة ذاتها شعارات" عودوا أيها الأمريكان إلى بيوتكم". مفارقات، مفارقات!

ساحة الفردوس هي كل شئ: فرحة مَنْ أذلّهم النظام السابق، وهزيمة من ناصره و أيده، كما و أنها، بتصورنا، هزيمة بنفس القدر للآتجاه القومي(القومجي) العربي عموما، ربما لا تبدو هذه الهزيمة دامغة تماما إلا أنها هزيمة منكرة في النتيجة. وأسوأ ما يواجهه العراق حاليا هو أن أيًا من ذينك التوجهين لم يعلن انتصاره النهائي بعد. هذا التأرجح يبقى مقلقا و مثيرا للتقزز حقا. يصف لنا المؤلف بغداد(التي كانت قديما عاصمة العالم) بصورة مؤثرة و مأساوية، قائلا: " بغداد تعيش حركة تفتقد إلى الضوابط، إلى القواعد و الأصول. على الأقل بالنسبة لي، لا أستطيع أنا أن أفهم هذه القواعد و أن أحددها. فليبارك الله الضبابَ الذي يساعد على تحمّل كل ذلك". هكذا ينتهي الجزء الأول من الكتاب. هذا الجزء بداية رائعة تلخص كل شئ." فالإرادة الحرة لم تكن موجودة في زمن الديكتاتورية في العراق". و كل الشعارات التي رفعها الديكتاتور و حزبه تحولت إلى عبارات و وعود فارغة و كاذبة لم يتحقق منها شئ عبر خمسة و ثلاثين عاما. يكفي الاستماع إلى شهادات المرتبطين بالنظام السابق و ملاحظة مجريات الواقع. يستشهد المؤلف، على سبيل المثال لا الحصر بما قاله شبيه عدي الذي أجبر على مشاهدة خمسة و ثلاثين فيلما عن التعذيب و أساليبه المتبعة آنذاك بحق" غير المؤدبين"! خذ مثلا الفيلم رقم 10: " تثقيب الأيدي و الأرجل بثاقبة كهربائية. كما و أن كل العراقيين يعرفون بأن العوائل غالبا ما تدفع ثمن الرصاصات التي نخرت أجساد قتلاها". كان على الجميع "أن يتذكروا دون أن يتكلموا. فإذا نسيتَ التعذيب ستنتهي في حدوده و إن تفوهتَ سينتظرك التعذيب أيضا". لقد ذكر المؤلف أن ثمة هناك عراقيين يؤمنون بأن: "طاغية محلي خير من حرية أجنبية" و المغزى هنا واضح. كان هؤلاء و سواهم يدركون جيدا أن " المديح و التزلف كانا دليلا على الولاء، و الولاء كان يقود إلى النجاح". لكن المؤلف لاحظ بذكاء، أن الجميع" يخافون من القنابل المفاجئة و من التفجيرات التي يمكن أن يتوقعها المرء أكثر من توقعه لنزوات عدي". يرى المؤلف كذلك من تجربته الخاصة كبولندي بأن " النظام السابق قد أجبر الكثيرين من المواطنين للبحث عن "الحرية الأجنبية". لقد جمع المؤلف عددا ضخما من شهادات مؤيدي النظام السابق و معارضيه من فئات متنوعة و مستويات متباينة إناثا و ذكورا. جمال سلمان هو أحد هذه الشخصيات التي رافقت المؤلف في مغامرته العراقية. لقد التقاه المؤلف في بهو فندق عشتار في بغداد. لقد عاش جمال عشرين عاما في الولايات المتحدة الأمريكية، كان شابا طموحا يعزف على القيثارة و الجوزة و الكمان. بعد عودته إلى بلده أراد أن يجد لنفسه عملا مناسبا، فكانت المكافأة بقطع رأسه في آب/اغسطس 2003 على يد جماعة مسلحة من أنصار السنة مرتبطة بالقاعدة! لقد نعاه سمولينسكي حينئذ بحرارة في الصحافة البولندية داعيا إياه بعبارة: الصديق الوفي.

كان جمال بالنسبة للمؤلف ذلك"الهندي الأحمر" الذي لم يحصر مساعدته على اقتفاء الأثر، في رحلة البحث عن الحقيقة، بل سهّل للمؤلف مهمته من خلال توفير لقاءات و زيارة أماكن يحلم بها جلُ الصحافيين و الكتاب من هذا الطراز. أخذ المؤلف إلى الفلوجة و سامراء و أماكن أخرى و رافقه في بغداد و سهل لقاءات له مع المسلحين من ارهابيين و سواهم!!. لذا نراه حاضرا كراوٍ مرة و دليل مرة أخرى. في البزار العراقي ثمة شخصيات أخرى: من مريدي النظام السابق، و النظام الجديد- أناس ساقطون و آخرون نبلاء من كلا الطرفين! أعضاء في حزب البعث المنحل، صحافيون، ممثلون، راقصات، رجال أعمال، مواطنون عاديون و إرهابيون أيضا. يفضح الكتاب الواقع الحالي و يعريه لما تعتريه من ملابسات تقف في مقدمتها حقيقة أن أزلام النظام السابق ما يزالون يعملون في مختلف الدوائر الرسمية و المؤسسات الأهلية،يعرقلون التحولات الجديدة و يتعاونون مع الإرهابيين و ينشطون حتى في أجهزة الشرطة و الحرس الوطني. و نحن من جانبنا نراهم حتى في الوزارات و السلك الديبلوماسي و كأن شيئا لم يكن! يشكل الانتهازيون الفئة الغالبة منهم. نقرأ في الكتاب أمورا غريبة، منها على سبيل المثال لا الحصر ما ذكره سمولينسكي عن وكيل وزير الدفاع الحالي- ز. ك.( خريج بولندا) قوله: "أنا أعمل لمن يدفع لي أكثر"!! و الظاهر أن سمولينسكي قد نبه هذا المسئول العراقي(مسئول عن كافة صفقات السلاح مع الجانب البولندي!)إلى حقيقة تعاونه السابق مع النظام الصدامي المقبور وسفارته في وارسو، و أنه كان يصور المناهضين لنظام صدام وكيف ألحق الضرر بالكثيرين منهم، بناء على شهادات عدد من المتضررين أنفسهم. ثمة هناك لقاء مثير مع المقاول- أبو أحمد- الذي كلفه صدام حسين بإنجاز مبنى جامع الرحمن(جامع صدام) في بغداد( إذ كان من المفترض أن يكلف العمل فيه نصف مليار دولار و ينتهي في العام 2015- كم كان يتوهم هذا الرجل أن يعيش؟) ذكر فيه أنه" قد حصل مؤخرا على عقد لصيانة السجون في العراق"!! ثمة شخصية -أبو علي- الذي ما يزال يمدح صداما و يتحدث عن "ضرورة الحرب مع ايران" و كيف أن صداما باعتقاده" لم يكن لديه حظ لدى الناس"!

لا يخلو الكتاب من المفارقات. فمثلا وصف الكاتب، زميلنا رئيس تحرير جريدة "الصباح" سابقا الذي التقاه عدة مرات في بغداد بناء على اقتراحنا، بمستر نو بروبلم- " Mister no problem". لكن لماذا هذا الوصف؟ الظاهر أن سمولينسكي كان يشكو من وعود صاحبنا بمساعدته، فكلما كان يسأله عن قضية، يرد عليه بنو بروبلم! قد يكون حميد مجيد موسى السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي أحد الشخصيات الظريفة التي تحدث معها المؤلف عن الأوضاع العراقية. لقد وصف لنا الكتاب السلفيين المتزمتين الذين التقى بهم سرا وصفا يقربنا من فهم العقلية المتحجرة التكفيرية التي تتحكم بهم و بحياتهم اليومية و نشاطاتهم التدميرية التي يتعرض لها العراق. ينقل لنا سمولينسكي فكرة شائعة في أوساطهم ترقى إلى مصافي اليقين مفادها "أن الله يبعث كل مائة سنة رجلا يصلح ما أفسده الناس"! وإذا كان الأمر كذلك برأيهم، فالظاهر أن من قام بالإفساد ليس النظام المتخلف السابق و إنما الأمريكان و المتعاونين معهم و كافة المتنورين!!

التقى المؤلف بممثلين من مختلف الطوائف و الاتجاهات و عرض علينا آراءهم و أفكارهم المتناقضة في جلها، بحيث لا يمكننا أن نخرج إلا بانطباع مفاده أن نسبة لابأس فيها تعاني من ازدواج الشخصية و انفصامها على حد سواء، و أنهم يقولون ما لا يضمرون في صدورهم التي فتحوها للكاتب ظنا منهم أن ما يقولونه لن يظهر للملأ! غيرأننا نلحظ مقابل ذلك الخراب الروحي و المادي المستشريين في المجتمع العراقي. مع كل هذا الخراب تبقى غالبية الناس تبغي الأمن و تحسين ظروفهم المعاشية و أن هذه الغالبية غير معنية بالسياسة: بأحابيلها و دهاقنتها! لقد لاحظ المؤلف ذكاءً غيرَ عادي لدى محدثيه و لدى عموم الناس. ثمة الكثير في هذا الكتاب من الشخصيات و الحكايات و التوصيفات عن بغداد التي تبدو له "مدينة لا تضاهيها مدينة في العالم من حيث نسبة الإجرام"!

هناك حديث عن محلة "أبو سيفين" في بغداد التي كان يطلق عليها قبل نصف قرن تسمية " تاتران" و كانت نسبة لا بأس من سكانها هم من اليهود!لربما كان اللقاء مع الراقصة البغدادية"أحلام" من بين أكثر اللقاءات (خارج القتل و التكفير)إثارة. يتابع المؤلف مصير هذه الراقصة زمن النظام، صعودها ثم انحدارها في زمن الحصار. تذكر أحلام بعضا من حياة الراقصات(ربما في الفرقة القومية للفنون الشعبية)و كيف كنّ بعد التمارين يشربن النبيذ زميلات و زملاء. تذكر لنا أيضا رحلتها إلى كوبا على متن طائرة كانت تقل طارق عزيز(وزير الشباب آنذاك) و كلا من عدي و قصي اللذان قد تحرشا بها و كيف أنها ضربت قصيا على قفاه بحيث أخذ يصرخ و يسب! و لقد قام طارق عزيز بصفعها على وجهها، صارخا بوجهها: " كيف يمكنك أن تضربي ابن السيد النائب؟!"

أحلام لا تريد أن تتذكر تللك الرحلة إلى كوبا و لا استمارة الانتماء لحزب البعث التي كان على كل مشترك بالرحلة أن يوقعها لكي يسمح له بالسفر. كان ذلك في سنوات السبعينيات، و كان على أحلام فيما بعد، في زمن الحصار، أن تعمل راقصة في النوادي الليلية و الخاصة لتعيل نفسها و عائلتها! كانت أحلام تعرف تماما أن سمعة الراقصات في المجتمع العراقي سيئة، لكنها كانت واثقة من نفسها، ففي ليلة من الليالي و بعد أن سقطت حلتها صدفة أثناء الرقص هربت من المكان و احتمت في بيتها لمدة أربعة أيام قضتها بالبكاء خجلا مما حدث. يخرج المرء من هذا الجزء بمشاعر مختلطة، بحيث لا يدري هل يدل هذا على صعود هذه الفنانة أو سقوطها، الأمر الذي يتوازى و يتناسب مع صعود وانحدار نظام بأكمله؟ أم أنها تدل على حياة مجتمع قد أذله الطغاة و مسخوا شخصيته؟ ربما هو مزيج من كل هذا و ذاك و أشياء أخرى لا مجال لذكرها في هذا المقام. يستغل المؤلف لقاءاته مع بعض العراقيات مفسرا أسباب حملهن الحجاب على أنه لا يدل بالضرورة على التدين، و إنما هي وسيلة من وسائل الدفاع عن النفس في زمن الفوضى و الفلتان الأمني و الاختطاف و القتل العشوائي. سجل المؤلف لصالح المرأة العراقية ذكاءها و شجاعتها و معاناتها و صبرها. في هذا الجحيم ثمة إنصاف للمرأة التي كما رأينا قد أنجت الانتخابات العراقية الأخيرة بنسبة تجاوزت الستين بالمائة!

لا يظهر مؤلف الجحيم في الفردوس، بدور راوية للأحداث و حسب بل كمعلق عليها و منسق لمتناقضاتها، لذا جاء عمله مثيرا في تعبيره عن الوضع العراقي. فبفضل سمولينسكي يكتشف القارئ، خصوصا غير المطلع تماما، كيف تفكر و تعمل المجموعات السلفية الإرهابية(المستوردة والمحلية) و الزمر الصدامية من أجهزته القمعية السابقة في عراق اليوم. كما وسلط الكاتب الضوء على طقوس و شعائر بعض الطرق الصوفية التي لا يبتعد مسؤولوها في حقيقة الأمر عن مجريات الأحداث و عن تأثيرات النظام السابق، رغم ابتعادهم الظاهري عنها! لقد ذكر بعض محدثي المؤلف له كيف أن "كثيرا من العراقيين مستعدون لبيع أقرب الناس لهم مقابل حفنة من الدولارات" متناسين حقيقة أن هذه الممارسة و ممارسات أخرى لا إنسانية إنما قد ورثوها عن النظام الديكتاتوري المقبور. لقد توصل سمولينسكي أثناء اقامته العراقية كمراسل لصحيفة"غازيتا فيبورتشا" أواخر صيف و خريف 2003إلى حقيقة مأساوية تقول إن( عمليات القتل في العراق ستستمر لفترة قادمة). الشئ الآخر المهم الذي يتوصل إليه الكتاب هي أن مرتكبي أعمال القتل قد فقدوا الهوية التي يتسترون بها من كونهم" مجاهدين و آخرالمدافعين العادلين"! لقد أثبتوا بأنهم مجرد قتلة و سفاحين.

كتاب "العراق الجحيم في الفردوس" كتاب لا ينحصر في دائرة الكتابات الصحفية، و إنما يتجاوزها. إنه شهادة كتبت بدراية و حرفية عن بلد ينزف بمباركة الكثيرين من أشقاء الأمس. لا تقتصر هذه الشهادة الحية على المتلقي البولندي و حسب بل تتجاوزه إلى صاحب الشأن- المتلقي العربي، والعراقي بعينه ، لكي يعرفوا جمعيا حقيقتهم و حقية ما يجري في بلادهم. قال آدم ميخنيك(رئيس تحرير صحيفة غازيتا فيبورتشا وأحد أبرز الشخصيات المؤثرة على الساحة البولندية):" إن العراق تجربة كبيرة و ثقيلة في أوقاتنا الراهنة". هذا الكتاب جهد كبير في معايشة هذه التجربة و الكشف عن طبيعتها.