محمدالأمين ولد ببغداد عام1970. اقتلع من مسقط رأسه ورمي مع آلاف العراقيين على الحدود العراقية الايرانية عام 1982 بسبب أصوله الفارسية. درس العلوم الدينية في مدينة قم وأكمل فيها دراسته المتوسطة والاعدادية. ترجم منذ بداية التسعينات قصائد لشعراء عرب معاصرين الى الفارسية كما نقل الى العربية عيون الشعر الفارسي المعاصر. اضافة الى ترجمات للشعراءالكلاسيكيين كالخيام وحافظ الشيرازي. أصدر عام 1997 مجلة "شيراز" التي عنيت بالتلاقح والتواصل بين الثقافتين العربيةوالفارسية. عضو في هيئة تحرير مجلة "علامات" الصادرة بالعربية والهولندية من امستردام.


وردة الغريب التي لا يبصرها أحد


هكذا كان دائماً
أيها الغريب النائي
قبل أن ترى البحر
قراصنة وديعون يسكبون فيك كآبتهم
ويجلدون بأحطابهم التي لا تشتعل
وكأنك خالق شتاءآتهم اللامتناهية
مع ذلك أناديك
بإسم السر والزلازل
وخطى متناثرة بين آهتين
أناديك باسمك الأخير
وردتك السوداء التي لا يبصرها أحد
هارب ٌ أنت من البيوت والأسّرة
ولا تعلم أن مشاعرك الغريبة مثلك
لا تتجذرُ في هذه المدن القابعة في البؤس
فماذا ستجديك قامتك هذه
إن لم تكن قادرة على ترويض وساوسك
ولماذا بين الحقيبة والجسد يترنح ُ موتك
أما آن لك أن تخفَّف من هوله؟
أن تجعله أكثر نضارة
من خطى وردة متجهة نحو بيت الشمس
حيث فنائها وخلودها متعاضدان!؟


لا غروب يتذرع به غيابك
ظلك الباهت ينبوع الزوابع وحنجرتك الصدئة
غير لائقة بالغناء
لذا تهفو إلى التلاشي دونما سبب
لكن، لمن ستنسُبَ الكمائن
للنور أم للظلمات؟
وكيف ستنسج خرائبك بجنائن من تـُحب؟

طمأنينة تلثغ بأكاذيبها


كمن يمحو الخطى الزائغة لذاكرته الساهية
أو يعيدها إلى جادته المعوَّجة التي هي خِرَقُ تيهٍ مكرر
أحتفي بمعطيات السراب
بأزهاره النيئَّة
محفِّزا ً سواعدهُ أن تكدس الغياب على عتبات جنوني


لأن بصمات المعاول
تهرول ساطعة في خرائب عمري الشارد
لأن عقارب الساعة تشحذ دم الحائط
لأن الشظايا تقيم أعراسها في جلد الروافد
لأن الغريب يوجز عبارته
ويشيـّد المنفى لهمسِهِ سواحل
لأن خارطة النظرة مكتظة بالمسامير
لأن . .
أهملُ رأسيّّ خيط الزمن
معترفاً عند خطى النافذة
والنافذة حاضر منساب
بلوثة القناديل
لكن،
إزاء طمأنينة تلثغ بأكاذيبها،
كيف؟
كيف سأتهجى حروفي
لأغدو سليل موتى
غرفوا من النهر إستغاثة الغرقى
وحرسوا أصفادهم من سطوة النار
فكافأتهم البحارُ بغبارها


- النار؟
- نعم، النار التي تتباهى بعصاها الطرية
وتطرح الأيام أرضاً
أثناء ليل،
كان يصوغ ضلوعي حطبا لشهوتها اللاهبة
النار المنصتة لرنين الفراغ
لإصطخاب الدم في جسد الموسيقى
أو لنحيبه في أكياس الحنطة الخاوية
لنباح يقين مسعور وقهقهات خسائر
قلتُ للفراغ رنينه
لكن تعاويذه الحادة تخدش دمي
لكنه محشو بتماثيل سادرة تطارد الحنين
- الحنين؟
- أقصد وحشاً روضته السغاب
قلت السغاب وقصدت رتل ذئاب يطارد القلب ويغويه
بل صامتا كنتُ كبئرٍ ظامئة
مخبولا ً قبالة ربيع ناشف
سيرفل مثقلاً بالصخور
بينما سدنته يغلفون التفاحات بقشور سود
مدَّعين أن الليل شراع


للتفاحات سماواتُها
وحيرتي نجمتُها

إحتمالات

هِبْ أنني عبَّدت حصتي من الضباب إن برغوة الذاكرة
أو بتداعيات هذا المنفى الذي شاء أن يترنَّح في أعماقي
وكأنه ناقوس
هِبْ أنني واظبتُ على حراسة إيقاعك
الذي يروّض الدم السائب في جسد الماء وعروق الحائط
الذي يوقظ نهد الأنثى لحظة تغفو أنامل الفتى
هب أنني سمَّيتُ لك قناديل الشوارع
قنديلا قنديلاً،
شارعاً شارعاً
ورهنت أمسي وغدي في كفك
صخب أعمال شاقة في مفكرة محايدة
لكن، كيف سأنجو من هذه " الآن"
الحادة كعقرب الساعة
أو أُنقذ أحلامك بسهوٍ مقصود
مُوقداً ناراً أخرى
في حدقتيك اللائقتين بالحب دائماً
من أجل أن
من أجل أن
من أجل أن تفسر لي بود لا متناهٍ
سر هذه الفصول التي تخمَّر الجليد في القلب


لكن . . .
يا لها من مفارقة تثير الشجن
أن ترى أغنيتك ملحمة حماسية يردِّدها خصمك ضدك
أفلم يكن بمقدورك أن تنتسب للعاصفة التي لم تكن جنيناً
لتمنحنا هذا السؤال المدهش
من أي نطفة تكونت ؟
أن تحتفي بزوال المسافة بين الماء والسراب
أن تحجب الذاكرة بكفك
كي يعبر غريب آخر

دائماً تطوع سفني رهبة بحارك
إلا أن السواحل ذوات المباهج الزائفة والأمان المرتعش
سرعان ما تبدد فينا حكمة امتطاء الرغبة
فإلى أين سيهرب أحدنا
مختزلاً الخصوم كلهم فيه
حاشداً غمامات الحنين في الصدر
باسطا ذراعيه للمطر
غير مبالٍ بعدم حشـّد صواعقه ضدنا
ومرتجفا في الآن ذاته إزاء أبسط موت
كنار في عين غزالة شاردة


هب أنني خبأت عشبة الذهن تحت حجارة صلدة
ورممَّت المدى بشهقة طرية
أتراني قادراً على اقتياد قطيع ألحاني إلى الماضي
أن أو قف سيل الدم المتدفق من صدغي البهجة
أن أفضَّ شجار الليل والنهار
أن أعاتب كل نهارٍ تركني وحيداً مع الليل
وكل ليلٍ لم يسكب خمرته فيَّ

حقا أنه لمن المدهش أن نتسكع في جحيمٍ متخيل
أن نلاحق الكواكب والمجرات كالمراهقين
ونغفل القلق الذي يغير لونه، كل حين، في أعماقنا
وكأنه سماء


الأرض تسّاقط
فيما ينصبون عليها حيطانا ثابتة
فلأقل لنفسي
أنها متعبة مثلي وكئيبة مثلك
لكن أوّاه أيها الصديق
أهكذا دون أن تستأذنني
تقتحم دار المجانين التي في رأسي؟

النشيد الوهمي للصبـّاغ الغريب

لك الدار أيها السيد
لك الدار

لك الخريطة أيها السيد
لك الخريطة

أيها السيد صاحب الدار والخريطة
لقد جهزت عدتي
الفرشاة مصوّبة نحو الحائط
الأصباغ على الأرض والمقص راقد في الصندوق
لكني أقترح عليك إلغاء السقف
من صالة الضيوف على الأقل
فالمطر لن يمس الأشياء الحقيقية بسوء
لن تصدأ المرآة
سيُصيـِّرُ الملك رقعة الشطرنج مظلة له
وسيفوح جسد أنثاك برائحة طائر أسطوري يشبه السمكة

أيها السيد
صاحب الدار والخريطة
هذا الأثاث البارز كعضلات ثور هائج
يخنق السؤال
خذه إلى البحر إذن
أو اجلب موجة للبيت
شريطة ألا تحنطها
كي تسرد لك حكايا الأسلاف والقراصنة

الأصباغ على الأرض
والمقص سيقتطع الغرور من الذاكرة
لكني من أجلك أيها الغريب المضاعف
أغمس الفرشاة في دمي

منفى

هنا، ينابيع الرهبة
المتماسكة كلًبِنات الفراغ
المتناحرة كعميان في ماراثون
أربكت كلماتي بنكهة النسيان
آه،
النسيان كمنفى
هناك يمارس من أُحِبهُ أعمالاً شاقة
ينابيع الرهبة
لبنات الفراغ. .

تمرد

ذكرياتي التي توّجتها بالدمعة والحنين
تمردت كليل أطل في منتصف النهار
والأمل الذي رتبت هيكله العظمي لاذ بالفرار
ها أني أدعو النسيان – حليفي- لخسائر أخرى
فقد أضاعت الهدنة طريقها إلي

سفر

عند الفجر، أباغت المدن
هاهي ترفع ذراعيها، ستسلمة لي

حلم

غارقاً في أعماق الحلم
أتحسس المسافة الواقعة بيني وبين نجمة دامية
مازلت أحتفظ بعنوانها
بكائي قطع المسافة سيراً على الأقدام
رائحة البكاء تجوب الآن أعماقي

تكنولوجيا

قبل أن تولج التكنولوجيا قطيع ذئاب في ثقب إبرة
قبل أن . .
أعبيء أحلامي في كلمات نحيفة
وأعارك أسمائي قرب باب

ثغاء الساعة
إلى صادق رحماني


كانت رمانتك فانوساً حزينا
نصفها دمع
نصفها نار
لكن، على أعمدة الزبد إلتفت جذور حنيني
فأنا عملة باطلةخلفها أسلاف
لأيام قد تأتي

دع ثغاء الساعة

ينبئنا باضطجاع السقوف الرثة والزلارل
دع سواعد الذكريات
تتمشى هناك

حرب

وحدي تطوعت لمطاردة جرذ اسمه الحرب
وحدي ابتنيت مواضع أمامية للسِلْم
ونسجت أيامي بأسلاك شائكة


أنا رغوة العدم
مفاتيحه وأقفاله
على قشور عزلتي ينزلق الليل
وبآهة أخرى ينفرط جسدي

فوانيس عاطلة أيامه

1
يسألونني عن الحرب رغم كوني غنيمة
ربما غنيمة مؤجلة للفراغ
ربما فريسة نار أخرى


2
لان الرحيل يثغو فيَّ
ضيّعتْ حجرها الأساس متاهتي
إذن، سأدع العزلة تبكي كما التماثيل تحت المطر
سأدع الأخ يستحضر أشيائه،
وسادة تدرأ شهوة الشظايا،
دمعة متجذرة في خوذة،
رسائل معطوبة في فوهة مدفع,
وفوانيس عاطلة أيامه


3
إزاء متاهة افتقدت أحجارها
كان عليَّ أن أصفق لنسيان يعارك نفسه
أن أنضّج الضياع بسؤال يتناسل كالفطر
أن أخطف الموجة التي يتوكأ عليها البحر
لأوثق بها معصم الحنين
و. .
إزاء مقص يقتاد الخارطة إلى بيته
كان علي أن أزيت الهيكل العظمي للخارطة
مبتكرا حروبا بلا هدنة
بلا
وردة بيضاء

العنقاء أخت التلاشي

صيادون يستدرجون الفناء بشباك ممزقة نحن
نطلي الأشياء بأوهامنا
ونشهر عليها الأسئلة
برؤوس مطفأة ننطح أبوابها،
نطرقها بالقبضتين،
لنعود غير مكترثين بأحد
ما دمنا قادرين على التساؤل
ـ بأعين ماكرة قليلاً
ونظرات زائغة كثيراً ـ
عن قصيدة تفضي إلينا
البراكين والكمائن
العنقاء وأخوها التلاشي
كلهم يحتالون علينا بارتداء الشتاء
مخبئين تحت ثيابهم النار التي تشتهينا
ما الضير؟
فما زلنا نلصق المجهول على راحة الكف
مهربين السر إلى طقس آخر
أثقل السؤال جيوبي

كلما أثقل السؤال جيوبي،
تشاجرت خطاي وأصيبت بعلة الهجر
كلما طرقت اليقينَ بتمائم مسلولة
صقلت أبوابه مفاصلَ أصابعي
فدوماً
ثمة دم مدعوك تحت عجلات مارقة،
ثمة أيام مجففة على حبل الغسيل,
ومقص ضرير يعربد فوق الخـرائط
ولأن الفعل برئ حتى في تكراره*
فلنلملم القشور ونبعثها رسائل للا احد

* تضمين من رينيه شار

حيــاة

أمس،
لاحقتنا المكائد لاهثة
اليوم،
الصدأ يحنط اثر القدم الذي
سيلوح لنا ـ غدا ـ
بكف من غبار


بلاد

كسّر ٍ محكـوم بجدار وحـيد
كطائر منقرض في أسطورة منسية
كطوطم حـي في ذاكرة قبيـلة أبادتها الريـح
كغابـة شاسعة من القلـق

وديعـة كرمـانة،
صاخبة كحـباتها
كنصـب موجة كتمثال بحـر
ضرورية،
مثل رجفة نائمـة في حنجـرة الغريب
مثل ظل يلحـم خطوتين
مثل زوبعة تهزم الـفراغ
مثل فستـان الدمية ،مثـل رأس الخيط
مثل نبيذ بلون الغـروب
مثل حضورك الدائم في مطلع كل قصيدة

أكثر أبهة من الصـدفة
أكثر صلابـة من غـزل يرجـم بألف قلـب ووردة
كنشيد لن يكتمل
كنـافـذة حتميــة في جدار متخيـل
كلـُبّ الوردة كأغنيـة الصيـاد
كحزن بيـادق ميتـة في لعبـة شطرنج
كمسرتها حين تحيى ثانية
كدمعـة هائلة تغرف من بحر فوق الرأس
كطاولات البارات المحجوزة دائما لشخص اسمـه الليــل
ككرنفالة في قلب المـدينـة
أو مآتمـه في زوايا الأمل


مثل أيام غرقـت فـي النهـر
مثل مراكب أنجـبهـا الفيضـان
مثل شـجار مستحيـل بيــن نـهارين
. . . . . عطر قـامـة العدم

مثـل أسماءك التـي تخفــي اسمـك الحقيقـي
بـــلادي

ببليوغرافيا جماعية

الذين واجهوا الاقدار بلغة لا تفضح العتمة ولاتسوِّر الاعماق
أصادفهم ثانية
يهجرون زوارق أكفِّهم
لائذين بالبحار
حيث الاسماك تقتاد قطيع أجسادهم نحو أساطير طازجة
أو
يطلقون طيور أمانيهم في سماء غيرهم
دون أن يدركوا
إن كانوا يمارسون الطيبة
ام يشيَّدون بيوتا للغفلة
ينسابون من صلب الماضي ورحم التداعيات
أغانيهم خافتة
وملامحهم مضاءة بالخوف والأسرار
خلفهم نسوة
بذرن عيونهن في الطرق
فاخضوضرت نظراتهن على الأبواب
بحب صامت، وكيدٍ مؤجل، وزيتٍ مغلي صبغن العتبات
ليتحرقن للعودة ونقيضها.

الذين حالفوا الأقدار ضد أنفسهم
تشتتهم آلامٌ لفرط ما نضجت صارت تشع
ويوحِّدهم إيقاع تائه
بحثاً عنه اغادرهم
منصتا لهلوسات حيرة أزلية

يقلص هامتي

في الرابعة والعشرين من العمر
كما في الرابعة بعد ألفية أخرى
أطعمتُ النجومَ الاعشابَ المخضوضرة تحت قدمي
متوهما أنني عائد الى البيت
مردداً مقولة شاعر أفريقي
أنا الشاهد الوحيد على عودتي للديار.
حينها قلَّص الليلُ هامتي
ووسَّخت الطمأنينة ثيابي
حينها صرخت ماذا في قارورتكِ أيتها البلاد
سوى أخوة عادوا من الحرب نياشين على صدر الفراغ

نهرس نبضات البحر

هكذا أستغنينا عن البيوت بعلبِ الثُقاب
ريثما قبائل متخيلة تمدد غفوتها على أوراقنا
ـ هنا ملمح من سر جفاف اللحظة
وسأم الإصغاء لعثرات الزمن.
هنا سلالم ترشح مدارج معطوبة ـ
هكذا إذن نهرس نبضات البحر
وندع جحيمنا السامق يصرع فراديسهم المحدودبة

ان نهمس
دون أجنحة تحلق المراثي...

هكذا يصهر الليل نوافذنا
بينما أزقة الحنين نحيفة كسواعد الحقيقة
والهزائم مغروزة في راحة الكف

قطيع الكهنة

قطيع الكهنة
سَدَنة الصحراء والمياه الراكدة
يطوفون حول بوابةٍ وهميةٍ في قلب المتاهة
ويلوّثون المرايا بشباكهم
قطيع الكهنة . . .

[email protected]