قالت:
- أنا فرسة جامحة ولن تستطيع أن تلجمني.
قلت:
-هي حيلة بسيطة وينتهي الأمر. ألم أخبرك أن الرجل في الغابة حين أراد أن يمسك بالقرد المهووس، سد عليه كل منافذ الماء، فجال وصال حتى أرهقه العطش، وقف أمام الرجل آخذاً حذره من أن يمسك به. فتح له فتحة في جذع شجرة في حجم قبضة يده، أدخل فيها جوزة هند على مرأى منه ووقف بعيداً. فاندفع القرد، أدخل يده في الفتحة، ممسكـًا جوزة الهند، حاول أن يخرج يده، فلم يستطع، فاقترب الرجل، أمسك به وقد انكمش على تمرده.


*****
في الليل تجردت من خجلها عبر الهاتف، وفى الصباح حين تلاقت عيوننا من بعيد، ترقبت أن تحتضنني، لكنها حين اقتربت نكست رموشها فوق لهفتي.


*****
لماذا قهقهت حين أخبرتها أن الرجل الذي عرفتها من خلاله، أعلن على الملأ أن النساء اللاتي مررن به كلهن لسن أكثر من صناديق لقمامته !


*****
أفرز العنكبوت خيوطه في زاوية الغرفة، ونسى أنني أبكى في نفس المكان من وقت لآخر.


*****
رغم أنه في الثالثة والثلاثين، ورغم أن البنت التي تجلس إليه كل يوم تدلك مشاعره، ورغم وسامته، إلا أنه تلميذ في معاملة النساء، وكلما مررت أمامه أخرُّ ضاحكـًا على ما يفتعله للاشتباك معي، وما زال ينتظر أن أعاركه ولو بالعتاب، غير مدرك أنني أتجاهل تمامـًا من يقف في طريقي حتى يموت غيظـًا أو يتواري خجلاً.


*****
حتى الآن أعطتني ثلاث زهرات وقصتين وحلمـًا يراودها كل مساء، وما زالت تترقب أن ألمس يدها.


*****
-" ألا يكفيك أنها تهرب إليك من نفسها ".
قلت لنفسي وأنا أفكر في لحظات باهتة مرت علينا، ولم أستطع استيعابها، عندئذ رن صوتها في رأسي، فابتسمت وهى تتمدد في دفئي.


*****
قالت:
- الرجل الذي وددت أن أصفعه بالأمس مات اليوم.
قلت:
-هل تذكرين الرجل الذي ظل يضرب صديقتك كجلاد، وحين سنحت
لها الفرصة كي ترد الصفعات احتضنته.
فاستلقت من الضحك وهى تضيف إلي كلمتي الأخيرة، أدوات أخرى


للقتل.
*****
نقرت بأصابعها فوق كفى قائلة:
- هذا ما تصنعه بي عيناك.
وغنت:
" كل السيوف قواطع إن جردت
وحسام لحظك نافذ في غمده
إن شئت تقتلني فأنت محكم
من ذا يحاكم سيداً في عبده ".
لم أقل شيئـًا، غير أنني ابتسمت. فمن ذا يناقش حبـًا في مهده.


*****
بالأمس، أخبرتني أنها اكتشفت ما أخبئه، وأنها تريد قتلى، وخيرتني بين الرصاص والسكين، بعدها اقتربت منى متحفزة.. نظرت في عينيها – زاد ذلك من عزمها - اخترق الرصاص رأسي ولم أمت..
وقفت مندهشة، قربت فمها من وجهي.. فهمست في أذنها قائلاً:
- لن أموت إلا بطريقة واحدة، وهى الموت حبـًا، وليس أمامك إلا أن تجربي.


*****
قالت:
- النيل من تحت قدميَّ بأضوائه الراقصة، وعمود الكهرباء يفرش الفراشات حولي، والقمر في السماء يبتسم مواريـًا خجلي، وأنت بجانبي تضغط يدي في يدك، تنظر لي فتسحرني، كل ذلك في وقت واحد.. ما أجملك..!
فقبلت يدها ومشينا.


*****
- " طاقتك كثيرة على رجل واحد، فلابد أن يتسرب شخص ما إليك ".
قلت لها ذلك وأنا أدرك أنها تسرب إليها رجالاً كثيرين، وتوهم كل منهم بأنه الوحيد، وسرعان ما ينكشف الأمر، فتحيط وجهها بالبراءة.


*****
أخيراً استطاعت أن تدرك أنني في صمت دائم، لأن صخبي يفيض عن حد الاحتمال.


*****
- " أنا ضعيفة إلي أقصى درجة فلا تكسرني ".
" أنا شفافة، بيني وبين الله سر لن تعرفه ".
" أنا ممتلئة بكل المشاعر التي تدخل إليَّ، فلا تهزني حتى لا أتبعثر ".
" لقد تبدل بيَّ الوضع، وأصبحت في موضع امرأة كرهتها دون أن أراها ".
" تلك الأخرى مثلى تمامـًا حينما كنت في سنها وأنت حائر بيني وبينها ".
قالت كل ذلك والدموع تغطى صوتها فجففتُ بللها بين ذراعيَّ قائلاً:
- أحبك يا مجنونة، وما زال عندي أمل.


*****
هربت إليَّ من الكتابة فكتبتها.


*****
حكت لي اليوم عن الرجل الذي يحب امرأتين، ويقول لكل منهما ما يقوله للأخرى، وما يحيرها أن المرأتين صديقتان لها، ولا تدرى هل تخبرهما أم لا.
لم أعلق، فأنا أعرف الرجل، وأعرف أن هناك امرأة ثالثة.


*****
أردت أن أشغل الهاتف حتى لا تتكلم، وقبل أن تلتقطه يدي رن الجرس، رفت السماعة فتحدث شخص ما يطلب شخصـًا آخر لا أعرفه، يسكن الحجرة رقم – 7 -، وضعت السماعة جانبـًا وانشغلت بالقراءة تاركـًا الخط مفتوحـًا.
بعد ساعة دق الباب بعنف، دخل رجل ووقف أمامي.. التقط السماعة وقذفها بعيداً، وهو ينظر إليَّ في غيظ. قال:
- أنا المتحدث، أين الحجرة رقم سبعة ؟!


*****
جلست معي للمرة الأولى، وكنت أفكر شارداً عنها. التقطت الزهور من أمامي وأخذت تقذفها في وجهي بلطف، فتسقط الوريقات فوق كتفي، وهى تسرد حكايات طفولتها.
انتبهت لرائحة الورد، القريبة من أنفى، نظرتُ إلي كتفي وضحكت قائلاً:
- هل تعاكسينني ؟!


*****
مشينا بين جذور الأشجار العالية، والفروع المتدلية بدون تقليم، فاجأتني:
- ما أجمل الطبيعة بوحشيتها !
- تريدين أن أمسك يدك ؟
- لا.
-أشبك أصابعي في أصابعك ؟
- لا.
-أقبلك ؟
- لا.
وبعد كل – لا – كانت تهز رأسها بالإيجاب، فتعلقت بذراعي وهى دائخة.


*****
روحها المرحة تجرني إلي الضحك، حتى حين أطلب رقمها ولا ترد، أجدنى غارقـًا في الضحك بشكل منعش.


*****
شبهتها بالشمس فتدللت وغامت في الكسوف.


*****
تلك الأخرى رميتها بالحذاء في وجهها غير آسف على فعلتي. فأسوء شئ في العالم – هو أن تحب امرأة تشبهك – وبمجرد أن تغفل عنها، تكتشف أنها أصبحت مشاعـًا للجميع.
*****

محمد العشرى
[email protected]
http://ashrynovels.siteatnet.com