سلطان القحطاني من الرياض: رد وزير النفط السعودي الأسبق أحمد زكي يماني على منتقديه الكُثر بخصوص مقالة كتبها في صحيفة سعودية عن زيارة ماضية للبابا الفاتيكان تطرق خلالها إلى فرضية أن جزءاً من الآيات القرآنية لم يصل نتيجة تغافل كتاب الوحي من بني أمية .

واحتج مناهضو اليماني ،الوزير والفقيه، بأنه يقصد بمقالته تلك أن القرآن الكريم بصيغته الحالية كتاب منقوص ، وهو مارفضه يماني في حوار توضيحي نشرته صحيفة محلية يوم أمس الجمعة قال فيه إن من يقول بأن القرآن الذي بين أيدينا ناقص فقد كفر .

ومضى في قوله لصحيفة المدينة السعودية التي انطلقت منها الشرارة الأولى للجدل :" من قال بأن المصحف الذي بين أيدينا ناقص لا يشمل جميع ما نزل من الآيات على رسوله صلى الله عليه وسلم فقد كفر بقوله تعالى (إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون). وبالنسبة لبعض الكتـّاب الذين تقوّلوا عليّ بما لم أقله فأَكِلُ أمرهم إلى الله، فقد يكون منهم سيئو النية، تبعهم بعض حسني النية ممن لم يقرأوا ما كتبت في مقالتي عن زيارة الفاتيكان، ودفعتهم غيرتهم على كتاب الله إلى كتابة ما نشر دون معرفة الحقيقة والله يغفر لهم".

وزاد مُسهباً في توضيحه : "لقد كان عليه الصلاة والسلام كلما نزلت عليه آيات أمر بكتابتها وكان يعرض على جبريل مرة في كل سنة ما كتب من الوحي في تلك السنة وعرضه عليه مرتين سنة موته وهكذا جمع القرآن كله في حياته عليه السلام في صحف وأوراق أي أنه كان في صحف لا في مصحف، ولما استحرّ القتل بالقرّاء يوم اليمامة، وفزع عمر بن الخطاب خشية أن يذهب القرآن بموت القرّاء، فكان جَمْعه في عهد الصديق. ويعرف من درس تاريخ القرآن اختلاف القراءات ، وذلك لا بأس به ، فقد قال عليه الصلاة والسلام ، ما معناه أن القرآن نزل بسبعة أحرف فاقرأوا ما تيسر منه. ثم جمعت المصاحف في عهد عثمان رضي الله عنه في مصحف واحد وكان ذلك بلغة قريش بعد أن كان العرب يقرأونه بلهجات مختلفة، وقد جمع من صدور الرجال بشهادة شاهدين. ومن شقف مخطوطة أمر عثمان بن عفان بجمعها وإحراقها. فإذا ادعى القائمون على مكتبة الفاتيكان الخاصة أن القطع الجلدية التي وصلتهم من الأندلس (وعمرها يقارب العهد النبوي) هي من القطع التي احتفظ بها أصحابها ولم يسلموها لحرقها فليس في ذلك حرج يسبب الضجة المفتعلة لأنها آيات موجودة كلها دون استثناء في كتاب الله الذي بين أيدينا وإن كانت بدون تنقيط فذلك يؤيد ما قالـوه لأن تنقيط القرآن لم يتم إلاّ في العهد الأموي. كل هذه أمور يعلمها من نوّر الله بصيرته ودرس كتابة المصحف وهناك الكثير من التفصيل الذي لا أريد التطرق إليه حتى لا يدفع الوهم أحداً فيجد في ذلك وسيلة لهجوم مفتعل، ولعل كتاب المصاحف للإمام أبي بكر السجستاني المتوفى سنة 316 هجرية من خير ما يمكن الرجوع إليه".

وأسهمت المقالة الزوبعة في هجمة ارتدادية عنيفة قادها مناوئوا اليماني ضده على كافة الأصعدة ، آخرهم كان الصحافي العريق عبدالله خياط الذي اتهمه في حديث لـإيلاف نُشر سابقاً بأن له مقاصد أخرى فيما كتبه .
ويرى متابعون لتفاصيل الزوبعة منذ بدايتها بأن ماكتبه اليماني قد فُهم بطريقة خاطئة لما كان يقصده أثناء كتابتها ، كما أن ردود الفعل ضد الوزير البراغماتي الفذ كانت انفعالية أكثر من كونها عقلانية .

وكان يماني قد أثار زوبعة دينية، وجدلًا تصاعدت حدته في الأيام الماضية إثر المقالة التي نُشرت له في صحيفة سعودية تحدث فيها عن زيارته لبابا الفاتيكان، وتطرق خلالها إلى فرضية أن جزءًا من الآيات القرآنية لم يصل نتيجة تغافل كتاب الوحي من بني أميّة.

واتكأ يماني في مقالته تلك على مشاهدة خاصة له أثناء تواجده في المكتبة الخاصة للفاتيكان في ثمانينات القرن الفائت، حيث شاهد قطعًا من الجلد "كُتب عليها آيات من القرآن بحروف غير مُنقَّطة وقيل إنه أجريت دراسات علمية لمعرفة عُمْرِ الجِلْد الذي كتبت عليه الآيات فتجاوز عمره مائتين وخمسين وألف سنة ميلادية وهذا ما قادهم إلى افتراض أن بعض كُتَّاب الوحي من بني أمية لم يسلِّموا ما لديهم أو بعضه من آيات القرآن الحكيم عندما جُمع المصحف في عهد الصديق - رضي الله عنه - وأتلفت جميع الآيات المتفرقة التي نزلت منجمة، وأنه عندما زالت دولة الأمويين في الشام وهرب عبدالرحمن الداخل إلى الأندلس حيث أقام دولة الأمويين استطاع فيما بعد نقل الذخائر ومنها تلك القطع التي كتبت عليها آيات من القرآن أثناء نزول الوحي على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهذا الافتراض مع كل قرائنه يقرب من الصحة"، على حد تعبيره.

واسترعت إنتباهه أثناء تجوله في مكتبة الفاتيكان مخطوطة واحدة :"كانت المخطوطة في حال يرثى لها فقدت الصفحات الأولى منها، ولكن آخر صفحة بها تذكر أن مؤلفها قد أكمل كتابتها في المائة الثانية من الهجـرة. وتنقسم المخطوطة إلى ثلاثة فصول، الأول في فقه العبادات كالطهارة والصلاة، ولم تكن المذاهب الفقهية الأربعة قد ظهرت، والقسم الثاني يتعلق بعلم الفلك ودورة الشمس والقمر وكان ذلك القسم يدل على اهتمام العرب والمسلمين بذلك العلم دون التوصل آنذاك إلى مرتبة الإجادة والتعمق، والقسم الثالث يبحث في شد أوتار الآلات الموسيقية. وحمدت الله أن المخطوطة غير معروفة عندنا ومؤلفهـا مجهول لتلف الصفحة الأولى التي تحوي اسم المؤلف عادة، حتى لا تنطلق بعض الأصوات تصب على رأس المؤلف اللعنة، فعلوم الفلك غير معترف بها الآن رغم أنها وصلت مرحلة الدقة المتناهية وبلغت حد العلم القطعي، وذلك ما نسميه علم الفضاء. والطامة الكبرى أن المؤلف يبحث في شد الأوتار لآلات الموسيقى وهي كما يقول ذلك البعض محرّمة قطعًا وبالاجماع. ولن يغفر لذلك المؤلف المجهول أنه كان فقيهًا متمكنًا يذكر الأحكام بأدلتها من الكتاب والسنة فجريمته في التصدي لعلم الفلك وللموسيقى من الجرائم التي لا تغتفر".

وحاول مناهضون لما كتبه يماني في صحيفة المدينة السعودية حول القرآن إلى التذكير بالتذبذب في التوقعات التحليلية لأسعار النفط، التي ثبت فيها بُعد آرائه عن جادة الصواب، إذ إنه كلما أكد أن أسعار المعروضات النفطية مقبلة على إرتفاع مطرّد،فإنها تهبط إلى مقاييس متدنية، وكذلك العكس.

ولم تمض سوى أيام حتى انبرى الكاتب السعودي عبدالله عمر خيّاط للغمز من قناة زيارة يماني للفاتيكان في تشكيك ضمني لم يُفصح عنه، قائلًا: "أنا لا أريد ان ادحض او أُفند مرويات الشيخ اليماني فيما ذكره عن لقائه بالبابا وما دار بينهما من حديث بشأن التمر.. ثم مجيء أحد الكرادلة لمعاليه في اليوم التالي ليخبره ان الحبر الأعظم ارسله ليشعره انه وجد الأساس الديني لأكل التمر كما أخبره بذلك الشيخ اليماني، بينما المعروف لدى العامة والخاصة ان رجال الكنيسة ناهيك عن الحبر الأعظم والكرادالة يحفظون القرآن الكريم عن ظهر قلب بل ويعرفون حق المعرفة كل ما قيل في تفسيره ومدلولاته. فكيف يستغفلنا الشيخ اليماني لنصدقه بأن البابا وهو الحبر الأعظم قد كان يجهل سر التمر الذي أكلته السيدة مريم من بعدما هزّت النخلة فتساقط عليها رطبًا جنيًا".

ويتساءل خياط في مقال نشرته صحيفة عكاظ السعودية :" أي صحة هذه التي لا صحة لها، وكل كتب الصحاح تؤكد اكتمال القرآن الكريم. يؤيد ذلك ما جاء في محكم التنزيل من قول رب العزة والجلال: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}".

ولحق به مؤيدًا عضو مجلس الشورى السعودي حمد القاضي الذي عنون مقالة مناهضة ب"إلا القرآن ياسيد يماني "، وصف فيها حالته عندما قرأ مانُقل عن يماني في صحيفة سعودية: "لم أصدق عينيّ بل ظننت أن عليهما غشاوة وأنا أقرأ فرية السيد أحمد زكي يماني على قرآننا العظيم عندما رماه بالنقص وعدم الاكتمال، تعالى كلام الله عما يقول ويزعمه.
لقد قرأت نص ما كتبه في رد وتفنيد الأستاذ الكاتب الغيور عبد الله عمر خياط في (فجره) المشرق عندما كتب السبت الماضي في صحيفة (عكاظ) مفندًا ما رمى به أ. يماني القرآن الكريم من تهمة النقص، وعدم الاكتمال!!.".
ويقول القاضي: "كيف لواحد منا أن يتصور أن رجلًا من بلاد الحرمين الشريفين يرمي هذا الإفك العظيم وهو في متنزل الوحي ولا يبلغ الألم ما يبلغ في نفسه ووجدانه..لا ندري ما الذي يرمي إليه السيد أحمد زكي يماني بمثل هذه الفرية على القرآن العظيم التي نقلها وأيدها ولكن حسبنا أن من نزَّل القرآن هو حافظُه من النقص والعبث والضياع. هل يريد مزيدًا من الأضواء بعد أن انحسرت عنه الأضواء؟ ولكن بئست أضواء تأتي على حساب رمي كتاب الله بهذا الزعم؟".

وفي جزء من مقالته يروي يماني قصته مع الفاتيكان: "نظرًا لولعي الشديد بالمخطوطات الإسلامية بلغاتها المختلفة، ومعظمها بالعربية، فقد شددت الرحال إلى روما لزيارة مكتبة الفاتيكان التي تحتوي على تلك الذخائر الفريدة والنادرة. والمكتبة المذكورة تنقسم لثلاثة أقسام، العامة التي يرتادها من أراد، والخاصة وهي التي تحتوي على تلك المخطوطات ويرتادها الخاصة من المهتمين أو الباحثين، وقسم ثالث يسمونه كنوز الفاتيكان يحتوي على أكثر الوثائق ندرة وأهمية ولا تفتح أبوابه إلاّ لمن حظي بإذن خاص من أعلى المراجع وحصلت على ذلك الأذن وعلى زيارة خاصة للبابا في مكتبه، واستمرت الزيارة ساعة وخمسا وعشرين دقيقة، كما قالت إحدى الصحف الإيطالية، اكتشفت فيها عمق إلمام الرجل بأحوال العالم ومشكلاته، ومعرفته مثلًا بأعداد العمالة الكاثوليك بالمملكة وأغلبهم من الفلبين. ولست في مقالي هذا راغبًا في ذكر ما جرى خلال تلك المقابلة ولكن ما جرى بنهايتها يستحق الذكر لطرافته، ولا أجد غضاضة في ذكره. لقد أحضرت معي لتلك الزيارة شيئًا من الهدايا كان التمر أهمها إذ كان عيد ميلاد المسيح عليه السلام ليس ببيعد.وقد أخبروا البابا أني أحضرت له بعض الهدايا، وهي موجودة خارج المكتب، فخرج معي حيث كانت الهدايا، مجاملة منه وامتنانًا، وقلت له اني أحضرت التمر لأني أعلم أن من عادات المسيحيين أكل التمر يوم الميلاد، فأجاب نعم كلنا نفعل ذلك، فسألته ما هو الأساس الديني لتلك العادة ؟ فنفى أن يكون لتلك العادة أي أساس ديني. فقلت له الأساس لدينا نحن المسلمين، في كتاب الله. وقرأت له آية '' فأجأها المخاض إلى جذع النخلة '' إلى آخر الآية - مترجمًا معانيها، وأن الرطب الجني الذي أكَلتْهُ مريم العذراء صاحَبَ الولادة، فإذا البابا وقد بدا عليه الامتعاض، آثر السكوت، فأردفت، وما دام الأمر كذلك فإن الخامس والعشرين من ديسمبر وقت يتعذر فيه وجود رطب جني في أرض فلسطين، شديدة البرودة ذلك الوقت من السنة،فأجاب باقتضاب، تاريخ الولادة اتخذناه في روما دون تحقق، وهو لذلك رمزي غير دقيق، وتركت البابا شاكرًا حسن استقباله".

ويمضي يماني ساردًا: "في صباح اليوم التالي أتى إلى الفندق الذي أقمت فيه أحد كبار الكرادلة مرسلًا من البابا، واجتاحت الفندق موجة من الاهتمام لقدومه، ولما واجهته أخبرني أن الحبر الأعظم أرسله ليشعرني أنه وجد الأساس الديني لأكل التمر، فأجبته مظهرًا الفرح والسرور، أنا وجدنا أمرًا يشترك فيه المسلمون مع المسيحيين".

وتولّى أحمد زكي يماني وزارة البترول السعودية منذ عام 1962م إلى أن أعفي من منصبه عام 1986م، وساهم في تأسيس منظمتي: أوبك وأوابك، في الوقت الذي أصبح فيه سكرتيرًا عامًا للدول العربية المصدرة للنفط.