بعد مخاض عنيفوسياسة خارجية براغماتية
الصين: من مجتمع زراعي بائس إلى قوة اقتصادية مهابة


إقرأ أيضا

ايلاف تكشف الخفايا النفطية بين الرياض وبكين:
تعاون وتوقيع اتفاقيات بين البلدين (1/2)

تفعيل دور أرامكو وساينوباك في مجالي النفط والغاز (2/2)

نظيره في بكين حدثه عن عدم إلزامية الصيننة:
الوزير القصيبي وقع اتفاقية ثنائية ونُقل للمستشفى

نمو كبير لأسواق الخليج و السعودية في المقدمة

د.عبدالله المدني*: ما كان وقت تأسيس جمهورية الصين الشعبية في عام 1949 مجتمعا زراعيا بائسا، تنتشر فيه الأمية والمجاعة والبطالة ويفتقر إلى الخدمات التعليمية والصحية والسكنية الكافية، و يحميه جيش من الحفاة و الجياع المتمترسين خلف أسلحة تقليدية قديمة، تحول اليوم إلى مجتمع ديناميكي حديث يموج بحراك اقتصادي باعث على الدهشة، و اقتصاد يحقق معدلات نمو غير مسبوقة في التاريخ، و دولة يتردد اسمها في المحافل الدولية كقوة عالمية مهابة، و بلد يسعى الجميع إلى كسب وده وشراكته، وجيش يملك قدرات نووية رادعة، وتجارة تغزو الأسواق العالمية بمختلف السلع و الخدمات.

لم يكن هذا التحول بطبيعة الحال سهلا أو خاليا من المخاضات العنيفة. ففي مسيرة التحول من حال إلى حال كانت هناك فترات سوداء اتسمت بالقمع و البطش و الإكراه و الاستخفاف بآدمية الإنسان، ولا سيما أثناء حقبتي quot;الوثبة الكبرى إلى الأمامquot; وquot;الثورة الثقافيةquot; في عهد الزعيم المؤسس ماو تسي تونغ. إلا أن ما يهمنا هو أن القيادة الصينية استدركت في نهاية المطاف أخطاءها، وبدأت منذ أوائل الثمانينات نهجا جديدا يستند إلى القليل جدا من الشعارات و التنظيرات الفارغة والكثير جدا من العمل الجاد الصامت و السياسات الخارجية البراغماتية.

ويكفي المرء الإطلاع على المؤشرات و الأرقام الخاصة بهذا العملاق لعام 2004، ليقتنع بصواب وفاعلية ذلك النهج. فالصين اليوم، بعيدا عن قوتها العسكرية التقليدية و النووية، و ثقلها الجغرافي و السكاني، تحقق معدلات نمو تتراوح ما بين 9-10 بالمئة، أي أكثر بكثير من معدلات نمو سائر الاقتصاديات الكبرى. و هي اليوم في منزلة أفضل من العديد من دول مجموعة الكبار المعروفة باسم quot;جي 8quot; مثل روسيا و كندا و فرنسا و ايطاليا لجهة إجمالي الناتج المحلي (7.3 تريليون دولار) أو لجهة احتياطيات النقد الأجنبي (610 بليون دولار) أو لجهة معدل نمو القطاع الصناعي (17 بالمئة سنويا) أو لجهة حجم الدين الخارجي (233 بليون دولار).

لكن دعك من كل هذا و أمعن النظر في الحقائق السريعة التالية:
تعتبر الصين اليوم رابع أكبر دول العالم في حجم المبادلات التجارية، و ثاني اكبر مستورد للنفط، وثالث اكبر سوق للمركبات على مستوى العالم. و هي إضافة إلى ذلك ثاني اكبر مالك لاحتياطيات النقد الأجنبي إلى جانب اليابان. و من ناحية أخرى، يفوق إنتاجها من الصلب إنتاج دول الاتحاد الأوروبي مجتمعة بعشرين مرة، و تستهلك من الاسمنت ما مقداره 40 بالمئة من إجمالي إنتاج العالم، بمعنى انه من بين كل عشرة أكياس من الاسمنت ينتج في المعمورة تذهب أربعة أكياس إلى الصين وحدها. و لجهة جذب الاستثمارات الخارجية، لا تتفوق عليها سوى الولايات المتحدة.

وهكذا، فان الكثيرين يتوقعون بأنه لن يكتمل العقد الحالي إلا و الصين تحتل موقع ألمانيا الراهن كثالث اكبر اقتصاديات العالم بعد الولايات المتحدة و اليابان، بل هناك من يتوقع أن تتفوق الصين على الولايات المتحدة في العديد من مجالات القوة الحيوية بانتصاف القرن الحالي.

* باحث و محاضر أكاديمي في الشأن الآسيوي