الحوار مقطوع وشبح الحرب يكشر عن انيابه
نصر وهزيمة يتنازعان اللبنانيين

بلال خبيز، بيروت: تشيع الدوائر القريبة من رئيس المجلس النيابي اللبناني نبيه بري، ان الرئيس بري يستعد لإعلان مبادرة من نوع ما، تخفف حال الاحتقان السائدة في لبنان، إثر مطالبة السيد حسن نصرالله في احتفال النصر الإلهي يوم 22 ايلول ndash; سبتمبر الماضي بتشكيل حكومة وحدة وطنية يتمثل فيها حلفاء حزب الله في التيار الوطني الحر بزعامة ميشال عون وتيار المردة الذي يتزعمه الوزير السابق المقرب من القيادة السورية سليمان فرنجية.

هذا الطلب الذي ما لبث ان قوبل بردود متشنجة من قائد القوات اللبنانية الدكتور سمير جعجع ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي النائب والوزير السابق وليد جنبلاط، فضلاُ عن هجوم غير مسبوق فتح فيه رئيس اكبر الكتل النيابية في لبنان الشيخ سعد الحريري النار على حزب الله ورفض مطالبه جملة وتفصيلاً. بل ووصل به الأمر إلى اتهام السيد نصرالله بالتحضير لانقلاب وفتنة داخليتين، حين المح إلى شائعات تدور في البلد تفيد ان قلاقل كثيرة سيعمد انصار حزب الله وحلفاؤهم من الموالين للقيادة السورية إلى افتعالها تدفع قادة فريق 14 آذار ndash; مارس إلى الهرب من البلد. وكانت صحف عربية قد نقلت سيناريوهات من هذا القبيل تفيد ان خطة سورية لقلب الأوضاع في لبنان رأساً على عقب يجري تحضيرها والعمل على تنفيذها على ان يتم استكمال فصولها بعد عطلة عيد الفطر.

لم تكذّب مياه حزب الله وحلفاؤه الغطاس السوري. إذ بادر الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإعلان في حديث صحافي اجرته معه جريدة ال باييس الاسبانية عن استحالة ضبط تهريب السلاح إلى حزب الله في لبنان عبر الأراضي السورية، ورأى فيه ان الدولة القوية والتي تحوز اجماع اللبنانيين هي الدولة الوحيدة المخولة نزع سلاح هذا الحزب. وحيث ان الدولة اللبنانية والسلطة المنبثقة منها لا تحظى بهذا الإجماع فإن الحديث عن نزع سلاح حزب الله ليس اكثر من تجديف لا طائل منه.

كان السيد حسن نصرالله في خطابه الأخير الذي ظهر فيه على الملأ بحماية من القوات الجوية الفرنسية، قد اعلن ان حزب الله ليس تابعاً لسورية ولا لإيران لكنه يعتز بالتحالف مع سورية الأسد وايران السيد خامنئي، وانه يعيب على فريق 14 آذار ndash; مارس علاقاته المشبوهة مع الولايات المتحدة الاميركية ومع بريطانيا ويدعي ان هذا الفريق قطع وعوداً للإدارة الاميركية ويريد تنفيذها، تقع كلها في مصلحة اسرائيل.

لكن التطابق الحرفي بين مطالب الرئيس بشار الأسد والإعلان الإيراني عن ضرورة قيام حكومة وحدة وطنية في لبنان ومطالب حزب الله لا تخفى على احد، والتي قد تكون طبيعية إذا ما نظرنا إلى عمق التحالف بين الأطراف الثلاثة. يشدد السيد حسن نصرالله على كون سلاح حزب الله لن يستعمل في الداخل اللبناني، وانه لن يكون فتيل الحرب الأهلية المقبلة. لكن مطالبه من الشركاء اللبنانيين الآخرين التي قوبلت برفض قاطع، جعلت كل سبل المناقشة مقطوعة بين اللبنانيين، ووضعت قدر تجدد الحرب الأهلية على نار حامية، لن يكون سلاح حزب الله بمنأى عنها في طبيعة الحال.

يدرك قادة حزب الله ان النفخ في طاحونة التوتير الأهلي وتعميق الهوة بين اللبنانيين لا بد وان تكون له نتائج وخيمة على مستقبل البلد عموماًً. وهذا ما يدركه القادة في الضفة المقابلة، لكن اي طرف من الأطراف لا يرى سبباً للتنازل في هذه اللحظة بالذات، ذلك ان الخلاف اللبناني ndash; اللبناني على معنى النصر والهزيمة يجعل كل مناقشة في تحقيق نوع من التواصل بين اللبنانيين عقيمة ولا تجدي نفعاً. وإذ يرفض حزب الله مناقشة الحرب الأخيرة بوصفها نصرا بمعنى ما وهزيمة بمعنى آخر، فإنه يقطع الطريق على اي تعايش ممكن بين اللبنانيين، والامر نفسه ينطبق على الفريق الآخر حين يرفض احتمالات النصر الذي يدعيه حزب الله، ويجاهر بالهزيمة التي عنوانها الخسائر الكبيرة التي لحقت بالبلد ومستقبله.

والحال يجد اللبنانيون انفسهم بين منطقين لا قاسم مشترك بينهما، وكلا المنطقين يريد تثمير انجازاته واخفاقاته في الداخل اللبناني، مما يكسو شبح الحرب الاهلية لحماً ودماً وعظاماً قاسية، ويسلحه بأنياب قاطعة واظافر طويلة، ولو قيض لهذا الشبح ان يتسيد على مستقبل لبنان القريب فإنه يستطيع من دون شك ان يهدر اي انتصار مهما كان كبيراً واستراتيجياً وإلهياً.

في كونشيرتو الصم الذي يسمع اللبنانيون ايقاعاته اليوم، يبدو كرسي الاعتدال مقفراً ومن غير شاغل ناطق، من البطريرك الماروني إلى الرئيس فؤاد السنيورة وصولاً إلى الرئيس نبيه بري الذي يدرك ان الحمل الذي ينوء به كاهله اليوم اثقل من اي وقت مضى. وحين يكون السامعون صماً فإن الفصاحة، حتى لو كانت من مرتبة فصاحة الرئيس بري، تصبح بلا جدوى. ثمة في لبنان من لا يلحن في قوله لكننا نفتش على من يسمع فنجد الميدان خالياً والأرض قفراً.