زيارة بري للسعودية تخفّفالتشنجات الداخلية اللبنانية
اتفاق الطائف على حاله مع تعديل الرعاية الخارجية

ماذا تكون عيدية لبنان بعد هدنةرمضان

بلال خبيز، بيروت: لا يرى قادة المملكة العربية السعودية سبباً لتعديل اتفاق الطائف على ما جاء في الصحف في اليومين الماضيين، وبحسب ما اعلنت اوساط الرئيس نبيه بري واشاعت في لبنان. وكانت زيارة الرئيس بري إلى الممكلة العربية السعودية والنتائج الأولية التي اسفرت عنها قد خففت من حال التشنج الحاد بين اطراف المعادلة اللبنانية. ذلك التشنج الذي جعل شبح تجدد الحرب الأهلية يكتسي لحماً ودماً ويطرق ابواب جميع اللبنانيين في الاسابيع القليلة الماضية. لكن حال الانفراج التي اشاعتها عودة الرئيس بري من زيارته إلى المملكة العربية السعودية لم تصبح حالاً راسخة بعد، وإن كانت نتائج الزيارة قد اعادت الرشد إلى بعض اللبنانيين الذين اخذتهم حمى الانقسام الطائفي وجعلتهم يستسهلون ركوب مركب الحرب الأهلية الخشن. جل ما تحقق ان شبح الاحتكام إلى السلاح قد ابتعد قليلاً عن شوارع بيروت والمناطق.

نبيه بري خلال لقاءه مع الملك عبدالله في مدينة جدة في التاسع من الجاري

لكن المواقف ما زالت على حالها في معنى من المعاني، فما زال حزب الله يصر على تشكيل حكومة وحدة وطنية وما زالت قوى 14 آذار ndash; مارس ترى في هذا المطلب تعطيلاً فعلياً لعمل السلطات جميعاً، وتجديد حال مقنعة من السيطرة السورية غير المباشرة على مقاليد الحكم في لبنان. فحين يكون موقع رئاسة الجمهورية معطلاً ومعطلاً، بفتح الطاء وكسرها على التوالي، ومرتبطاً على نحو لا شك فيه بالسياسة السورية ومطالبها في لبنان، فإن تشكيل حكومة ما بات يسمى بالثلث المعطل يهدد بتعطيل العمل الحكومي ايضاً ويجعل من عناصر القوة السورية في الحكم اللبناني اصعب من ان تفك عراها.

لكن هذه التعقيدات الداخلية على المستوى المحلي والعجز اللبناني الذي بات واضحاً لكل عين عن امكانية التوصل إلى تسوية لبنانية ndash; لبنانية من دون رعايات خارجية، لا يزن في ميزان التوقعات اللبنانية إلا في حال وحيدة، هي حال الاحتكام للشارع والفوضى الداخلية، والتي تجد حكماً من يرعاها خارجياً لدى كلا الطرفين. لهذا تكتسب تحركات الرئيس نبيه بري، الهادفة إلى عقد تسوية ما بين اللبنانيين تجنبهم الدخول في مغامرات حربية لا طائل تحتها، قوتها وزخمها من خوف لبناني مقيم من تجدد الحرب وويلاتها.

على الرغم من ان هذا الخوف العميق عند اللبنانيين، لا يجعل اي فريق من الفرقاء المتنازعة مستعداً للتنازل عما يراه مصالحه الحيوية والأساسية في ترتيب البيت اللبناني الداخلي. هذه الحركة المبشرة التي يقوم بها الرئيس بري تقع حكماً في موقع التعارض العميق مع اتجاهين سياسيين داخليين وخارجيين: اتجاه اسرائيلي مرعي اميركياً إلى هذا الحد او ذاك، لا يتورع عن مقارعة المعترضين على سياساته العامة بالسلاح والحديد والنار، واتجاه سوري ndash; ايراني يرى الرأي نفسه ويسلك المسلك اياه.

وبصرف النظر عن طبيعة المشروعين الخارجيين على الساحة اللبنانية ومبلغ خطورة كل منهما على المنطقة برمتها، إلا ان نتائج الاحتكام إلى اي جهة من الجهتبن تبدو في المدى اللبناني كارثية بامتياز. وحين يكون مسعى الرئيس بري يقع في موقع التوسط بين الفئات اللبنانية المتعارضة فإنه حكماً يقع في التعارض مع هذين المشروعين. لكن هذا التعارص لا يجعله يرى في معاداة سورية مصلحة لبنانية مثلما انه لا يرى الدعوة إلى القطيعة مع الولايات المتحدة الاميركية من حسن الفطن. والأرجح ان مثل هذا الدور الذي نذر الرئيس بري نفسه لأدائه يتقاطع مع ادوار خارجية اخرى ترى في استقرار لبنان مصلحة اكيدة لها وللعالم العربي عموماً، وهو عين ما تطمح إليه المملكة العربية السعودية على المستوى اللبناني.

يصرح المسؤولون في المملكة ان لا ضرورة لتعديل اتفاق الطائف، والأرجح ان المقصود بالتعديل هو ما يتعلق بالمعادلات الداخلية اللبنانية، لكن تعديلاً اساسياً طرأ على هذا الاتفاق المنشود يتعلق اولاً واساساً بالراعي العربي والاممي للوضع اللبناني. حيث تحل المملكة العربية السعودية راعياً اساسياً من رعاة الصيغة الجديدة من هذا الاتفاق، وتستبدل الرعاية الأميركية برعاية اوروبية قد يكون مثلها الأبرز تزامن زيارة رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي إلى بيروت وإعلانه عن دعم لبنان بشتى الوسائل والسبل مع عودة الرئيس بري من زيارة المملكة العربية السعودية وتبشيره اللبنانيين ان ضوءاً ما يتبدى له في نهاية النفق المظلم الذي ادخلتهم فيه الانقسامات المحلية وتضارب المصالح الخارجية على حساب لبنان وامنه واستقراره.

زيارة الرئيس بري للمملكة العربية السعودية في هذا الظرف الدقيق الذي يمر به لبنان والنتائج التي اسفرت عنها، لا بد وانها تؤرخ إلى بداية نهاية الرعاية السورية لاتفاق الطائف وما تلاه من سنوات وإلى نوع من التمايز عن المشاريع الاميركية في المنطقة ترعاه المملكة العربية السعودية ويدعمها في توجهها حشد من الدول الأوروبية لم يسبق له مثيل في تاريخ لبنان.