التوتير يسابق جهود التهدئة
الحرب التي حصد اللبنانيون ويلاتها قبل أن تبدأ

رحيل زاهي البستاني

الحرب الماضية أفقدت الفطر معناه الحقيقي
لبنانيون يستقبلون العيد بأمنيات أمنية وسياسية

بلال خبيز من بيروت: ما زال السباق قائماً بين محاولات التهدئة اللبنانية التي يقودها الرئيس نبيه بري، والتصعيد الذي يشكل حزب الله حصان سباقه الرابح. وفي اليومين الأخيرين اخذت لهجة قادة حزب الله تنحو اكثر فأكثر نحو مزيد من التصعيد إلى حد انهم أعلنوا ما يشبه الرفض القاطع لأي تسوية، ووضعوا اللبنانيين امام خيارين لا ثالث لهما: اما الاستجابة لمطلبهم الداعي إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية وإما الاحتكام إلى الشارع.

وبهذا التصعيد الذي ختم به قادة حزب الله آخر ايام رمضان المبارك، وصلت الحال في لبنان إلى الحد الذي لا مجال بعده لأي تصعيد لغوي، والأيام القليلة المقبلة ستحدد إذا كان هذا التصعيد اللغوي سيتجاوز حدود التصريحات النارية ام انه سيتحول إلى تصعيد على الأرض وفي الشارع. مصادر الرئيس بري لا ترى ان الامور وصلت إلى التصعيد الذي لا عودة عنه. ويرى هؤلاء ان قوة دعوة الرئيس بري تتحصل من توازن القوى بين الأطراف المتخاصمة ومن تجربة الحرب الأهلية التي لا يريد اللبنانيون تكرارها.

وهذان سببان وجيهان يمكن لأي سياسي محنك الاعتماد عليهما حين يريد ان يطلق مبادرة لتقريب وجهات النظر ومنع الانفجار. لكن الأمور لا تقاس بحجم الاختراقات الامنية وبقدرة قوى الأمن على ضبط الشارع وبجدوى كاميرات المراقبة التي نشرت في وسط بيروت وإمكان تعميمها على معظم مناطق بيروت إذا أثبتت جدواها. إذ ان التهديد بالتصعيد ووصول الأمور إلى هذه الدرجة من الاحتقان أمران لا يمران في البلد مروراً عابراً من دون أن يتركا اثاراً بالغة على مستقبله وقدرة اللبنانيين على العيش فيه. وليس في هذا الحكم تهويل من اي نوع، إذ يندر ان يتحدث شخصان بالغان اليوم في لبنان في موضوع غير سبل الهجرة الأنسب والطريقة الاجدى والاسرع لبيع كل ما يملكه المرء والمغادرة من البلد إلى غير رجعة.

وهذا امر اكثر من طبيعي في بلد كلبنان، إذ ليس كل الذين يعيشون في هذا البلد مقاتلين مدربين ومتفرغين للقتال وثمة من يمول مرابطتهم على الثغور الداخلية والخارجية على حد سواء. فالبلد، مثله مثل اي بلد، يضم مهندسين وعمال واطباء وتجار ولا شك ان اعمال هؤلاء تتأثر تأثراً بالغاً بالأحوال السياسية وبقدرة السلطات المحلية على بث روح الطمأنينة في نفوسهم. وفي وقت لا تبدو السلطة الممثلة لسلطة الدولة قادرة على ضبط تداعيات هذه التهديدات او على الحد من آثارها، يصبح المواطن العادي والأعزل بلا سند من اي نوع، فلا يرى امامه مفراً من الهجرة من البلد إلى بلد اكثر امناً. وإذا اضفنا إلى هذا التوتر الراهن تاريخاً من الهجرات اللبنانية متسعاً وشاملاً وسهل التناول، يصبح البلد مهدداً بمغادرة كل سكانه القادرين على العمل والانتاج. الامر الذي يعني ان استطالة هذه الحال التي يعيشها البلد ودوامها تهدده في بنية سكانه ونوعيتها، فلا يبقى فيه بعد دوام هذه الحال إلا من تقطعت به السبل، او من حمله ايمانه العميق على التضحية بكل غال ونفيس في سبيل الإقامة في البلد.

في إمكان اي مراقب التقرير، اليوم، ان التوتير الذي اعقب الحرب الاخيرة على لبنان معطوفاً على اهوال تلك الحرب اتى أُكله اليانع سريعاً. وان لبنان الذي خسر في الحرب، من مستقبله وحاضره وماضيه، ما لا يعوض بسهولة ما زال يخسر من كينونته وطناً لكافة ابنائه كل يوم مع دوام التوتير واستعداد الحشود المتناحرة المتبادل لاستئناف حرب اهلية من حيث انتهت، او ربما لم تنته. قد لا تكون الحرب الاهلية التي يتخوف منها اللبنانيون حرباً مسلحة بالحديد والنار، لكن الفصل بين المناطق والطوائف ما زال قائماً في لبنان، وخطوط التماس ما زالت على حالها، ويكفي ان تنقطع المناطق عن بعضها بعضاً ليعاني البلد برمته من احكام الحرب الأهلية الجائرة من دون ان تدور هذه الحرب بالحديد والنار.

في مثل هذه الأحوال التي يعيشها لبنان، وحتى لو تشكلت حكومة وحدة وطنية، كما يطرح حزب الله وحلفاؤه، تصبح سلطة الدولة أضعف السلطات. فهذه حكومة لو قدر لها ان ترى النور ستكون الحكومة الأضعف في تاريخ لبنان، لان المقررين في امورها وشؤونها هم، واقعاً واكثر من اي وقت مضى، من خارجها، وحيث إن نائب امين عام حزب الله صرح علناً بأن حزبه يتقيد بأحكام الحلف الإيراني ndash; السوري، وحيث ان الطرف الآخر مطعون في علاقته بالغرب والولايات المتحدة الاميركية تخصيصاً، فإن ذلك يجعل المقررين في الحكومة المقبلة من خارج الحدود اصلاً، وحين يكون المقررون من خارج الحدود تنعدم فرص المواطن العادي في العيش بكرامة وعزة، أكان مقاتلاً شيعياً لقن العدو الإسرائيلي درساً قاسياً في الحروب الاخيرة، ام كان رأسمالياً ناجحاً ساهم في جعل اسم بيروت على كل شفة ولسان.

بين حد الحرب الأهلية الساخنة وتلك الباردة، تأتي مبادرة الرئيس نبيه بري لتحاول ان تخاطب طرفاً آخر غير هذين الطرفين. طرف من مصلحته ان يعيش اللبنانيون بسلام في وطن مستقل وحر وان يأمنوا لمستقبلهم ومستقبل اولادهم، بصرف النظر عن تداعيات الملف النووي الإيراني او المصاعب التي تواجه الولايات المتحدة الاميركية في المنطقة.