على خلفية سحب امتياز صحيفة أمضى فيها أكثر من ربع قرن
ناشر سعودي يطالب حكومة بلاده بتعويض مالي

إيلاف من الرياض : طالب الناشر السعودي محمد علي حافظ في مقال نشر يوم أمس الأول (السبت) حكومة بلاده بتعويض مالي عن تلك الحقبة التي سحب فيها امتيازات الصحف السعودية لصالح الدولة، وتم على إثرها سحب امتياز صحيفة quot;المدينةquot; من الأخوين حافظ (هشام ومحمد علي حافظ) في أوائل الستينات من القرن الميلادي الفائت بعد أكثر من ربع قرن على صدورها على يدي والدهما في المدينة المنورة حيث يرقد النبي محمد (ص).

وكوّن الأخوان حافظ إمبراطورية صحافية قوامها نحو أربع صحف يومية إحداها تصدر باللغة الإنجليزية وأخرى قضت نحبها ألا وهي صحيفة quot;المسلمونquot;، بمساعدة رئيس الاستخبارات السعودية آنذاك الأمير تركي الفيصل وخاله رجل المخابرات القوي في عهد الملك فيصل الشيخ المرحوم كمال أدهم، وكان للأخيرين 60 بالمائة من ملكية الشركة قبل بيعها إلى الأمير سلمان بن عبدالعزيز. ثم آلت الشركة إلى أبنيه الأميرين احمد ثم فيصل، والآن تستعد الشركة لطرح أسهمها على العموم. وصدر عدد آخر من المجلات الأسبوعية والشهرية عن الشركة السعودية للأبحاث والنشر على مدار عقدين من الزمن شهدت فيهما الشركة العملاقة في مجال النشر والإعلان عدة خطوات ذات جدوى في السير بالمجموعة الصحافية إلى مواقع متقدمة وفق أراء متابعين لشؤون الإعلام العربي.

وكتب محمد حافظ في صحيفة المدينة يوم أمس الأول التي تعلم فيها الحرف الصحافي رفقة أخيه الراحل عن قبل أكثر من ثلاثة عقود ما ساور أخيه هشام حافظ من حزن إزاء سحب امتياز الصحف السعودية وتحويلها إلى ملكية الدولة التي كان منها صحيفة المدينة في عهد الملك السعودي فيصل بن عبدالعزيز حين توليه زمام الحكم،وذلك في مقال شغل نصف صفحة تصدرتها صورته وهو يرتدي غترته البيضاء.

وقال محمد حافظ في مقاله السالف عن أخيه:quot; كان لديه إيمان وقناعة تامة ظلت تلازمه حتى فارق الحياة، إزاء تحويل الصحف التي كان يملكها الأفراد إلى مؤسسات صحفية - دون تعويض أصحابها حتى الآن، وظل هذا الموضوع جرحا ينزف منه حتى الممات، فتلك هي شخصيته، ولقد أوصانا في أيامه الأخيرة، نحن إخوانه: محمد وعبدالفتاح وإبراهيم وسعود علي حافظ، و عبدالقادر عثمان حافظ، ورفع أصبعه في وجوهنا لكي نطالب لنا ولغيرنا بالتعويض، وذكر بالتحديد ما كان يقوله عمنا المرحوم السيد عثمان حافظ، تعليقا على سحب امتيازات الصحف من أصحابها دون تعويض:''ماذا لو منحت الدولة شخصا ما أرضا وبني عليها سبعة وعشرين دورا (عدد سنوات جريدة المدينة آنذاك) ثم جاءت لتسترد هذه المنحة؟ هل تأخذ الأرض وتسقط العمارة؟ أم تعوض صاحب العمارة عن الأدوار السبعة والعشرين التي بناها، وهل لو فكرت الدولة الآن في تغيير النظام وإعادة الملكية الصحفية لأفراد معينين أن تسحب امتيازات الصحف دون أن تعوض أعضاء المؤسسات الصحفية؟!'quot;.

وفقد الإعلام العربي هشام علي حافظ الذي وافاه الأجل المحتوم في العاصمة اللبنانية بيروت قبل أسابيع عن عمر يربو على الخامسة والسبعين من العمر،بعد أن كان رمحا صحافيا مبينا تعلم الحرف الصحافي من والده وعمه علي وعثمان مؤسسي جريدة المدينة السعودية،وألقى نبأ وفاته بظلال الحزن على سائر الأوساط الصحافية في المملكة العربية السعودية والعالم العربي،إذ أفردت الصحف الصادرة وقتذاك مساحات واسعة للتحدث عن الناشر الراحل وتنقله في كراسي بلاط صاحبة الجلالة.

ونقل هو وعائلته على طائرة خاصة أمر بها أمير منطقة الرياض سلمان بن عبدالعزيز الذي نقل الفقيد من الهند إلى بيروت قبل وفاته ببرهة وجيزة من الزمن.

وأسس الراحل أول جريدة باللغة الانكليزية quot;عرب نيوزquot; مع أخيه السيد محمد، وبعدها طارا بالصحافة العربية ليطلقا مشروعهما العملاق الشرق الأوسط ومنها انطلقت الشركة السعودية للأبحاث والتسويق، في حين اعتبرا ابرز صحافيين عربييين في منتصف القرن العشرين. وعُرف عن هشام مشاكسته وصراحته وكتاباته المثيرة للجدل، إذ كان من الرجال المثيرين للجدل في أفكارهم وكتاباتهم ومواقفهم، ومسهماً في الوقت ذاته في نشوء كوادر صحافية جديدة تم ضخها في وريد الإعلام العربي.

وناشد محمد على حافظ في مقاله التأبيني العاهل السعودي الملك عبدالله التدخل قائلاُ:quot; إنني بهذه المناسبة أدعو خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز، وهو الملك الذي عُرف عنه حب العدل وكره الظلم أن يُحق الحق لأصحابه ويرجعه إليهم بالتعويض. فالدولة في ذلك الزمان (زمن سحب امتيازات الصحف) كانت مواردها المالية شحيحة ولا تكفي بالكاد احتياجاتها، بل كانت تحاول الخروج من أسوأ أزمة مالية مرت بها، ولكنها الآن دولة غنية، ثرية - بحمد الله - ولا يضرها تعويض ورثة أصحاب الصحف السابقين وفيهم الآن الأرامل والمحتاجون، وقبل ذلك وبعده، فالحق قائم لا ينقضي، مناط شرعاً في ذمة الدولة حتى تقوم بتعويض ورثة أصحاب الصحف السابقينquot;.

وزاد محمد حافظ في قوله حول قضية سحب امتياز الصحف السعودية: quot;أن هذه الكلمة ليست مجالا لذكر معاناة الوالد والعم، أو غيرهما من أصحاب الصحف - رحمهم الله جميعا - مع جريدة (المدينة)، والصحف الأخرى، وما تكبدوه جميعا من جهد ومال. واذكر هنا مشهدا انطبع في وجداني (وكنت يومها ولدا مراهقا) لأكثر من خمسين عاما يعبر عن تلك المعاناة، فبعد وفاة جدنا المرحوم السيد عبدالقادر حافظ - بيوم واحد، والوالد - عليه رحمه الله - يقوم بتصحيح مواد جريدة (المدينة) ومراجعتها، والدموع تنهمر من عينيه، ورغم ذلك فقد كان يعمل، فلا بد وان تطبع الجريدة وتوزع لكي تصل إلى القراء. وأذكر ولا أنسى أبداً أن المطالبات المتكررة للوالد والعم - رحمهما الله - وكذلك أصحاب الصحف السابقين - رحمهم الله جميعا، وان القضية قد وصلت إلى مفتي المملكة آنذاك الشيخ محمد بن إبراهيم - عليه رحمة الله - وأنه افتى بأحقية التعويض، ولكنها دخلت إلى ادراج المكاتب، ولم تظهر بعد ذلك، وسكت أصحاب الصحف ''تحت سيف الحياء''، والكرامة، ولم يبق لهم إلا الأسى سلوتهم يدفنون من خلاله أحزانهم بفقدانهم أعز ما يملكون في ذلك الوقت كأحد من أبنائهم أو بناتهمquot;.

وختم محمد علي حافظ مقاله:quot;الآن يا سيدي وأخي وتوأم روحي تستطيع روحك أن ترتاح في مثواها، فها أنا احقق طلبك، ووعدي لك وعلى الملأquot;.

وكانت بداية هشام حافظ عام 1939 في المدينة المنورة عندما بلغ الثامنة من عمره، حيث عمل في مكتب والده وعمه الذي كان عبارة عن دكانة بها مكتبان في واجهة الدكان، وباب يستعملانه للدخول إلى عنبر المطبعة وبعض كراسي الخيزران، ولا تتجاوز مساحته العشرة أمتار مربعة وبه بعض الرفوف عليها كتب مطبوعة ومخطوطة وخزانة من الحديد لها مفتاحان أحدهما مع والده والآخر مع عمه، وعلى الجدار إطارات بداخلها آيات قرآنية quot;كلها هدايا لوالدي وعمي من خطاطين في المدينة المنورة بمناسبة صدور الجريدةquot; كما سبق وأن قال عن نفسه معلقاً على صدور صحيفة المدينة.

ولم تُعرف حتى اللحظة ردود الفعل حول مقال السيد محمد حافظ في الوقت الذي يرى فيه آخرون أن الصحافة السعودية في عهد المؤسسات عاشت quot;تقدما ملحوظاًquot; وفق آراء مراقبين مطلعين على تحركات الإعلام السعودي خلال السنوات الأخيرة.