حسن المصطفى- موفد quot;إيلافquot; إلى لبنان: بخجل ووقارٍ معا. تقدمت سناء ممسكة المقص بيد، ومتطلعة بعينيها إلى الشريط الأحمر الممتد. ربما رأت في لونه، لون الدم الذي عاينته ساخنا عبيطا يوم أن ولدت من جديد في سن الرابعة عشر. اللون الأحمر للشريط لابد أنه استفز ذاكرة الصبية، والمقص الحاد في يدها، تراها كانت تود أن تقذفه بعيدا. حدته بإمكانها أن تقتل إنسانا، فيما هي لا تريد للقتل أن تعود لغته من جديد. يكفيها تلال الجثث المتراكمة، وجداول الحمرة التي امتدت من قانا إلى قانا.

في قانا الأولى كانت طفلة صغيرة لا تعي ما يدور حولها. ربما صرخت فزعا من صوت القنابل المخيف، لكنها في قانا الثانية، لمست الموت بيديها الاثنتين. تحسست ملامح quot;عزرائيلquot; عن قرب، وأبصرته يستل الأرواح من أجساد ساكنيها. لم يكن باستطاعتها أن تفعل شيئا، فقدرة الموت وجبروته أكبر من قدرتها بكثير. ليس إلا الهربُ والنجاة، لتكون الشاهدة، والشهيدة الحية. سبعة من عائلتها فقدت سناء شلهوب: والديها، أخيها، أختها، وأبناء أختها..وعدد آخر من أقربائها.

كانت سناء ربما مشروع quot;إرهابيةquot;، ستعيث في الأرض فسادا، ولذا فـquot;الوقاية خير من العلاجquot;، لتتجه نحوها هدايا الموت الكريمة، توزع الغياب على من تشاء، لكنها أخطأتها هذه المرة. هو شريط الحياة الأليمة، قصته سناء، رغبة منها في تجاوز الماضي، في أن تكون ابنة يومها وغدها، لا ابنة الأمس، وإن كان قريبا، وإن كان عزيزا، فاتحة كوة صغيرة في جدار الحزن العميق.

بين ركام الأبنية المنهدمة، وفي الباحة التي كانت مركزا أمنيا سابقا لحزب الله، في تقاطع شارعي عباس الموسوي، وراغب حرب، كانت توزع الفنانة التشكيلية اللبنانية خيرات الزين لوحاتها، وكانت سناء في مهمتها التي نجت من أجلها، كانت تفتتح المعرض التشكيلي إيذانا بفاتحة حياة جديدة.

لوحات تنوعت موضوعاتها، بعضها قديم، والبعض الآخر رسمته الفنانة أثناء الحرب، وأهدت اللوحات بأجمعها لسناء شلهوب، لتهدي ريعها بدورها لصالح إعادة البناء والإعمار كمشاركة منها في إعادة بناء الضاحية الجنوبية لبيروت.

لم يكن الأهل فقط ما قدمت سناء، فها هي تقدم المال أيضا، وتساهم في أنشطة تراها quot;واجبا وطنيا في فضح الجرائم الإسرائيليةquot; كما تقول، معبرة في ذات الوقت عن حبها للرسم والفن التشكيلي الذي كانت تمارسه كهواية من وقت إلى آخر.

الفنانة الزين، وعدت بأن تتعهد تعليم سناء الرسم، وتتعاونان سوية في ذلك، معتبرة أن ما تقوم به الآن quot;مساهمة قليلة من أي مثقف أو فنان تشكيلي تجاه وطنه، ونوع من التعبير الحضاري والسلمي، لنقول إلى العالم أننا دعاة سلام، لا دعاة قتل وموتquot;. هو الفن تعتصم به سناء علها تبلسم جراح آب، علها ترسم وجوها لمن فقدت تعيدهم للحياة من جديد.