لبنان بين الهدنة الساخنة على الحدود والتوتر الداخلي
الخيانة من الجهتين

بلال خبيز من بيروت : اصدر حزب الله بياناً اتهم فيه قوى 14 آذار بالعمل لصالح المشروع الاميركي صراحة والإسرائيلي ضمناً. وذهب النائب عن حزب الله علي عمار في مهرجان خطابي اقامه الحزب في منطقة المربع الامني في الضاحية الجنوبية لبيروت إلى اتهام قوى 14 آذار علناً بالعمل لصالح المشروع الإسرائيلي في المنطقة. من جهتها قوى 14 آذار تتهم حزب الله، سواء في بيانها الاخير او في بياناتها السابقة، بالعمل في خدمة المشروع الإيراني ndash; السوري.

الجهتان اللتان تتبادلان الاتهامات تعترضان على جعل البلد ساحة لتنفيذ مخططات الآخرين، والجهتان تعتبران ان الطرف الآخر هو الذي يهدد استقلال البلد، ويتلاعب بمصيره. وكل طرف من هذين الطرفين يعتقد ان تحالفاته التي يقيمها وسياساته التي يتبعها تقع في خدمة وحدة البلد اولاً وآخراً. لكن الطرفان يختلفان اختلافاً جذرياً على معنى وحدة البلد واستقلاله والسبل الآيلة إلى تحقيق هذه الأهداف.
حزب الله ومن يتحالف معهم من القوى اللبنانية يعتقد ان التحالف مع ايران وسورية وفي مواجهة المخططات الاميركية والإسرائيلية امر مبتوت في صحته، وان احكام التاريخ والجغرافيا، التي لا مناص منها، تفترض اقامة مثل هذه التحالفات الطبيعية، ويعتقد ان الطريق إلى الوحدة الوطنية والاستقلال يمر من باب العداء لإسرائيل ومخططاتها في المنطقة وهو اعتقاد ينسجم حكماً مع تاريخ المنطقة ومع طبيعة الصراع العربي ndash; الإسرائيلي وموقع لبنان منه. فيما يرى فريق 14 آذار ان حصة لبنان من الاكلاف في هذا الصراع بلغت حداً لا يمكن احتماله، وان البلد لم يعد قادراً على تحمل اعباء هذا الصراع منفرداً، والحرب الإسرائيلية الاخيرة وما تركته من دمار في لبنان خير دليل على هذا الأمر.

وحين يركز حزب الله في انتقاداته لفريق 14 آذار على مقولة النصر المتحقق في الحرب الاخيرة فإنه انما يوجه لبنان في وجهة محددة. فهذا النصر يقرأ نصراً في جهة ويقرأ هزيمة في جهة أخرى. وعلى النحو نفسه يعتبر فريق 14 آذار ان البلد دفع كلفة باهظة في حرب لم تقدم شيئاً لا بل اخرت لبنان عقوداً إلى الوراء في السياسة والاقتصاد والتحرير نفسه، وان البلد الذي كان قبل 12 تموز يكاد يكون محرراً من كل احتلال لأراضيه، إذا ما استثنينا مزارع شبعا، بات اليوم يعج بكل انواع الجيوش، بما فيها الجيش الإسرائيلي طبعاً.

ما من شك ان ما تغير على الحدود اللبنانية ndash; الإسرائيلية بين ما قبل 12 تموز واليوم كبير إلى درجة يصعب تجاهلها. فالحدود اللبنانية ndash; الإسرائيلية المتوترة قبل 12 تموز، كانت متوترة من جهة حزب الله اكثر مما كانت من جهة اسرائيل. والثابت ان من كان يخرق هذه الهدنة الساخنة تكراراً هو حزب الله نفسه، وآخر اختراقاته هو الاختراق الذي حصل في 12 تموز 2006. لكن وقائع الحرب الاخيرة جعلت ميزان الخرق مقلوباً. فالقوات الإسرائيلية اليوم، وبسبب من اختلال منظومتها الدفاعية والردعية بعد هذه الحرب باتت اقرب إلى تطلب إبقاء الجبهة ساخنة، والتوتر قائماً. ذلك ان اسرائيل التي يرجح ان تصبح المتعدية دوماً في مفاعيل الهدنة الحالية، تريد ان تحفظ لنفسها الحق في تأديب حزب الله في الحرب المقبلة. مما يعني ان المصلحة العليا الإسرائيلية وبحسب ما يرشح من معلومات ومناقشات تدور في الصحف الإسرائيلية، تقضي بأن لا يُترك حزب الله منتصراً على النحو الذي خرج منه في هذه الحرب. ففي مثل هذا التغاضي عن هذا الانتصار الذي حققه الحزب ما يجعل المنظومة الدفاعية الإسرائيلية مختلة وقابلة للاختلال في غير مصلحة اسرائيل على كامل حدودها. مما يعني ان قوة الردع الإسرائيلي الجوية ستبقى فاعلة ومهددة طوال الزمن الذي يسبق الحرب القادمة.

حزب الله من جهته يرى ان ضبط النفس في المقبل من الشهور يجعله رابحاً على المستويات كافة. فمن ناحية اولى يستطيع ان يحشر السلطة اللبنانية في خانة من لا يستطيع رد العدوان، وهذا ما يحذر منه الرئيس السنيورة حين يطالب بإلزام اسرائيل تطبيق القرار 1701، والحؤول دون خرقه. ذلك ان هذا الخرق يرتب على الدولة اللبنانية اعباء لا قبل لها بحملها. مما يعني ان الجنوب في المقبل من الأيام وبسبب تطلب اسرائيل ضبط حزب الله وتأديبه، سيكون ميدان امتحان الجيش اللبناني والحكومة اللبنانية البالغ العسر. ومرور الزمن وحده كفيل بجعل هذه الحكومة لاعباً ضعيفاً بين لاعبين قوييين: اميركا واسرائيل من جهة وحزب الله والحلف الإيراني السوري من ناحية ثانية.

يخشى اللبنانيون كثيراً هذه الحدة التي تتسم بها تصريحات الفريقين المتنازعين في لبنان بعد الحرب. وهم على حق في خشيتهم، ذلك ان استهلال المعركة بالتخوين من الجهتين يجعل من فصولها اعنف مما كانت عليه سابقاً، واصعب ضبطاً مما كان يمكن للبنان وحكومته ان يطمحان إليه.