عادل درويش من لندن: تعد لندن لحركة تنقلات ديبلوماسية في غرب ووسط أسيا، ينقل بمقتضاها السفير البريطاني في الرياض الى كابول على رأس فريق من الخبراء في العالم الأسلامي يضم سفير بريطانيا السابق في كوريا الشمالية وذلك بهدف تعديل السياسة الحالية في افغانستان، بعد الانتقاد الذي وجهه رئيس الوزراء توني بلير للعملية الديبلوماسية والسياسية في افغانستان، حسب مصادر بريطانية وديبلوماسية غربية.

ورغم ان السفير البريطاني في كابول، ستيفين ايفانز، لم يمر على بقائه في المنصب سوى ثمانية اشهر فقط، فسيتم استبداله بالسير شيرارد كاوبر- كولز، سفير المملكة لدى الرياض، والذي يتصدر اليوم قائمة كبار خبراء الديبلوماسية البريطانية في العالم الأسلامي، كي يتولى عملية تطوير شاملة للسياسة البريطانية في افغانستان.

وكان السير شيرارد، سفير بريطانيا في اسرائيل، قبل ان يصل الى المملكة السعودية عام 2003، وقبلها خدم في مصر وعدد من بلدان الشرق ألوسط وألاسلامية وهو يتحدث العربية وله اتصلات واسعة في المنطقة وتربطه علاقات شخصية وعلاقات عمل قوية بالساسة والديبلوماسيين والشخصيات المؤثرة في بلدان الشرق الأوسط وعدد من البلدان الأسلامية.

ورغم توجس الأسرائيليين منه في البداية ndash; وهم تقليديا يتعبرون الديبلوماسيين البريطانيين موالين للعرب ndash; فأنه استحوذ على اعجاب الليبراليين والطبقة الوسطي من ألأعلاميين بتعلمه اللغة العبرية، والتزامه بالملابس البريطانية التقليدية ndash; البذلة والقبعة السوداء المستديرة- الموجودة في الذهنية العامة لدى الناس، كما انه اختار لتنقلاته سيارة، كانت تاكسي اسود من سيارات الأجرة التقليدية في لندن.

وسينقل السير شيرارد كاوبر من الرياض قبل ان يكمل مدته التي كان يتوقع ان تزيد على خمس سنوات، الى كابول، وهي خطوة مهمة في استراتيجية كبيرة تعدها وزارة الخارجية والكمونولث في لندن لتطوير واصلاح السياسة في افغانستان، بسبب تدهور الأوضاع الداخلية فيها والخشية من تراجع عملية ألصلاح السياسي والديموقراطي فيها، خاصة مع تزايد حملة الهجمات التي يشنها الطالبان والمنظمات ألارهابية عبر الحدود من افغانستان.

ولاتقتصر الحملة على مقاطعة هيلماند حيث تنشط القوات البريطانية ، مع قوات كندية وهولندية، في مواجهات بالغة الصعوبة مع الطالبان، وانما تشهد كثير من المدن الأفغانية، تراجعا في ألاصلاحات التي بدات بعد سقوط الطالبان. فقد ازدادت الهجمات على المدارس التي تسمح بتعليم البنات، حيث هاجم الموالون لطالبان عددا من المدارس، وتعرض معلم للذبح امام تلاميذه لأنه يعلم الفتيات، وهو ماتحرمه ايدولوجية الطالبان السلفية. وقد تناقص عدد ألاسر التي ترسل البنات للتعليم، كما تراجعت نسبة توظيف الممرضات والعاملين في مستشفيات ومراكز الصحة النسائية، بسبب تعرض هذه المراكز للهجمات.

كما لم تتمكن حكومة الرئيس حميد قرضاي المنتخبة ديموقراطيا وقوات الناتو من تنفيذ سياسة فاعلة ضد تجارة المخدرات والأفيون والهرووين واجتثاث هذه النبتات.
وعلمت ايلاف ان اتفاق هدنة كانت القوات البريطانية توصلت اليه مع متمردين موالين للطالبان، تعرض لأنتقاد قادة الناتو ، وانتقاد داوننج ستريت حيث لم تتوقف عمليت العنف التي تمارسها الطالبان. كما ان كابول كررت شكواها من عدم اتخاذ حكومة اسلام آباد اجراءات جادة لمنع الطالبان من التسلل من الحدود الباكستانية الى افغانستان، وتحث لندن على استخدام علاقاتها الخاصة مع باكستان لممارسة مزيد من الضغوط على حكومة الجنرال مشرف، ليضبط مخابراته المتهمة بالتعاون مع الطالبان.

وكانت حكومة افغانستان اعتقلت زعماء طالبان، منهم محمد حنيف، من اقرب مساعدي الملا محمد عمر، مؤسس حركة طالبان، حيث اعترف اثناء التحقييق بوجود الملا عمر في باكستان في حماية جهاز مخابراتها.

وكان رئيس الوزراء البريطاني اعرب عن عدم ارتياحه من الطريقة التي تدار بها العملية السياسة في فغانستان بعد زيارته ألاخيرة لها قبل شهرين، وعدم نجاح القوات البريطانية والقوات ألافغانية العاملة معها في انقاص انتاح الهروين ومحصول الأفيون في الجنوب.وحسب مصادر بريطانية، ومصادر ديبلوماسية غربية في جنوب غرب آسيا، فإن بلير قال صراحة للديبلوماسيين البريطانيين ان يبحثوا عن استراتيجية جديدة أكثر فاعلية وتأثيرا.

وتضمن خطة وزارة الخارجية البريطانية الجديدة تكثيف النشاط الديبلوماسي في مقاطعة هيلماند حيث تتواجد القوات البريطانية، بانشاء قنصلية ضخمة ومكتب سياسي، يتولاه ديبلوماسي ناشط آخر هو دافيد سلين، الذي كان حتى العام الماضي سفير بريطاني في كوريا الشمالية.

وقد عبرت مصادر من الجيش االبريطاني عن quot; تفاؤلها الحذرquot; بتعديل ألاستراتيجية الجديد، وباهتمام رئيس الوزراء المباشر بالأمر، خاصة مع تعبير عدد من الضباط عن تذمرهم من نقص المعدات ndash; خاصة طائرات الهليكوبتر- والجنود، واعزاء الأمر لأنشغال بريطانيا بالعراق.

وكان الجنرال دافيد ريتشاردز، عبر، في مقابلة مع البي بي سي في الشهر الماضي، عن اعتقاده بقدرة القوات البريطانية على الحاق الهزيمة بالطالبان، لكن quot; بشرط توفير المعدات المطلوبة والأعداد الكافية من الجنود،quot; ألامر الذي اعتبره المراقبون انتقادا غير مباشر لسياسة حكومة العمال البريطانية في انقاص ميزانية الدفاع.

وكرر الجنرال ريتشاردز المعني، في لقاء خاص مع الغارديان اليوم، ان هناك حاجة ملحة وضرورية لتوفير اعداد اكبر من القوات في افغانستان وتوفير المعدات المطلوبة اذا ما اردنا الأنتصار على الطالبان. ويرى الجنرال ريتشاردز ان قوات حلف شمال ألاطلسي التي تتولى العمليات العسكرية الأكبر في الجنوب quot; تمكنت من تحقيق التفوق النفسي والمعنوي على الطالبان، quot; اي تمكنت من اقناع المواطنين الافغان بقدرتهم على حمايتهم من بطش الطالبان. لكن الجنرال الذي يتولى قيادة القوات البريطانية في افغانستان، حذر بان حماية الشعب ألافغاني على المدى الطويل، والقضاء على زراعة ألافيون وتهريب الهرويين، الذي يجد طريقه الى شوارع المدن البريطانية، لن يتم دون زيادة كبيرة في عدد القوات وكفاءتها القتالية وتوفير المعدات.

وقد دار الجدل في اوساط قيادات الناتو عما اذا كان رش حقول نبات الخشخاش الذي يصنع منه الأفيون والهروين بمبيدات تقضي على النبات ، هو سياسة حكيمة ام لا، بسبب اعتماد الناس اقتصاديا على هذه الزراعة بعد ان فشلت في السابق سياسة شراء المحصول وحرقه، كما ان الطالبان وتجار المخدرات من زعماء القبائل يهددون الفلاحين الذي يزرعون محاصيل اخرى بالقتل. وبالتالي لابد من توفير القوات لحماية هؤلاء المزارعين لفترة طويلة للقضاء على تقاليد هذه الزراعة.

ورغم نقص امكانيات ميزانية الدفاع البريطانية مقارنة بالولايات المتحدة الاميركية مثلا، فإن تخفيض عدد القوات البريطانية المتوقع في جنوب العراق، سيوفر، في راي الخبراء العسكريين قوات ومعدات للتركيز على افغانستان. لكن هناك اعتراضات من قبل العراقيين على تخفيض عدد القوات البريطانية، كما ان اي توتر في جنوب العراق قد يضطر القوات البريطانية للبقاء لفترة اطول، مما يؤثر على قدرة الديبلوماسية الجديدة على النجاح، دون قوة عسكرية كافية لدعمها على الأرض.