إستفتاء quot;إيلافquot; يرصد تراجع حرية التعبير عربيًا
عواصف تهدد quot;أم الحرياتquot; في كل بلدان المنطقة


كتب ـ نبيل شرف الدين: لعلها ليست مصادفة أن يتزامن موضوع إستفتاء (إيلاف) الأسبوع الماضي مع تصاعد المواجهة بين الصحافة والسلطات في أكثر من بلد عربي، وقد وصلت في مصر إلى حد احتجاب 22 صحيفة معارضة ومستقلة عن الصدور، إحتجاجًا على صدور عدة أحكام قضائية بحبس نحو عشرة صحافيين في قضايا نشر، بينهم خمسة من رؤساء التحرير، وصدرت معظمها لمصلحة مدعين ينتمون إلى الحزب الوطني الحاكم، وهو الأمر الذي بات يتكرر بصورة أو أخرى، ودرجة أو أخرى في شتى بلدان المنطقة. واللافت في هذا السياق أن البلدان التي كانت ـ تاريخيًاـ تتمتع بمساحة كبيرة من حرية الصحافة والتعبير، مثل مصر وسورية والمغرب، تدحرجت إلى ذيل القائمة، وتصدرتها دول حديثة العهد بالصحافة نسبيًا، كالإمارات وقطر على سبيل المثال تحظى فيها معظم وسائل الإعلام حاليًا بمساحة أوسع من حرية التعبير، مع التسليم بداية باختلاف ظروف تلك البلدان عن مثيلاتها، وأن هناك أيضًا قيودًا لم تزل باقية وتتمثل في عدد من الملفات التي لا يسمح بالخوض فيها، ومع ذلك تبقى المحصلة النهائية لصالح هذه الدول الصغيرة قياسًا بما تشهده دول كبرى، كانت ذات يوم رائدة في صناعة الصحافة والإعلام، واحترام حرية التعبير واحتمال وجود آراء ورؤى معارضة حتى للقناعات السائدة.

وإذا كان المشهد الدولي لمهنة quot;البحث عن المتاعبquot; يشهد مخاطر جمة، فالصحافيون في شتى أنحاء العالم باتوا يواجهون مخاطر الاغتيال والقتل في ظل الحروب والعمليات الإرهابية، لكن يضاف إلى ذلك في بلدان الشرق الأوسط معاناة أخرى نتيجة ملاحقات الأنظمة المستبدة، وترسانة القوانين المقيدة لحرية الصحافة، ناهيك عن الممارسات خارج إطار القانون، والتي تصل في بعض الأحيان إلى حد التصفية الجسدية أو الاختفاء القسري لبعض الصحافيين، فضلاً عن الاعتقال وغلق الصحف وفرض الغرامات المالية، وغيرها من الممارسات التي تتفنن فيها أنظمة الجدران الحديدية، التي تأبى الإقرار بأن العالم تغير.

صحافة الابتزاز
لكن في المقابل فإن هناك من يتهم قطاعًا من الصحافة العربية بالانحدار إلى السوقية والابتذال وابتزاز رجال الأعمال أو حتى أنظمة الحكم ودوائر الدولة المختلفة ويستند أصحاب هذا الرأي إلى عشرات الوقائع التي وصلت إلى ساحات القضاء، ناهيك عن عشرات الوقائع الملتبسة التي تجري من تحت الطاولة، التي تجري محاصرتها سواء برضوخ بعضهم للابتزاز لأن لديهم بالفعل ما يخشون منه، أو بالتوصل لترضيات كأن تمنح السلطات هذا الصحافي المشاغب منصبًا مرموقًا، أو تسكته ببرنامج تلفزيوني عبر وسائل الإعلام التي تهيمن عليها، وغير ذلك من أساليب الترهيب والترغيب.

ولا يصح أن ندفن رؤوسنا في الرمال وننتصر لكل منحرف وفاسد لا لشيء، إلا لأنه quot;زميلquot;، فمن يهدر شرفه المهني لا يصح أن نتوقع منه احترامًا لمعان كالزمالة واحترام الحريات العامة وتحمل مسؤولية المساهمة في صناعة الرأي العام، ومن هنا فإن الأزمة بالفعل ـ وكما يتفق حكماء المهنة ـ ذات وجهين، وجه يتعلق بالفساد والممارسات غيراللائقة التي تتورط بها بعض الصحف والصحافيين، كأن يعمل بعضهم في جلب الإعلانات، ويمارس آخرون محاولات ابتزاز فجة لرجال الأعمال ليضطروا لترضيتهم بمواد إعلانية.

أما الوجه الآخر والأخطر لتلك الأزمة، فيتمثل في التضييق وعمليات الإفساد المنظمة التي تمارسها أنظمة الحكم ضد الصحافة الحرة المستقلة، وفي ظل شيوع مثل هذه الممارسات القمعية، فلا يبرز على الساحة سوى أراذل القوم من الأدعياء والجهلة والأفاقين والفاسدين وعديمي الموهبة، بينما يتوارى الموهوبون والقابضون على احترامهم لأنفسهم ومهنتهم وشرفهم الإنساني.

قراءة النتائج
وفي ظل ضبابية هذا المشهد الصحافي العربي، ومدى الالتباس الذي يكتنفه طرحت (إيلاف) في استفتائها سؤالاً محددًا يقول:
هل ترى في أحكام بالحبس وملاحقات قضائية للصحافيين، نتيجة لتجاوزات الصحافيين أنفسهم، أو انعدام حرية التعبير، أو أن المشارك لا يدري حقيقة الأسباب التي أدت إلى ملاحقة الصحافيين قضائيًا، وصدور أحكام بحبسهم.

وعلى الرغم من أن نتيجة الاستفتاء لم تتجاوز التوقعات بالإشارة بأصابع الاتهام إلى انتهاك حرية التعبير، حيث عبرت غالبية ساحقة قوامها (2269) شخصًا، بما يساوي نسبة (77%) من المشاركين في الاستفتاء، الذين بلغ مجمل عددهم (2955) شخصًا صوتوا في استفتاء (إيلاف) هذا الأسبوع.

غير أن اللافت في هذا السياق هو أن نسبة الذين رأوا أن تجاوزات الصحافيين ـ أو لنقل بعضهم ـ هي السبب فيما يجري لهم ولمهنتهم، قد بلغت نسبة لا يصح الاستخفاف بها، حتى ولو لم تكن تمثل غالبية، لأنها تقترب من ربع عدد المشاركين في هذا الاستفتاء، إذ بلغ عددهم (614) شخصًا، بما يساوي نسبة (21%)، بينما ظلت نسبة الذين فضلوا التصويت للخيار السلبي وهو (لا أدري) عند حدودها المعتادة والمتوقعة، وقوامها (72) شخصًا، بما يمثل (2%) فقط من بين المشاركين.

وأخيرًا تجدر الإشارة إلى أحدث تقرير أصدرته منظمة (مراسلون بلا حدود) المعنية برصد أحوال الصحافة والصحافيين حول العالم، والذي خلص إلى وصف البلدان العربية بأنها تعد من بين الدول الأكثر خطورة على حياة الصحافيين والعاملين في حقل الإعلام، وقال التقرير: quot;إن أوضاع حرية الصحافة في الدول العربية أصبحت في خطر حقيقيquot;، وفق ما ورد بالتقرير.

كما رصد التقرير الحقوقي جانبًا من سلسلة الاعتداءات على الصحافة والصحافيين في: مصر وليبيا والعراق والسودان وتونس ولبنان والأراضي الفلسطينية ودول مجلس التعاون الخليجي واليمن والأردن والمغرب العربي، ويعرض لمئات الحالات التي طالتها آلة القمع الحكومية، بما في ذلك الاغتيالات والاعتداءات والحبس والرقابة والملاحقات القضائية وغيرها من وسائل التنكيل.