إنطلاق دورة برلمانية جديدة في مصر بلا تغيير
quot;العمدة عليquot; وكواليس مؤتمر الحزب الوطني
نبيل شرف الدين من القاهرة:
لم
يتمكن quot;العمدة عليquot; من العودة إلى بلدته في صعيد مصر، بعد أن انفض مؤتمر الحزب الوطني (الحاكم)، لأنه يشغل منصب نائب البرلمان عن دائرته، لهذا فقد ظل في القاهرة حتى يحضر افتتاح الدورة البرلمانية الجديدة، التي انطلقت اليوم إيذاناً بسلسلة جديدة من المواجهات بين نواب الأغلبية الحكومية من جهة، ونواب المعارضة الذين تشكل مجموعة الـ (88) نائبًا إخوانيًا قوامها الأساسي، وكتلتها الكبرى.
وبالطبع لم يكن quot;العمدة عليquot; من بين هؤلاء الذين حشدهم الحزب الوطني (الحاكم) في quot;مدينة مبارك للتعليمquot; في ضاحية السادس من أكتوبر/تشرين الأولجنوب غرب القاهرة، لحضور المؤتمر العام التاسع للحزب، فالرجل يمتلك شقة فاخرة في ضاحية المعادي الأنيقة، تقيم فيها زوجته القاهرية، خلافًا للزوجتين المقيمتين في بلدته في صعيد مصر .
ولا يخشى quot;العمدة عليquot; على الدكتور سرور ـ اللقب المفضل لفتحي سرور رئيس مجلس الشعب المصري ـ من الصخب الذي يمارسه نواب الإخوان تحت القبة، فهو يرى سرور قادرًا على لجم خصومه بالحجة وقوة الشكيمة ولا يسمح لهم باستدراجه لمنطقة اللغو والمزايدات، وبالتالي فهو من أشد المعجبين بالدكتور سرور، وكثيرًا ما يبدي إعجابه به سرًا وعلانية، ويعتبره مثلاً أعلى للرجل القادر على إدارة برلمان من طراز البرلمان المصري .
العمدة والإخوان
وعلى الرغم من إعلان جماعة quot;الإخوان المسلمينquot; طرح مرشحين لها للمنافسة على مناصب رئاسة مجلس الشعب المصري ووكيليه، فإن نوابًا من عينة quot;العمدة عليquot;، وهم يشكلون قاعدة لا يستهان بها في البرلمان المصري، يؤكدون أن الأمور تتجه نحو استمرار احتفاظ الحزب الوطني الحاكم بالمواقع القيادية من دون أدنى تغيير، حيث يشغل فتحي سرور رئاسة المجلس منذ سنوات طويلة، مستفيدًا من الغالبية الساحقة التي يتمتع بها الحزب الوطني في البرلمان، وبالتالي فإن إعلان جماعة الإخوان المسلمين ليس أكثر من quot;شو إعلاميquot; يستهدف لفت الأنظار وكاميرات الفضائيات، خاصة فضائية quot;الجزيرةquot; القطرية، التي يرى كثيرون في مصر أنها تولي عناية خاصة ومساحة كبيرة لكل من هو إخواني في مصر، حتى لو كان مجرد quot;فقاعةquot; لا أساس لها من الواقع .
هكذا حدثني quot;العمدة عليquot;، وهو يبدي دهشة بالغة من الأمر، الذي يصفه بأنه محاولات غير مفهومة ولا مبررة من قبل دولة صغيرة للتطاول على مصر والتحرش بها، ولا يفيد هنا بالطبع أن تحاول إقناع quot;العمدة عليquot; بأفكار من نوع quot;الرأي، والرأي الآخرquot;، فالرجل سينظر إليك باستخفاف، ويبتسم بمكر مكتفياً بكلمة دارجة في مصر على ألسنة الشباب هي quot;إنسىquot;.
حديث الكواليس
في كواليس مؤتمر الحزب الوطني الذي انفض سامره، قاد quot;العمدة عليquot; جوقة من أبناء الصعيد أعضاء الحزب (الحاكم)، وكان لافتًا أن تساؤلاتهم تركزت على القضايا اليومية الملحة كأزمات المياه والكهرباء والخبز والتعليم والبطالة وغيرهاrlm; وكانت كلمات هؤلاء القادمين من أكثر الأقاليم المصرية تعرضًا للغبن والإهمال التاريخي من قبل الدولة المركزية، تتسم بالعفوية، لكنها أيضًا تلتزم آداب اللياقة في مخاطبة quot;علية القومquot;، من قادة الحزب، وخاصة ذلك الجواد الرابح الذي قفز في سنوات قلائل إلى موقع الصدارة، أقصد رجل الأعمال أحمد عز، ملك الحديد وقيادي الحزب المسؤول عن التنظيم داخله، والمقرب جدًا من جمال مبارك، نجل الرئيس المصري .
غير أنه بعيدًا عما يفكر به quot;العمدة عليquot;، فإن محللين سياسيين يرون أن عز ـ وهو أحد كبار العرابين في ما بات يعرف بالتيار الإصلاحي الذي يقوده جمال مبارك ـ قد مُني بانتكاسة خلال هذا المؤتمر، فبدلاً من أن يواصل توجيه المزيد من الضربات الإقصائية للحرس القديم، الذي عمل عقودًا مع مبارك الأب، فقد شهد المؤتمر مفاجأة تمثلت في التشكيلات النهائية التي شهدت تغييرات غير متوقعة، حيث ضم إلى هيئة المكتب السياسي أعضاء هيئة الأمانة العامة، وفي صدارتهم زكريا عزمي (رئيس ديوان الرئاسة) والوزير مفيد شهاب، وكان لافتاً تقدم اسمي كمال الشاذلي ويوسف والي على اسماء أحمد عز، على الرغم من انه أمين التنظيم وعلي الدين هلال، مع أنه امين الاعلام، بينما لا يتجاوز دور يوسف والي وكمال الشاذلي كونهما مجرد أعضاء في الأمانة العامة .
أحمد عز والشريف
ومرارًا أنكر جمال مبارك أن يكون له أي طموح في اعتلاء مقعد الرئاسة، لكنه على صعيد الواقع بعيدًا عن التصريحات الرسمية، يقترب من هرم السلطة في الحزب الحاكم بشكل حثيث، وكان هذا الأمر موضع سؤال وجه له خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده على هامش فعاليات المؤتمر العام للحزب، وأجاب عنه بشكل غير قاطع ككل مرة.. فلم يقل انه لن يرشح نفسه، واكتفى بالقول إن دوره quot;هو متابعة تنفيذ برنامج الرئيس مبارك، ورسم سياسات الحزب مع زملائه وأنه لا يلتفت الى تكهنات الصحافة، وان كان يرى أن دورها ان تتكهن ودوره ان يمارس عمله الواقعي بعيدًا عن هذه التكهناتquot;، على حد تعبيره .
ثمة خلافات أخرى جرت في الكواليس وأنكرتها كافة الأطراف، لكنها لم تكن خافية على مئات من المشاركين، ولعل أبرزها هو ذلك الخلاف الذي نشب قبل انطلاق المؤتمر بين صفوت الشريف وأحمد عز، لكنهما نفيا الأمر جملة وتفصيلاً، وبعصبية أحيانًا تشي وتؤكد، أكثر مما تقطع وتنفي، فقد حرص الشريف الذي يشغل منصب أمين عام الحزب الوطني ، ورئيس مجلس الشورى، على الثناء والإطراء والتغني بجهود أمانة التنظيم التي يرأسها رجل الأعمال أحمد عز الذي وصف بدوره الشريف بأنه quot;القائد التنظيمي الأول في الحزبquot;، وكان quot;العمدة عليquot; ورفاقه من نواب الصعيد والأرياف يتابعون الأمر بقدر من الاهتمام المشوب بالإثارة ولا بأس ببعض العبارات ذات الدلالة، لكن في أضيق نطاق ممكن، ولا تخرج عن دائرة الهمسات، التي تتبعها ضحكات مجلجلة، لا تبدو للحضور مفهومة، لكن لا أحد يتطوع للاستفسار عن سبب هذه الضحكات، على طريقة أنها أمور quot;إن تبد لكم تسوءكمquot; .
وأخيرًا فإن quot;العمدة عليquot; ـ كما كان أسلافه دائماً ـ يوالون الدولة المركزية مهما كانت توجهاتها، منذ عهد مجلس شورى النواب زمن الخديوية، ومازالوا ينظرون إلى حديث المعارضة المتشكك في إمكانية تبني الحزب الوطني الحاكم سياسات تستجيب لمطالب الإصلاح السياسي، باعتباره quot;كلاماً فارغاًquot;، ربما ينشد الذين أطلقوه ترضية من الحكومة بمغنم أو منصب أو حصة من السلطة، ولا يصدقون مطلقًا أن هناك بالأساس معارضة، فهي quot;أكذوبةquot;، لأن الحاكم دائمًا على حق، فهو أدرى بشؤون البلاد والعباد، وما دونه فهم أصحاب غرض أو أغراض .