عبد الخالق همدرد من إسلام أباد: كانت زيارة الجنرال برويز مشرف للمملكة العربية السعودية الأخيرة ذات أهمية كبيرة، إذ كان في البلاد انطباع سائد بأن أجندة أعماله في السعودية تشمل لقاء مع نواز شريف رئيس وزراء باكستان السابق وخصم مشرف السياسي الأول؛ بيد أن ذلك الانطباع لم يدم طويلاً حيث اختصر مشرف زيارته للمملكة، وعاد قبل قضاء يوم واحد إلى البلاد مع أن الصحافة المحلية نقلت قبل مغادرته البلاد بأن زيارته للمملكة العربية السعودية ستستغرق ثلاثة أيام. كما وأن الناطق باسم الرئيس اللواء المتقاعد راشد قريشي نفى أي لقاء بين الزعيمين.
وقد أشار تقرير نشرته صحيفة (ذي نيوز) أن نواز شريف بقي لمدة ساعتين في مسجد حيه بجدة مع الأفراد الذكور من أسرته، عندما ذهب لصلاة العشاء ليلة الثلاثاء وقد تزامن ذلك وصول مشرف ووفده إلى جدة من العاصمة السعودية الرياض. وعندها حاول مسؤولون باكستانيون الاتصال بنواز شريف، إلا أن جهودهم لم تتكلل بالنجاح.
على الرغم من ذلك، فإن تقريرًا آخر للصحيفة نفسها، أشار إلى أن أحد أكبر المسؤولين الأمنيين الذي كان يرافق الجنرال مشرف في تلك الزيارة قد بقي في المملكة للتفاوض مع نواز شريف من أجل الوصول إلى تفاهم بينه وبين الجنرال مشرف؛ لكن أشارت مصادر إلى أن طبيعة ذلك التفاهم لن تكون مثل الصفقة بين مشرف وبينظير حيث اضطر الجانبان إلى مساومة على قضايا كثيرة.
كما أن الصحيفة نقلت عن نواز شريف قوله إن الجنرال مشرف قد حاول الاتصال به على الأقل ثلاث مرات خلال الشهرين الماضيين بيد أنه رفض التحاور معه. في حين تثق مصادر حزب الرابطة جناح نواز شريف أن زعيمه لن يتفاوض مع الدكتاتور العسكري حسب تعبيرها.
على صعيد آخر، يرى محللون أن دخول نواز شريف نفق التفاوض مع الرجل الذي أطاح بحكمه واضطراره إلى قضاء نحو ثماني سنوات في المنفى سوف يكون مضيعة لتضحياته وانتحارًا سياسيًا لحزبه، مثل ما كان المتوقع لزعيمة حزب الشعب الباكستاني بينظير بوتو لو لا تفجيرات كراتشي التي حولتها إلى بطلة بعد أن بدأت تفقد شعبيتها بشكل كبير عقب عقد صفقة مع الجنرال مشرف.
من جهة أخرى فإن نواز شريف افتتح صدره لحزب الشعب حيث أبدى رغبته في مشاركة مؤتمر لجميع الأحزاب المعارضة اقترحته بينظير بوتو على الرغم من أنها رفضت الجلوس مع الإسلاميين في مؤتمر لجميع الأحزاب استضافه نواز شريف أثناء شهر يوليو الماضي بلندن على الرغم من كونها حليفته له في التحالف لاستعادة الديموقراطية. وهذا ما يشير إلى النضوج السياسي لدى نواز شريف حسب مراقبين. ويرون أن ذلك الأمر سيزيد من مصداقيته على الساحة الداخلية وسيرسخ انطباعا بأن نواز شريف زعيم يريد دفع البلاد خارج الأزمة السياسية الراهنة.
من جهة أخرى، فإن وكالات أنباء دولية ومصادر محلية تشير إلى أن نواز شريف سيعود إلى البلاد إلى 26 من شهر تشرين الثاني/نوفمبر الجاري ليتمكن من تقديم أوراق الترشح إلى مفوضية الانتخابات التي قررت استلام الأوراق إلى ذلك الموعد. وهذا على فرض إذا قررت المعارضة المشاركة في الانتخابات المقبلة؛ لأن أحزاب المعارضة، ولا سيما حزب نواز شريف وحزب الشعب الباكستاني حزب بينظير بوتو يدرسان موضوع مقاطعتها بيد أن راجا ظفرالحق رئيس حزب الرابطة (نواز) قد أكد لهذا الكاتب خلال حوار خاص بأنه ينبغي أن يكون قرار المعارضة إزاء مقاطعة الانتخابات وعدمها موحدا ؛ لأن قرارات منفصلة لن تعود بأي ثمرة.
وإذا ما تمكن نواز شريف من العودة إلى البلاد فإنه سيكون على أساس التعايش السلمي بينه وبين الجنرال مشرف الذي سيصبح إلى ذلك الحين الرئيس مشرف - إذا وفى بوعده بخلعه البذلة العسكرية- بشكل أن يبقى مشرف هو الرئيس ويوفر لنواز فرصة لخوض الانتخابات. وبالتالي فإن الانتخابات هي التي ستقرر مصير مشرف بعدها.
وسيكون لعودته أثر ملموس على الساحة السياسية الداخلية حيث إن المعارضة مشتتة ومترددة في اتخاذ قرار موحد جراء فقدان الثقة بين الكتل المختلفة منها. ففي هذا الوضع سيكون نواز شريف هو الشخص الذي يستطيع جمع المعارضة تحت لواء واحد. وهذا الأمر سيكون سبب قلق وانزعاج لدى حزب الرابطة (القائد الأعظم) الداعم لمشرف إذ لديها مخاوف بانحراف كثير من زعمائها إلى حزب نوازشريف. وكان نائب رئيس حزب نواز شريف مخدوم جاويد هاشمي قد ادعى قبل 6 من شهر أكتوبر/تشرين الاولالفائت أن 50 من نواب الحزب الحاكم مستعدون للانضمام إلى حزبه ؛ بيد أنهم لم يفعلوا ذلك إلى الآن لأن نواز شريف لم يتمكن من العودة إلى البلاد.
ومن المثير أن معظم أعضاء حزب الرابطة جناح القائد الأعظم من حزب الرابطة جناح نواز. وقد انحرفوا إلى مشرف وكونوا حزبًا جديدًا خلال الانتخابات الماضية عام 2002 م. وقد ذكر أحد أبرز قيادات حزب الرابطة لهذا الكاتب قبل أشهر، ردًا على سؤال حول قبول الحزب بالمنحرفين والمنشقين عنه، بأن الحزب سينظر في وضع كل منشق على حدة؛ فإذا اقتنع بأنه انضم إلى حزب مشرف تحت ضغوط وعلى الرغم من أنفه فإن الحزب سيرحب به، بينما لن يكون لكل من أساء إلى الحزب أي مكان للعودة إليه.
كما أن عودة نواز شريف سيقلل من الضغوط الخارجية على مشرف حيث سيتمكن من القول للعالم بأنه لم يميز بين زعيم وزعيم بل وفر للجميع فرصة لخوض الانتخابات. أما على الساحة الداخلية وعلى افتراض مشاركة المعارضة في الانتخابات، فإن لتواجد نواز شريف في البلاد سيكون أثر كبير على الساحة السياسية حيث من الممكن أن يستقطب شعبية كبيرة لحزبه؛ لأن حزبه يعاني من قلة زعماء معروفين على مستوى البلاد.
أضف إلى ذلك أن الانتخابات إذا كانت حرة نزيهة فمن الممكن أن ينهض حزبه كثاني أكبر حزب في البلاد إذا لم يكن الأول. وبذلك سيكون دوره دور اتزان بين القوى السياسية.
على صعيد آخر، قد أشارت بينظير بوتو إلى عدم ثقتها بالحكومة الانتقالية التي ستشرف على الانتخابات المقبلة مضيفة أن مقاطعة الانتخابات لايزال يمثل خيارا أمام حزبها بيد أن القرار الأخير في ذلك الصدد يتوقع قريبًا. أما نواز شريف فإنه يقول باستحالة إجراء انتخابات نزيهة حرة في الوضع الراهن كما أن المشاركة فيها سيثير سؤالاً مهمًا على حد قوله: هل ينبغي لنا أن نصبح جزءًا من العملية غير المشروعة التي بدأها الجنرال مشرف؟
إلى ذلك، فإن نواز شريف أكد لـ الأيسوسي أيتد بريس أنه اتصل ببينظير بوتو لبحث موضوع مقاطعة الانتخابات بيد أنه لم ينجح في إقناعها على ذلك إلى غاية الساعة.
ومن هذا المنطلق يبدو أن المعارضة ستشارك في الانتخابات إذا لم تتمكن من اتخاذ قرار موحد على رصيف واحد؛ لأن أي حزب منها لن يرغب في بقائه خارج قبة البرلمان.
وعلى الصعيد الدولي، فإن القوى الغربية لن تفوت أي فرصة للاتصال بنواز شريف وكسبه إلى جانبها، على الرغم من تأييدها لبينظير بوتو وتمهيد طريقها للعودة إلى باكستان كزعيمة quot;معتدلةquot; تتمكن من خدمة مصالحها في المنطقة على غرار الجنرال مشرف الذي لا يزال محبذا لديها مع كل تلك المعارضة التي يواجهها داخل البلاد.