أول زيارة رسمية له تعود للعام 1973
القذافي إلى باريس من دون موكب رسمي

وزيرة فرنسية تنتقد زيارة القذافي لفرنسا

الممرضات البلغاريات يرجئن زيارة الى باريس بسبب القذافي

روايال تبدي صدمتها لزيارة القذافي ولتهنئة بوتين

زعيم يحول السياسة إلى نكتة
القذافي ينصب خيمته في باريس ويدعو إلى اسراطين

قصي صالح الدرويش من باريس: زيارة القذافي الرسمية الأولى لفرنسا تعود إلى عهد الرئيس جورج بومبيدو عام 1973، رئيس الحكومة آنذاك بيير مسمير إنتقل إلى المطار لإستقبال رئيس ليبيا الذي لم يتعد عمره حينها الحادية والثلاثين. اليوم سيتوجه وزير الهجرة والهوية الوطنية بريس هورتفو إلى المطار لإستقبال العقيد القذافي الذي يبدأ زيارة رسمية تستغرق خمسة أيام. زيارة رسمية وليست زيارة دولة، أي لن يكون هناك موكب سيارات للرئيس الضيف في شوارع باريس ولن تفرد أعلام ليبيا على جانبي جادة الشانزيليزيه وبعض المباني الرسمية، وهو ما يجنب السلطات الفرنسية بعض الحرج، خاصة مع تصاعد الإنتقادات لهذه الزيارة المتوقعة منذ زيارة الرئيس ساركوزي إلى طرابلس قبل خمسة أشهر والتي عقبت تحرير الممرضات البلغاريات والطبيب الفلسطيني. منذ ذلك الحين يتوقع بعض المراقبين زيارة القذافي كجزء من الثمن الذي دفعته باريس، ثمن ما زالت لجنة تحقيق برلمانية تحقق لمعرفة حقيقته.

أثناء مثوله نهاية الشهر الماضي أمام لجنة التحقيق البرلمانية المكلفة بكشف ملابسات تحرير الممرضات أكد مستشار الإيليزيه الدبلوماسي جان دافيد ليفيت أن زيارة محتملة للعقيد لم تدخل ضمن المفاوضات الخاصة بهذه القضية، تأكيد ناقضته أمام نفس اللجنة أقوال مارك بيريني الممثل السابق للاتحاد الأوروبي في ليبيا الذي أعلن أن العنصر الحاسم في تحرير الممرضات كان استعداد فرنسا لفتح حوار حول الشق الذري، حوار أساسي بالنسبة للعقيد.

تصريحات القذافي في لشبونة لم تساهم في تهدئة حملة الانتقادات الخاصة باستقبال باريس. وإذا بقيت لغة الصحافة مهنية وموزعة بين من يجد أن فرنسا تفرش السجاد الأحمر تحت أقدام رئيس ليبيا وبين من يجد أن عدم اعتمادها زيارة دولة يعكس حرجًا حكوميًا، فإن أصوات المعارضة جاءت حادة وشديدة الحدة أحيانًا بدأها الفيلسوف اليهودي برنار هنري ليفي الذي أعرب عن غضبه من أن يقوم بلد حقوق الإنسان... quot;بدعوة إرهابي كبير وخاطف رهائن مثل القذافي إلى زيارة دولةquot;، مضيفًا أنه لا يتفهم ما تردد عن أن القذافي سيزور ضريح الجنرال ديغول أثناء الزيارة. من جانبه ندد فرنسوا بايرو بما وصفها زيارة quot;معيبةquot; لفرنسا، أما سيجولين رويال فرأت أن المنطق التجاري يغلب على المبادئ الفرنسية وأن الواقعية السياسية تتحول إلى quot;صفاقةquot;. المنطق التجاري أو حجم العقود مهما بلغ لا يبرر زيارة quot;ديكتاتورquot; رأى شريكها السابق وأمين عام الحزب الاشتراكي فرنسوا هولاند... في مواجهة هذه الحملة، رد الحزب الساركوزي على لسان تييري مارياني المكلف بالعلاقات الدولية الذي أعرب عن دهشته من ردود الأفعال السريعة والمبالغ فيها من قبل ممثلي المعارضة البرلمانية وبعض المثقفين الباريسيين، مطالبا أن يلقى القذافي الاحترام نفسهالذي يتوجب يلقاه الرئيس الفرنسي خارج بلاده.

الانتقاد في فرنسا حالة شبه عادية عندما تستقبل ضيوفا مثيرين للجدل أو حتى عندما يزور رئيسها دول مثيرة للجدل، كما كان الحال عندما زار ساركوزي الصين أو روسيا، فمع ساكن قصر الإيليزيه الجديد يبدو أن منطق الصفقات هو السائد. الأكيد بشأن زيارة العقيد، التي تأتي بعد سنوات العزلة واتهامات الإرهاب، أنها تفتح أمام طرابلس طريق الدبلوماسية الدولية عبر بوابة باريس، وهو ما لم ينكره المتحدث باسم الايليزية دافيد مارتينون الذي أشار إلى quot;مرحلة ذات دلالة في عودة ليبيا التدريجية إلى أحضان الجماعة الدوليةquot;. باريس تذكر بأن دولا غربية أخرى تبادلت الزيارات مع ليبيا وأن هذه الأخيرة استعادت الاحترام عبر تخليها عن برنامج أسلحة الدمار الشامل وإدارة ظهرها للإرهاب وتحرير الممرضات. مارتينون كذب شائعة مفادها أن طائرة إيواكس ستحلق فوق سماء العاصمة الفرنسية خلال إقامة العقيد. من جانبه، أعلن ساركوزي أن لا مبرر لديه كي لا يستقبل القذافي وأنه سعيد بذلك، منوها بأن مثل هذه الزيارة كفيلة بإقناع بعض الدول مثل إيران بفائدة التقارب مع الجماعة الدولية.

وإذا كانت الانتقاد حالة شبه عادية في فرنسا، فالجديد هو أن تصدر عن الضيف المثير للجدل تصريحات تزيد المنتقدين شراسة قبل يومين من وصوله، وهو ما حدث مع القذافي الذي أعلن من لشبونة أن من الطبيعي لجوء الضعيف إلى الإرهاب. وكان قد طالب قبلها بتعويض الدول التي خضعت للاحتلال عن المرحلة الاستعمارية. وإذا كان المطلب الثاني قد استوقف العديد من المراقبين ورأى فيه البعض صراحة تقابل صراحة الأوروبيين المطالبين بالديمقراطية في أفريقيا، فإن التصريح الأول أثار استياء عاما.

على أية حال، القذافي وساركوزي سوف يلتقيان غدا في اجتماع أول نهارا ثم على حفل عشاء، قبل أن تجمعهما جلسة عمل ثانية يوم الأربعاء. المؤكد وفقا للمتحدث باسم الرئاسة أن خيمة ستنصب في حدائق قصر ماريني المقر الرئيسي لكبار ضيوف الدولة وذلك بناء على طلب القذافي الذي سيستقبل ضيوفه فيها. الأكيد أيضا أن ساركوزي لن يزور الخيمة التي زارها في ليبيا أما في فرنسا فهو الذي يستضيف، كما أشارت نفس المصادر. وعلى جدول أعمال القذافي الفرنسي لقاء مع رئيس البرلمان برنار اكواييه، ولقاء مع ممثلي أصحاب العمل وآخر مع شخصيات نسائية وربما لقاء في فندق الريتز مع بعض الشخصيات الثقافية، كما سيعطي القناة التلفزيونية الثانية العامة حديثا قبل أن يختم زيارته بجولة في قصر فيرساي القريب من باريس. على أي حال قد يخض البرنامج للتعديل، خاصة وأن إعلانه تأخر نسبيا، فهناك تخوف من تقلب مزاج العقيد الذي نقلت الصحافة عن مقربين من ساركوزي وصفه بأنه quot;أوريجينالquot;.

أما على مستوى العقود التي قد لا تهدئ من غضب المنتقدين، فقد تصل قيمتها إلى ثلاثة مليارات يورو، وفقا لما نشرته صحيفة لوفيغارو نقلا عن لسان سيف الإسلام القذافي الذي أكد أنها ستشمل طائرات ارباص ومفاعل نووي لتحلية مياه البحر وربما طائرات رافال المقاتلة التي لم تفلح فرنسا في بيعها إلى الخارج أبدا. دافيد مارتينون نفى وجود محرمات فيما يخص بيع السلاح quot;لا يوجد حظر بيع سلاح على لبيياquot; علما بعض الشركات منها داسو وتاليس وقعت عقودا لصيانة طائرات ميراج الجاثمة على أرض المطارات الليبية بسبب افتقاد قطع الغيار منذ كانت طرابلس تحت حظر بيع السلاح.

يشار إلى أن جاك شيراك زار ليبيا قبل ثلاث سنوات إثر قرار طرابلس تسوية التعويضات الخاصة بضحايا طائرة quot;يوتاquot; التي أسقطت عام 1989 والتي سممت العلاقة بين البلدين سنين طويلة. أما أول لقاء جمع ساركوزي بالقذافي فكان عام 2005 عندما توجه هذا الأخير إلى ليبيا بصفته وزيرا للداخلية كي يبحث ملف مكافحة الإرهاب مع المسؤولين فيها. منذ ذلك الحين والعلاقة الثنائية بين البلدين تشهد تحسنًا مضطردًا يسمح للمتحدث باسم الرئاسة الفرنسية التعويل على توقيع عدد كبير من الاتفاقات التجارية في قطاع الطاقة والذرة والزراعة والصحة والتسلح. سياسيا ساركوزي يعول على دعم القذافي لمشروع الاتحاد المتوسطي، وهناك اتفاقات ذات طبيعة سياسية وإدارية مع معهد العالم العربي والمعهد الوطني للسمعيات البصريات ومتحف اللوفر.

بعض المراقبين يقدرون حجم quot;الدورادوquot; العقود الليبية بنحو مائة مليار دورا سيتم استثمارها في البنى التحتية من مطارات وطرق وفنادق وغيرها... حصة ولو بسيطة منها تدفع بانتقادات الغاضبين من الزيارة في زمن العولمة والاقتصاد.