الياس يوسف من بيروت : توقع تقرير دبلوماسي مصدره واشنطن وورد إلى بيروت أخيرا أن تتغيب قطر وليبيا عن القمة العربية التي ستنعقد في الرياض في 28 و29 من آذار / مارس الحالي ، وأشار إلى أن قطر استقبلت المندوب السعودي الذي حمل إلى أميرها الدعوة إلى القمة لكنه اعتذر عن المشاركة فيها لانشغاله باستقبال رئيس إحدى الدول الآسيوية، في حين رفض الرئيس الليبي معمر القذافي استقبال وزير الدولة السعودي الدكتور مساعد العيبان ، مما يؤشر إلى استمرار العلاقات السلبية بين ليبيا والمملكة العربية السعودية .

ورافق الموقف السلبي الليبي، على ما يلاحظ التقرير، دورا quot;مشاغباquot; في اليمن إلى جانب دور إيران التي اعترفت بأن مراجع دينية فيها تدعم الحوثيين ، في حين تتحدث الحكومة اليمنية عن أطراف عربية واقليمية متورطة في دعم quot;التمرد quot; وتؤكد ان لديها quot;أدلة quot; على ذلك، تاركة مجال التلميح لصحافتها وبعض مسؤوليها في الحديث عن تورط quot;ليبيquot; بهدف توجيه عمليات quot;إرهابيةquot;، مع الإشارة إلى وجود يحيى الحوثي شقيق قائد التمرد في محافظة صعدة عبد الملك الحوثي في ليبيا. وفي الوقت نفسه سجل التقرير
استمرار الحملة ضد المملكة العربية السعودية داخل إفريقيا على مختلف الأصعدة. وينقل التقرير عن مصادر متابعة ومطلعة في واشنطن أن المملكة تحرص على إنجاح القمة التي ستستضيفها، رغم أن غالبية مؤتمرات القمة العربية لم تكن منتجة عملياً، وهي ستظهر حشداً عربياً يؤكد وحدة الموقف في الشكل على الأقل من القضايا والتحديات المطروحة على العرب، حتى لو كانت ترجمة هذه الوحدة في الموقف شبه مستحيلة على ارض الواقع. وفي هذا الإطار سيحضر القمة الأمين العام الجديد للأم المتحدة بان كي مون وربما زعماء وقادة دول غير عربية. وتوقع التقرير أن يسعى الرئيس المصري حسني مبارك إلى عقد قمة ثلاثية تضمه مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس السوري بشارالاسد تسبق انعقاد قمة الملوك والأمراء والرؤساء العرب، وأشار إلى أن القمة تأتي نتيجة انفراجات في المناخ الاقليمي بعد الابواب التي فتحت بين السعودية وسورية على خلفية دعوة الرئيس السوري بشار الاسد للمشاركة فيها وتأكيده مشاركته فوراً، كما أن القمة تنعقد بعد دعوة سورية وايران للمشاركة في المؤتمر الدولي حول العراق بدعوة من الولايات المتحدة في العاشر من آذار/مارس الحالي.

ويؤكد التقرير أيضاً أن المملكة السعودية عازمة، في ظل تنامي الدور الايراني في الشرق الأوسط ، على ارساء معالم نظام عربي جديد يكون للسعودية فيه دور الرعاية لا الوصاية، للموازنة مع الدور الايراني، ولمنع العبث بأوضاع الدول العربية، ونقل تجربة الحرب الباردة العالمية بين الجبارين الولايات المتحدة الاميركية والاتحاد السوفياتي الى الحرب الباردة الاقليمية بين المملكة العربية السعودية وايران. وذلك باعتبار أن هذه الطريقة هي الوحيدة لردع الجمهورية الإسلامية في إيران من التمدد واقامة مواقع نفوذ لها، لأن الدور الأحادي يغري ايران بمواصلة توسيع رقعة نفوذها وتكبير دورها الاقليمي، في حين أن الدور الثنائي سيضعها عند حدها، ومن أبرز فاعيله تثبيت الاستقرار في المنطقة ودولها باعتبار ان أي خروج عن هذا الستاتيكو الجديد يهدد باندلاع حرب شاملة لا مصلحة لإيران ولا لغيرها فيها.

ويضيف التقرير ان اتفاق مكة بين الفلسطينيين الذي كرس المرجعية السعودية عربيا ودوليا وشكل نجاحا فلسطينيا داخليا بوقف حمام الدم واطلاق التسوية السياسية، لن يكون انجازا يتيما كما كان عليه quot;اتفاق الطائفquot; الذي أنهى حرب لبنان أواخر ثمانينات القرن الماضي، لأن الظروف الدولية والاقليمية التي رافقت ولادة ذلك الإتفاق اختلفت بكل المعايير والمقاييس، وبات دور المملكة حاجة دولية عموما ، بعد العجز الاميركي في مقاربة ملفات المنطقة، مما يدل على ان الحلقة الفلسطينية هي سلسلة من ضمن حلقات مترابطة لن تتأخر عوامل انضاجها الواحدة تلو الأخرى . وما حصل في فلسطين سينسحب على لبنان ثم على العراق، من دون اغفال ما يعترض هذه المسيرة من معوقات وعوامل تفجير.

وينقلل رايس وجهة نظر لمحللين في شأن الدور السعودي المتنامي في المنطقة ، مشيراً إلى أنه لا يتبنى وجهة النظر هذه ، ومفادها أن الولايات المتحدة تعترض على عدد من المواقف والمساعي الم السعودية، وعلى التلاقي الايراني - السعودي حول ضرورة تفادي الفتنة الشيعية- السنية. في المنطقة ، مما يفسر إلتقاء الوزيرة كوندوليزا رايس ورئيس الحكومة الإسرائيلية إيهود أولمرت على quot;الإستياءquot; من الرئيس الفسطيني محمود عباس لموافقته على quot;اتفاق مكةquot; ولقائه تحت الرعاية السعودية خالد مشعل من quot;حماسquot;. وكذلك توجه أولمرت إلى عباس بالقول: quot;لقد خنتنيquot;. باعتبار أن المطلوب اسرائيليا، هو حرب أهلية فلسطينية بين فتح وحماس.

ويضيف أصحاب هذه النظرة: لا شك ان المملكة العربية السعودية بشخص خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله حذرة من السياسات الاميركية، رغم انها quot;حليفةquot; الولايات المتحدة. فالقيادة السعودية لا تريد ان تكون طرفا في المواجهة الأميركية- الايرانية، ولا تريد للعالم العربي والاسلامي ان يتمزق في مواجهة سنية- شيعية.

ويشدد التقرير على أن اتفاق مكة الذي يعد انتصارا للمملكة السعودية التي نجحت حيث فشل الآخرون . وبهذا الانجاز الذي تحقق برعاية الملك عبدالله بن عبد العزيز وتحت اشرافه المباشر، تكون السعودية امتلكت عمليا الورقة الفلسطينية وباتت الطرف الاقليمي صاحب النفوذ والتأثير على الساحة الفلسطينية، مع ما يترتب على ذلك مستقبلا من دور سعودي أساسي في عملية السلام وعلى المسار الفلسطيني خصوصا.

وبهذا الانجاز تكون السعودية أعطت اشارة جديدة ومتقدمة الى انها في صدد تغيير نوعي في سياستها الاقليمية وفي الأنماط والأساليب المعتمدة، بحيث انها تخلت عن التحفظ وعدم التدخل في النزاعات والملفات الاقليمية، وتتجه الى انتهاج سياسة هجومية مبادرة تقوم على الوضوح والحيوية والحسم. وهذا ما يجعل ان السعودية أضحت لاعبا اقليميا أساسيا وبمثابة quot;الرقم الصعبquot; الذي لا يمكن تجاهله او اسقاطه في أي معادلة شرق أوسطية وأي نظام أمني سياسي جديد للمنطقة.

في هذا الإطار يلاحظ ان السعوديين ينشطون في هذه الفترة بشكل غير اعتيادي، وقد حزموا أمرهم مستشعرين خطورة المرحلة في المنطقة، وها هم يحاورون ايران ويهتمون بمسألة الصراع بين السنة والشيعة وبالملف النووي الايراني وبالملف العراقي وبالوضع في فلسطين ولبنان، توصلاً إلى وقف تفاقم الصراعات ووقف الانزلاق الى حروب أهلية.
وفي هذا الوقت يرى محللون اميركيون ان إحدى نتائج قرار ادارة الرئيس جورج بوش الأخير، تقسيم الشرق الاوسط الى quot;متطرفينquot; و quot;معتدلينquot;، هو تهميش الدبلوماسية الاميركية في المنطقة. فالادارة ترفض التحدث الى quot;المتطرفينquot; مباشرة، ايران وسورية وحزب الله وحركة حماس، ولكن تلك الحكومات والجماعات موجودة في جوهر كل نزاع، بدءا من العراق الى قطاع غزة، فكان أن تقدم أحد اللاعبين الأساسيين في المنطقة من quot;المعتدلينquot; وهو المملكة العربية السعودية إلى الدور الأبرز وملء الفراغ.