بذكاء سعودي وإجماع عربي
القمة أحرجت إسرائيل ووضعتها على الصراط
خلف خلف من رام الله: هدوء مصحوب بحذر، تصريحات تخرج من هنا وهناك ولكنها غير متماسكة، رئيس وزراء لم يخرج للتعقيب، بهذه الميزات اتصف الموقف الإسرائيلي حيال ما صدر من نتائج عن القمة العربية التي وضعت بيانها الختامي اليوم الخميس. وبخلاف القمم السابقة فقد اتبعت تل أبيب تجاه هذه القمة التي احتضنتها الرياض إستراتيجية الغموض الدبلوماسي، حيث أنها كانت تتأنى في إصدار أي تصريح رسمي، مكتفية بالتنويه بأنها مع السلام ولكنها في الوقت ذاته ضد الإملاءات في إشارة منها بشكل مباشر للمبادرة العربية التي اقرها الزعماء العرب في قمة بيروت عام 2002، واتفقوا على تفعيلها بالقمة الحالية.
الخبير الاستراتيجي الإسرائيلي الوف بن كانت له قراءة أخرى للجهود السعودية المبذولة من أجل السلام، فهو يرى أنه يتوجب على السعوديين أن يُرفقوا مبادرتهم بإرسال رسائل واضحة ومطمئنة للشعب الإسرائيلي من اجل ترجيح كفة المؤيدين للتفاوض.
ويقول بن: quot;النصوص السياسية تتصف بكثرة المعاني، وكل واحد يستطيع أن يقرأها ويفسرها حسب رغباته. مبادرة السلام العربية (quot;المبادرة السعوديةquot;) التي ستحصل على المصادقة مرة أخرى اليوم في قمة الرياض، ليست خارجة عن هذه القاعدة. اليمين الإسرائيلي يعتبرها مؤامرة خداعة لتقليص حجم إسرائيل وإغراقها بملايين اللاجئين الفلسطينيين، أما اليسار فيعتبرها انبعاثا جديدا لعملية السلام وفرصة لإنهاء الصراع.
أولمرت وليفني يجلسان على الجدار
quot;رئيس الوزراء ووزيرة الخارجية، كعادتهما، يجلسان على الجدار مع الميل نحو اليمين. أيهود اولمرت وتسيبي لفني يجدان فيها quot;أسسا ايجابيةquot;، إلا أنهما يرفضان جوهرها من خلال إصرارهما على رفض التفاوض حول التسوية الدائمة مع الفلسطينيين واستئناف المفاوضات عبر المسار السوري. اولمرت كان سيكون مسرورا لو تلقى دعوة لقمة إقليمية على أمل أن تُحسن صورته إلى جانب ملك السعودية وأمراء الخليج، وضعه المتردي في استطلاعات الرأي وتخفف من وقع الضربة المتوقعة من خلال تقرير لجنة فينوغراد الأولي، إلا أن ثمن الدخول يبدو في نظره باهظا جداquot;، كما يقول بن في مقال له نشر على صدر صحفية هآرتس اليوم الخميس.
ويقول: quot;وفي العربية أيضا يمكن تفسير المبادرة السعودية بعدة أشكال. البعض يعتبرها وثيقة تكرس المواقع التقليدية في العملية السياسية، وترى في كل خروج عنها تنكرا للإجماع العربي وإملاء جبروتيا على إسرائيل التي ستبرز في صورة الرافض إذا لم تقبل المبادرة على علاتها. وربما العكس: يمكن أن تعتبر رسالة من المعتدلين العرب لإيران حتى لا تتدخل في الصراع الإسرائيلي - الفلسطيني، واقتراح صادق لمصالحة إسرائيل وقبولها عضوة متساوية الحقوق في المنطقة.
أما الكاتب الصحفي جيم هوغلاند فقد كتب في صحيفة quot;واشنطن بوستquot; بالأمس أن الملك السعودي عبد الله كان قد ألغى بصورة مفاجئة زيارته الرسمية للرئيس بوش، كما كان مزمعا في السابع عشر من نيسان. الإلغاء فُسر كانسحاب من quot;محور المعتدلينquot;، وتقربا من السعودية لإيران وحماس على خلفية أُفول نجم إدارة بوش سياسيا.
رفضوية وأغلبية للتفاوض والتسوية
في ظل هذه الظروف يجدر تقليص التوقعات من الزيارات لقصور جدة وجولات المشتريات في دبي والتركيز على الأمر الجوهري: إذا كان السعوديون يريدون إحداث تغيير حقيقي، والتقدم نحو إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في المناطق، وإقامة دولة فلسطينية، فان عليهم أن يضعوا مبادرتهم في جوهر الجدل السياسي في إسرائيل.
ويقول بن من ناحيته: quot;رفضوية اولمرت الحالية ترتكز على الإجماع الواسع في إسرائيل بعدم وجود شريك، أو شيء للتفاوض حوله. استطلاعات كثيرة أُجريت في السنوات الأخيرة أظهرت وجود أغلبية مؤيدة للتفاوض والتسوية، إلا أن هذا التأييد لا يُترجم إلى قوة سياسية فاعلة. الساحة السياسية واقعة تحت سيطرة أحزاب quot;اللاشريكquot;، كديما والليكود، مع دعم من حركة شاس والمتقاعدين وافيغدور ليبرمان. مواقف الرئيس الحالي لحزب العمل لا تعني الجمهور، وميرتس ملتزمة بتحالفها منذ سنوات مع فتح ومحمود عباس وغارقة معها إلى الأسفل.
ومضى بن قائلا: quot;بإمكان السعودية أن تؤثر على تغيير الديناميكية الداخلية في إسرائيل إذا طرحت بديلا مقنعا لسياسة الوضع الراهن التي يتبعها اولمرت وبنيامين نتنياهو. إذا مدت يدها للإسرائيليين المؤيدين للتسوية السياسية ووفرت لهم شريكا عربيا موثوقا فستقدم خدمة ضخمة لعملية السلام واستقرار الشرق الأوسط. بإمكان المبادرة السعودية أن تحتل موقع الصدارة في المعركة السياسية القادمة في إسرائيل، وأن تطرح على الناخبين خيارا بين استئناف العملية السياسية وبين تكريس الوضع في المناطق.
تفويت الفرصة الأخيرة للسلام
quot;لهذا السبب سيكون على السعوديين أن يعززوا التفسير الايجابي لمبادرتهم ودحض الادعاءات بأنها مؤامرة لإبادة إسرائيل. سيكون عليهم أن يوضحوا بطريقة مقنعة بأن بنود المبادرة ليست مقدسة، وإنما هي أساس للتفاوض الدبلوماسي الذي يتضمن حلولا مرنة مثل تبادل الأراضي وتأهيل اللاجئين. سيكون عليهم أن يعترفوا بأن مسؤولية الصراع وتكريسه ليست ملقاة على كاهل إسرائيل وحدها، كما أعلن القادة العرب في قمة بيروت، وإنما هي مسؤولية مشتركة بين الجانبينquot;، كما يقول الخبير الإستراتيجي الإسرائيلي الوف بن.
والذي اختتم مقاله بالقول: quot;ولكن إذا اكتفى السعوديون بالبيان الإعلامي في ختام القمة وعادوا إلى الانغلاق في قصورهم - فسيُفوتون من جديد فرصة إحداث التغيير في المنطقة ويظهرون في صورة من يسعى إلى رفع العتب من خلال عبارة سلام غير ملزمة.






التعليقات