أسرار تنحيه عن رئاسة الحكومة العراقية (1/5)
الخصوم أرغموا الجعفري على التنحية ليتبرأوا من الديمقراطية

أسامة مهدي من لندن:تبدأ quot;ايلافquot; اليوم بنشر مذكرات على خمس حلقات كتبها الدكتور سليم الحسني مستشار رئيس الوزراء العراقي السابق ابراهيم الجعفري، حول أسرار تنحية هذا الأخير عن ترشحه للمنصب من جديد بعد فوزه بإنتخابات داخل الإئتلاف العراقي الشيعي الموحد لإختيار مرشحه للمنصب، وذلك بعد فوزه في الإنتخابات العامة التي جرت أواخر عام 2005 وهو التنحي الذي جاء نتيجة ضغوط داخلية وخارجية ومحاذير من إقتتال شيعي شيعي.

الجعفري وعبدالمهدي

وفي الحلقة الأولى التي تنشرها quot;ايلافquot; اليوم بالتزامن مع موقع (الملف www.almelaf.com) على الإنترنت، ويتولى الحسني رئاسة تحريره حاليًا، يوضح الحسني أن الجعفري كان في تلك الفترة يستند إلى قوة الدستور والشارع والديمقراطية وهي عناصر قوة لم تتوفر لسواه، في حين كان خصومه يقفون في وجه ذلك كله، مما يعني أن الحسم سيكون لصالحه وأن على خصومه أن يعلنوا البراءة من الديمقراطية قبل أن يجبروه على التنازل.

يذكر أن الحسيني عايش تفاصيل ملابسات الترشيح خلال الأيام التي امتدت من شهر شباط (فبراير) من العام 2006 حين فاز الجعفري بالترشح لتشكيل الحكومة الجديدة في مواجهة منافسه عضو قيادة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية عادل عبد المهدي... وحتى نيسان (أبريل) من العام نفسه حين اتخذ قراره بالتنحي مرغمًا.

ويقول الحسني إنه سيمر وقت طويل حتى يكتب تاريخ العراق، وإن أول ولادة ديمقراطية قتلت بأيدي العديد من ساسة العراق الجدد. ويضيف إنه بعد أربع سنوات من التغيير، فإن في العراق فساد إداري يفوق ميزانية العديد من الدول وإقتتال داخلي جهدت أجهزة الإعلام أن تمنع عنه صفة الحرب الأهلية وإقصاء علني للطاقات والكفاءات العراقية زرعَ اليأس في نفوس علماء العراق وأعادهم ثانية إلى الهجرة وتقييد غير مسبوق لحركة رئيس الوزراء بحيث صار الوزير أكثر قوة منه.

ويؤكد الحسني أن اطرافًا عدة تجمعت ضد الجعفري نظرًا لازدياد شعبيته، وقد إتفقوا على أن يصاغ الدستور بطريقة تحرم الجعفري من الوصول إلى الرئاسة عن طريق الإنتخاب المباشر... وبدل أن يصاغ الدستور الأول في العراق الديمقراطي بطريقة موضوعية بعيدًا عن أي إعتبارات أخرى فإن العامل الذاتي والتنافسات الشخصية تركا بصمة كبيرة عليه، والتي لن تزول بسهولة، وكان المستهدف منها الجعفري دون سواه... و كانت هذه هي الطعنة الأولى التي تلقاها... ثم توالت الأخريات... وهنا نص الحلقة الأولى كما كتبها سليم الحسني :

واشنطن لدفع الامم المتحدة الى زيادة التزامها في العراق

الجيش الأميركي يستخدم الألعاب الحربية على الإنترنت لتجنيد الشباب

تقرير: 2006 الاكثر دموية بالنسبة للصحافيين

الحلقة الأولى من أسرار تنحية الجعفري:
فوجئ الشعب العراقي بقرار الدكتور إبراهيم الجعفري التنحي عن ترشحه لمنصب رئاسة الوزراء عن كتلة الإئتلاف، بعد فترة من التجاذبات كانت هي القضية الأولى في العراق.
جاء إعلان الجعفري مفاجئًا على غير ما توقعه الشارع العراقي، فقد كان يمتلك نقاط قوة كثيرة، أبرزها شعبيته الطاغية، والحق الدستوري الذي يقف إلى جانبه، وكذلك كافة آليات العملية الديمقراطية.
كان الجعفري في تلك الفترة يستند إلى قوة الدستور والشارع والديمقراطية، وهي عناصر قوة لم تتوفر لسواه، في حين كان خصومه، يقفون في وجه ذلك كله، مما يعني أن الحسم سيكون لصالحه، وأن على خصومه أن يعلنوا البراءة من الديمقراطية، قبل أن يجبروه على التنازل.

لكن هذه الحقائق بدل أن تأخذ طريقها إلى البرلمان، تلاشت فجأة وتحولت إلى حسرة في نفوس أبناء الشعب الذين إنتظروا أن يلقي الجعفري خطاب القسم الدستوري، معلنًا تشكيل أول حكومة دائمة وفق الدستور العراقي. لم تتجسد الحقيقة، إنما ولدت بدلها الرغبة المتحدية للديمقراطية، وهكذا سارت الأمور.

دعاة الديمقراطية يقتلونها
سيمر وقت طويل حتى يكتب تاريخ العراق أن أول ولادة ديمقراطية قتلت بأيدي العديد من ساسة العراق الجدد، والذي يدعوني إلى تقدير أنه وقت طويل، لأن العراق لا يزال حتى اللحظة وبعد مرور أربع سنوات على التغيير، لم يتقبل بعد فكرة الرأي الحر والكلمة المتحررة من الحصار، هكذا هي الصورة في الكثير من الأوساط السياسية ذات السطوة والسلطة... إنه موروث ثقيل ضارب في التفكير والمزاج والقناعة والعقل، ولا يكفي أن يزول النظام الدكتاتوري لتزول آثاره بسرعة، كما لا يكفي أن يتم الإعلان عن نظام ديمقراطي لتتحول الممارسات إلى الديمقراطية فورًا، فلا تزال حرية التعبير وقول الحقيقة محرمة في أجواء إسلامية وعلمانية، ولا يزال كاتب الحقيقة متهمًا، بل لا تزال هناك تهم جاهزة مخزونة، توزع على الراغبين في قول الحقيقة، والتعبير عن آرائهم بحرية.

سيمر وقت أطول حتى تكتشف القوى الكبرى، أن بناء الديمقراطية في مجتمعات أدمنت العيش في ظل الديكتاتورية، عملية شاقة متعبة، تحتاج إلى صبر يقاس بالسنين لا بالشهور، وأن مرحلة من المران الديمقراطي لا بد أن تكون هي البداية قبل أن يسمحوا لها بحمل بطاقة الديمقراطية.
ففي التجربة العراقية، بدأت الديمقراطية صباح اليوم التاسع من نيسان (أبريل) 2003 وكانت صورتها الأولى فوضى عارمة، عبر الكثير من الناس عن فرحتهم بالعهد الديمقراطي من خلال إقتحام مباني الدولة ودوائرها، ونهب كل ما يمكن حمله. وستبقى عالقة في الذاكرة مشهد الشاب الذي حمل إطار شباك أحد الدوائر وخرج يغمر وجهه السرور بالعهد الجديد، كما ستبقى عالقة في الذاكرة صورة الهجوم على المتحف العراقي وسرقة التاريخ كله.

سيمر وقت طويل جدًا حتى يقتنع الكثيرون أن أخطاءً بسيطة يمكن أن تتراكم لتتحول إلى معضلة هائلة تجر الشعب إلى كوارث تفوق بأضعاف مضاعفة ثمن الديمقراطية نفسها. ففي الحالة العراقية صدرت قرارات ومواقف وإجراءات، أدت الى تحويل الدولة إلى أجزاء مقطعة، يتقاسمها الأطراف ضمن مبدأ المحاصصة الذي تحول إلى أكبر القوانين في تاريخ العراق، وأكثرها نفوذًا وتقديسًا، حتى أكبر من الدستور نفسه، وأكثر رواجًا من الديمقراطية نفسها. قانون ولد في أيام، وسيبقى حاكمًا لسنوات قادمة، أما آثاره فقد تركت على وجه الديمقراطية تشوهات فظيعة، يحزن من ينظر إليها.

وجاءت نتائجه سريعة: فساد إداري يفوق ميزانية العديد من الدول، إقتتال داخلي جهدت أجهزة الإعلام أن تمنع عنه صفة الحرب الأهلية، إقصاء علني للطاقات والكفاءات العراقية زرعَ اليأس في نفوس علماء العراق وأعادهم ثانية إلى المهاجر، تقييد غير مسبوق في دول العالم لحركة رئيس الوزراء بحيث صار الوزير أكثر قوة منه، وأمور أخرى كثيرة يدركها المواطن ويعاني منها، ثم يمني النفس بيوم سيأتي يخلص فيه من عذابات اليوم... عادة ٌ موروثة عند العراقيين يقاومون بها اليأس.

الجعفري الأكثر شعبية
سيسجل تاريخ حزب الدعوة الإسلامية أن الدكتور إبراهيم الجعفري كانت له مبادرة إدخال حزب الدعوة في العملية السياسية في العراق الجديد، فمنهج الحزب المحافظ والمتحفظ، كان على الأرجح سيمنعه من الاشتراك في مجلس الحكم، ويجعله يمضي في منهجه السابق، لا سيما وأن حزب الدعوة قد إتخذ قرارًا صارمًا بعدم الإشتراك في مؤتمر لندن قبل سقوط نظام صدام، وقد أعلن السفير الأميركي السابق في بغداد خليل زاد، أن من يقاطع مؤتمر لندن لن يجد لنفسه مكاناً في عراق ما بعد صدام حسين.

كان قرار حزب الدعوة بعدم الاشتراك في مؤتمر لندن (للمعارضة العراقية عام 2002) له مبرراته الموضوعية، ويعبر عن موقف وطني، يرفض تعريض العراق للإحتلال. ورغم أنه المتضرر الأكبر من نظام صدام حسين، إلا أنه لم يشأ أن يشترك في مشروع دولي يضع العراق تحت الإحتلال، وهو الحزب الذي تأسس وناضل على مدى عقود عديدة من أجل كرامة العراق وكرامة المواطن.

لكن هذه الرؤية لم تكن تروق للولايات المتحدة التي كانت بحاجة إلى أكبر حشد عراقي ودولي وإعلامي لدعم حربها على العراق.
راهن بعض الزعماء السياسيين على أن حزب الدعوة قد أنهى مستقبله السياسي بعدم حضوره في مؤتمر لندن، ونظروا إليه على أنه حزب سيقضي حياته على الهامش، وكادت تلك النظرة أن تتحول إلى حقيقة لولا مبادرة جريئة من الدكتور إبراهيم الجعفري في الأيام الأولى، حيث عاد إلى العراق يوم 27 نيسان 2003 مع عدد محدود من مساعديه كان منهم الصديق عدنان جواد الذي شغل منصب مسؤوله الأمني فيما بعد، والصديق إياد النداوي الذي أصبح سكرتيره الخاص، والصديق عدنان الأسدي وكيل وزير الداخلية الحالي والصديق صادق الركابي مستشار السيد نوري المالكي حاليًا.

الجعفري عاد إلى بغداد ليسقط رهان موت حزب الدعوة
لم يكن العديد من أعضاء القيادة على قناعة بتحرك الدكتور الجعفري ونشاطه السياسي، إلا أن الجعفري أدرك بأن الإبتعاد عن العملية السياسية سيكلف الحزب ضريبة ثقيلة لا قبل له بها، بل إنه سيجعل تضحياته الجسيمة مركونة في زاوية التاريخ وحده، ستكون مجرد ذكرى يشارإليها في أدبيات الحزب. وقد سبق الدكتور الجعفري بهذا الوعي أكثر الذين رفضوا العملية السياسية ثم أدركوا مؤخرا خطأ الإنعزال عنها فالتحقوا بها أو بدأوا يضعون شروطاً للإلتحاق.

قرار جريء إتخذه الجعفري بالدخول في العملية السياسية، وهو بهذا القرار أسقط رهان الآخرين بأن حزب الدعوة يسير نحو الموت، فعكس التوقعات وأعاده إلى الواجهة.
في تشكيلة مجلس الحكم في، كان الجعفري ضمن هيئة الرئاسة، وتولى منصب أول رئيس له، في فترة الحاكم المدني الأميركي بول بريمر.
حقيقة تأريخية تم تدوينها بأن الجعفري هو أول رئيس للسلطة بعد سقوط نظام صدام حسين.
ورغم أن مدة رئاسة المجلس كانت لشهر واحد فقط، إلا أن الدكتور إبراهيم الجعفري إستطاع أن يحلق عاليًا فتحول بسرعة خاطفة إلى قوة طاغية في الساحة العراقية، وحظي بشعبية كبيرة.
أثارت طريقة إدارة الجعفري لمجلس الحكم، ونشاطه المكثف وطروحاته في تشكيل الحكومة، مخاوف بعض الأطراف، وأدركت أن الرجل يتجه لأن يكون ظاهرة في العراق، وهي مسألة تبعث على القلق في أجواء سياسية حديثة العهد بالسلطة والحكم.
ومما زاد المخاوف أن الأجهزة الأميركية كانت تجري إستفتاءات سرية في محافظات العراق، وكانت النتائج تضع الدكتور الجعفري على رأس قائمة أكثر الزعماء السياسيين شعبية، بما في ذلك محافظة الموصل.
بدأ الجعفري يتحول إذن إلى ظاهرة، وبدأ يأخذ طريقه نحو قمة الهرم السياسي في العراق الجديد.
وكان ذلك بداية تجمع بعض الأطراف للوقوف ضده، وقد إتفقوا على أن يصاغ الدستور بطريقة تحرم الجعفري من الوصول إلى الرئاسة عن طريق الإنتخاب المباشر.
وبدل أن يصاغ الدستور الأول في العراق الديمقراطي بطريقة موضوعية بعيدًا عن أي إعتبارات أخرى، فإن العامل الذاتي والتنافسات الشخصية، تركت بصمة كبيرة عليه، لن تزول بسهولة، وكان المستهدف فيها الجعفري دون سواه. كانت تلك الطعنة الأولى التي تلقاها الجعفري، ثم توالت الأخريات.