كان آخر الحالمين بثوب القرية والخيمة والصحراء
quot;التويجري الكبيرquot; مغادراً .. ورحل quot;حبر المملكةquot; ونهرها

سلطان القحطاني من روما: بمشهده المهيب، وخطواته الوئيدة، وعكازه العاجي، كان الشيخ الراحل عبد العزيز التويجري أمام quot;إيلافquot; في مجلس منزله جوار أحد شرايين العاصمة الرياض، خلال زيارة تحدث خلالها الشيخ الكبير عن ذكريات الزمن الماضي، ورؤى المستقبل القادم، بعد أكثر من تسعة عقود أمضاها في العمل السياسي منذ تأسيس المملكة العربية السعودية.

ويعتبر الشيخ التويجري، الذي غيبه الموت عنا مساء السبت بعد صراع طويل مع المرض، ذاكرة المملكة الحية كونه كان رفيقاً للملوك السعوديين الستة منذ أن قرّبه الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود إليه ودخل إلى دهاليز العمل السياسي والفكري، وهو في السابعة عشر من عمره، حتى أصبح مقرباً شديد القرب من دوائر صنع القرار العليا في المملكة الغنية بالنفط.

وإذ يغادر التويجري الكبير، الموصوف بأنه quot;حبر المملكة ونهرهاquot;، إلى سماوات ربه العُلى، بعد سباحة مضنية في بحر التسعين من العمر عددا، فإنه ينهي مسيرته في العمل السياسي والحياة بعد أن تولى راعيه وملكه المحبب إلى نفسه عبد الله بن عبد العزيز زمام حكم المملكة عقب أن كان ربيبه في جهاز الحرس الوطني الشهير لعقود طويلة مضت.

ولطالما كان الراحل شديد القرب من ملك البلاد عبد الله بن عبد العزيز منذ عدة عقود شهد خلالها المسرح السياسي في المنطقة عددا من العواصف والأعاصير، وشهدت خلالها المملكة الصحراوية كثيراً من التحولات اللافتة على كافة الأصعدة.

ويقول أحد المقربين من العاهل السعودي في تعليق سريع مع quot;quot;إيلافquot; عن علاقة التويجري بملكه quot; لقد كان الملك عبد الله يستمع باهتمام كبير إلى نصائحه واستشاراته، ويثق تماماُ في قوة مخزونه الفكري والثقافيquot;.

ويضيف مفسراً سبب هذا الالتصاق الروحي الكبير من قبل الراحل مع الملك عبد الله quot; إنه كان يجد به شبهاً كبيراً بوالده الملك عبد العزيز الذي طالما كان التويجري يعتبره الرجل الأول الأول والمهم المهمquot;.

وفي ذلك اللقاء الأخير مع المفكر والسياسي المخضرم كان الشيخ التويجري يتحدث أمام quot;إيلافquot;، في جلسة حوار حضرها بضعة من مثقفين سعوديين، عن تطورات الموقف السياسي في العالم العربي ونبوءته الشهيرة عن نوايا الرئيس العراقي السابق صدام حسين حين قال quot;كلاما خطيراًquot; عنه أمام مسئول سعودي كبير.

وعرف عنه منذ بدء بواكير تكوينه الثقافي عدائه الكبير لحزب البعث العربي خصوصاً فرعه العراقي الذي كان سيء السمعة قبل أن تطيح به القوات الأميركية عن كراسي الحكم العليا خلال غزوها البلاد عام 2003.

ورغم سحب الخلاف مع الرئيس العراقي دعا التويجري ndash; فيما بعد- الإدارة الأميركية إلى محاكمة الرئيس العراقي المخلوع صدام حسين، الذي سقط حكمه في التاسع من نيسان(أبريل) عام 2003، ووقع في أسر القوات الأميركية بعد أشهر من تخفيه، محاكمةً عادلة وفق مقتضيات القانون الدولي دون أن تلقى هذه الدعوة أذن صاغية ليتم إعدام صدام بعد سنوات من السجن.

وسئل حينها عن سبب اختياره للصحافي العربي المثير للجدل محمد حسنين هيكل ليكتب مقدمة كتابه عن الملك عبد العزيز، فقال التويجري أن هيكلاً كان، وقت انجاز ذلك الكتاب قبل عدة سنوات، أكثر المنصفين لتاريخ الملك المؤسس عبد العزيز وبالتالي لم يكن هنالك من إشكالية في اختياره ليتصدى للمقدمة.

وقال هيكل حينها عن التويجري أن quot;هذا الرجل محب كبير لملكهquot;.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد من إقرار المثقفين بمدى الحب الكبير الذي يكنه للملك عبد العزيز، صاحب الفضل في دخوله إلى قلب صنع القرار في المملكة السعودية، بل أن مثقفاً عربياً بارزاً هو فؤاد مطر خصص كتاباً كاملاً عقد فيه مقارنة بين quot;الاهتمام الخاصquot; للتويجري بالملك عبد العزيز، وبين اهتمام هيكل بسيرة عبد الناصر وملحقاتها.

وسبق وأن كشف التويجري، أيضا في أحد لقاءاته مع (إيلاف) انه يعد أربعة كتب تتناول قصة حياته التي بدأها قبل أكثر من تسعين عامًا في مدينة المجمعة، البعيدة عن العاصمة الرياض 180كم في الشمال الغربي.

وإلى آخر أيام حياته وذهبيات أوراقه التي ظهرت على هيئة عدد من الكتب المثيرة للجدل كان يعتمل في صدره حنين إلى الأمس الذاهب حيث ثوب القرية البسيط، والخيمة المنصوبة في عراء البيد، والصحراء التي طالما كانت رفيقته في رحلة الولادة الأولى، وعناء السير الأول.