استخدم أساليب صدام حسين للوصول إلى السلطة (1-3)
الملا مقتدى (اتاري)... قصة الصعود على أكتاف الآخرين

زيد بنيامين من دبي*: غالباً ما يدخل إلى مسجد الكوفة حاملاً كفنه على كتفيه لكنه في المقابل، كان أول الهاربينكلما اقتربت السكينة من رقبته في أكثر من مناسبة. إنه صاحب العيون المترددة التي تعكس حال العراقالمتردد اليوم. إنه ببساطة مقتدى الصدر، الذي يتعجب أعداؤه كيف نجا من يدي صدام حسين، فيما يشكر اللهمن أيده لأنهم وجدوا فيه مظلة تحميهم بعد ان باتوا مستهدفين. ففي أعقاب سقوط الرئيس العراقي السابق صدام حسين، تسابق مؤيدو الصدر في quot;إرخاء اللحىquot;بعد أن كانوا يتسابقون في سل السيف على أقرانهم (المترددين) في جيوش الفدائيين. وما ان يستعد مقتدى الصدرلتلاوةخطبته حتى ينادي الآلاف باسم بطلهم الذي يهلّ عليهم من الباب لترتفع هتافاتهم المنددةبأميركاوإسرائيل والإمبريالية (كلا كلا أميركا، كلا كلا إسرائيل، كلا كلا إمبريالية)، فيما لايتوقف حلفاؤهالذين يتابعونه عبر شبكات التلفزةعن التفكير بكيفية استيعاب هذا (الزعيم) المسلح صاحب أشهر المسيرات الجماهيرية والمستعد دائماًلاستعراض عضلاته في الشارع.

ليس هناك فارق زمني كبير بين العامين 2007 و1998،حينما كان يقف اية الله محمد صادق الصدر (والد مقتدى) ليتلوا خطبة الجمعة. إلا أنه لدى المقارنة بين كلماتمقتدى الصدر الضعيفة والعبارات التي كان يخطب بها والده، نجد فارقا بلاغيا واضحاً. والفارق يظهر جليا أيضا في الظروف التي يعيش فيها كل منهما، فمقتدى الصدر يسيطر اليوم على النجف ويفرض الإقامة الجبرية على من يريد، بينما والده كان ضحية للإقامة الجبرية في أكثر من مناسبة.

تعود الجذور السياسية لعائلة الصدر الى سنوات تأسيس العراق الاولى، فجده كان رئيساً للوزراء في العراق في عام 1948. ولم يكن ظهور مقتدى السياسيغريباً على العائلة خصوصا بعد سقوط الرئيس العراقي صدام حسين. وعلى الرغم من تاريخه الطويل في النضال السياسي، إلا أن والده اتهم في أكثر منمناسبة بمحاباة الرئيس العراقي الراحل صدام حسين خلال عقد التسعينات حينما اشتد الخناق الدولي على نظامه.

وتطرح تقارير غربية تساؤلات عدة حول الزعيم الشيعي مقتدى الصدر، اذ تعتبر انهلايريد الخروجمن عباءة والدهخلال هذه الفترة على الأقل،الأمر الذييدفعه لشن حملات عدة للسيطرة على اماكن رئيسية في العراق،وتسميتها باسم أبيهكما جرى في منطقة (الثورة)أو ما كانت تعرف رسميا باسم (مدينة صدام) رغم ان والده التزم الصمت ليسلم وقتها من سكينة السلطة.

وتقول التقارير الغربية إن مقتدى يسمي القوات الاميركية بـ (يزيد)، في إشارة الى يزيد بن معاوية الذي اغتال الإمام الحسن بن علي بعد ان استغل ضعفه تجاه النساء ووعد زوجة الحسن بن عليبالزواج اذا قضت عليه، فدستله السمّفعرف ان يزيد قد اغواها، وحينما طلبت من يزيد ان يفي بوعده بالزواج منها ومنحها المال الذي اتفقا عليه لاغتياله اوفى بجزء من الاتفاق فمنحها المال ورفض الزواج بها (لانه لم يعد يأمن لها) فهو في النهاية ليس نسخة ثانية من الحسن بن عليّ.

اما الحسين فحاول ان يستعيد السلطة فخرج برفقة 72 مقاتلاً وحوصر من قبل 4000 جندي ارسلهم يزيد، فخارت قواهم قبل ان يدخلوا عليه بالسيف للتخلص منه، فقتل الحسين في كربلاء. مقتدى اليوم يطالب بدم والده وعمه العالم الديني محمد باقر الصدر والذي قتله صدام في عام 1980 برفقة شقيقته فيما صدرت مذكرة ايقاف بحقه من قبل الولايات المتحدة بعد مشاركته في عملية قتل الخوئي الا ان الورقة هذه تستخدم متى ما احتاج لها اعداءه اللذين يفوقونه تسليحاً.

ورغم اختلاف الانظمة ومحاباة بعضها والوقوف ضد القوات الاميركية، الا ان هدف عائلة الصدر ظل واحداً الا وهو اقامة نظام (ولاية الفقيه) في العراق بعد ان طبقت إيران هذا النظام، لكون رائدة منذ قيام الثورة الإسلامية فيها بداية العام 1979.

يقول احد الشيوخ المقربين من الصدر في تصريح لصحيفة كرستيانس ساينز مونيتور quot;خط أتباع الصدرمعروف لدينا لانهم مارسوا السلطة ويريدون العودة اليها بعد ان عانوا كثيرا فيها ومنها، والناس تحترم هذه الرغبة من منطلق هذا التاريخquot;.

وكانصدام حسين شن حملة للتخلص من كل رجال الدين الشيعة، وازدادت حدّة الحملة بعد غزوة الكويت في أغسطس (آب) 1990، ونجح في إسكات أصوات الشيوخ الشيعة التي كانت تسمع من الحوزة في العراق، فخاف معظم أفرادها على حياتهم بدل أن يسيرواعلى (درب الحسين) في الشهادة،بعد أن منحهم الله فرصة حين ولّى عليهم صدام حسين بلباس (يزيد) وهو ما ينطبق على الصدر، الذي اختار وصف صدام بـ(هدّام) بعد اننجحت الولايات المتحدة في إبعادة عن السلطة فيما لم يره أحد قبل ذلك.

وبدأ صدام حسين في التسعينات في الاقتراب من الوالد محمد صادق الصدر وبدأ في استمالته بالمال وجمع التبرعات واغماض عينه عن الاموال التي كانت تذهب الى الوالد قادمة من تبرعات الشيعة اثناء قيامهم بزيارة مراقد الائمة في النجف وكربلاء، وبعد اطلاق الشيعة ما سميت (انتفاضة شعبان) بعيد وقف اطلاق النار الذي اعلنه بوش الوالد اثر تحرير الكويت، ساهم الصدر الوالد في الوقوف ضدها بظهوره عدة مرات في التلفزيون العراقي الرسمي متحدثا لصدام حسين عن حرمة مثل هذه الاعمال.

تفاجأ صدام وقتها من قدرة الدين على قيادة الجماهير في مواجهته، فيما كان هو يقود نظاما علمانيا 100% معتقدا للوهلة الاولى ان العراقيين سيتفهمون انه سيكون جيدا لهم باعتبار تعدد طوائفهم. لكن تزايد الفقر في المناطق الجنوبية كان تربة خصبة لنمو الاتجاهات الدينية، فاطلق عام 1993 الحملة الايمانية من اجل (الدفاع عن الاسلام) ونشره ساعيا بدوره لتجفيف منابع الحركات الاسلامية في المجتمع العراقي فقرر محمد الصدر (الوالد) ارسال شبكة من تلاميذه الى جنوب العراق من اجل تشجيع هذه الحملة ولكن محمد الصدر لم يظل وفياً لفترة طويلة لصدام حسين.

مع حلول عام 1995 كانت العقوبات الاقتصادية قد وصلت الى اخطر المراحل بالنسبة الى النظام العراقي، الذي بدأ يفقد المصادر التي كان يعتمد عليها لتوفير الغذاء لشعبه، وبدأ صدام حسين يعزز السلطات في يديه فاصبح رئيسا للوزراء في منتصف العقد تقريبا ومع هروب زوجي ابنتيه رغد ورنا وجد محمد صادق الصدر ضالته في (اللعب في الساحة الخلفية لصدام حسين المشغول بقضاياه) مطالبا بان يتم استئناف صلاة الجمعة والتي كان الرئيس العراقي صدام حسين قد منعها ما عدا تلك الصلوات التي كانت تقام من قبل شيوخ الدين التابعين للحكومة ومنهم من كان له ظهور لاحقا كشخصيات مرموقة تنتمي الىهيئة علماء المسلمين.

يقول الشيخ جواد الخالصي إن quot;النظام كان يخاف من المعارضة الداخلية، لذلك اراد حصر خطب الجمعة بشيوخ دين يستطيع التحكم بهم. اعتقدواأن صادق الصدر كان ضعيفاً ولكنه نجح في خداعهمquot;.

بدأ الدور السياسي للحوزة في عهد صدام حسين يتطور شيئا فشيئا، فبات هناك حوزتان في العراق، الاولى كانت (الناطقة) يديرها شيوخ دين مقربينمنه والحوزة (الصامتة) والتي كان يقودها اية الله السيد السيستاني، بعد ان كان السيستاني تحت الاقامة الجبرية في اخر عقد من عهد الرئيس صدام حسين حيث تم اعتقاله لادلائه بآراء سياسية.

* المادة مترجمة عن: كرستيانز ساينس مونيتور ونيوزويك الاميركية