تحتجزه إسرائيل في سجونها منذ العام 1977
سعيد العتبة اقدم أسير في العالم

أسامة العيسة من القدس: دخل الأسير الفلسطيني سعيد العتبة (56) عاما، اليوم الأول في عامه الواحد والثلاثين في السجون الإسرائيلية، تاركا وراءه 30 عاما عجافا، ليصبح اقدم معتقل في العالم. ويطلق الفلسطينيون على العتبة، لقب quot;عميد الأسرى الفلسطينيين والعرب في السجون الإسرائيليةquot;، والذي فشلت كل الجهود الفلسطينية السابقة في الإفراج عنه، وحتى بعد توقيع اتفاق أوسلو، عندما عاد قادة العتبة من الخارج ليتسلموا مناصبا رفيعة في السلطة الفلسطينية، بقي هو في السجون، ترفض إسرائيل الإفراج عنه.

وتعود قصة العتبة مع السجون الاسرائيلية، إلى يوم 29 يوليو (تموز) 1977، عندما دهم جنود الاحتلال الإسرائيلي منزل عائلة العتبة في منطقة جسر التيتي بمدينة نابلس، لتعتقل سعيد وشقيقه نضال، والأخير افرج عنه بعد عام، بينما بقي العتبة حتى الان، وتنتظر والدته وداد العتبة (أم راضي) عودته إلى المنزل، في أية لحظة، وما زالت تذكر كيف أنها قبل يومين من اعتقاله، ذهبت لتخطب له إحدى فتيات مدينة نابلس، وتأمل الان، أن يخرج من السجن لتخطب له من جديد، وتطمئن عليه، كما تقول، قبل أن تفارق الحياة.

ولم تتوقف المفارقات في قصة العتبة، انه كان يستعد للخطبة والزواج قبل اعتقاله، ولكن أيضا، في اليوم الذي اعتقل فيه، كانت العائلة تجهز للاحتفال بعقد قران إحدى شقيقاته، فتحول الفرح إلى حزن. وأغلقت سلطات الاحتلال منزل العائلة في أعقاب اعتقال ابنها سعيد، واستمر المنزل مغلقا 17 عاما، لا يسمح لأحد بالدخول إليه، حيث يعتبر اغلاق المنازل الفلسطينية او هدمها، احدى اساليب العقاب الجماعية التي تنتهجها السلطات الاسرائيلية بحق العائلات الفلسطينية التي يخرج منها ابناء يقاومون الاحتلال.

لم تكن أسرة العتبة، تعرف بنشاط سعيد السري في صفوف المقاومة الفلسطينية، وفيما بعد قالت والدته، بأنها فوجئت بنشاط ابنها الذي كان يتميز بالهدوء، وبعد سنوات طويلة قضاها في السجن كتب سعيد شهادة من داخل سجنه كشف فيها عن المكونات التي أثرت في حياته، وغيرت مسيرة شاب فلسطيني، إلى جهة أخرى أودت به إلى السجن وليصبح الان اقدم معتقل في العالم.

وقال العتبة، بان ما غير مسار حياته هو المجزرة التي ارتكبتها الوحدة 101 في الجيش الإسرائيلي بقيادة الجنرال ارييل شارون في القرى الحدودية والتي كان آخرها عام 1966 في قرية السموع بجنوب الضفة الغربية، حيث تخطت الوحدات العسكرية الإسرائيلية خطوط الهدنة مع الأردن التي كانت تتبع الضفة الغربية لها، وارتكبت مجزرة في هذه القرية، وكان للمجزرة صدى كبير آنذاك في كافة أنحاء العالم العربي، بينما اندلعت في الضفة الغربية انتفاضة.

وانضم العتبة إلى تنظيم يساري يتبنى الفكر الماركسي، هو (الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين) التي يتزعمها نايف حواتمة، والتي غادرها العتبة مع الانشقاق الذي قاده ياسر عبد ربه عشية اتفاق أوسلو عام 1993، وتأسيسه لحزب (فدا). ويقول العتبة quot;كان عدوان إسرائيل على قرية السموع جنوب الضفة الفلسطينية في شهر 10 عام 1966 أحد مؤشرات ومقدمات التحضير لعدوانها الأكبر في 5/6/1967 لاستكمال احتلال فلسطين، وكانت انعكاسات عدوان السموع، الانتفاضة الشعبية العارمة التي حصلت عام 1966 في شهر 11 في الضفة الغربية التي كانت جزءاً من الأردن في حينها. وكان سقوط الشهداء والجرحى في أوج الصدام مع الشرطة تتويجاً لأسابيع من الانتفاضة الشعبية وهم من أبناء جيلي الشهداء: يوسف الشحروري، محمود جرادنة والحنبلي وغيرهمquot;.

ويضيف في شهادته التي سربت من داخل السجون quot;كل هذا عكس نفسه على أجيال من الشباب الفلسطيني وأنا واحد منهم. في هذا المناخ كان انضمامي للجبهة الديمقراطية. أخذت في الخارج دورات عسكرية سرية وقمت في هذا الإطار بتنفيذ عمليات تفجيرية وفق ظروف الحرب والصراع. وتم تنفيذ عمليات أوقعت خسائر مادية وبشرية واستمر الأمر إلى حين الاعتقالquot;.

في مثل هذه الظروف، غادر العتبة مدينته نابلس، في رحلة سرية إلى لبنان، حيث تلقى تدريبا عسكريا في معسكرات الجبهة الديمقراطية، وعاد ليشكل خلية نفذت عمليات ضد إسرائيليين أسفرت عن قتل وجرح العديد منهم، وفي شهر تموز (يوليو) 1977، أرسل أحد أعضاء الخلية إلى منطقة قريبة من مدينة يافا ليزرع عبوات ناسفة هناك، ولكن المخابرات الإسرائيلية تمكنت من إلقاء القبض عليه، وبعد تعرضه للتعذيب اعترف بأن سعيد هو رئيس الخلية.

وتم اعتقال سعيد، وتعرض للتعذيب الشديد، وروى بنفسه بعض صنوف التعذيب التي تعرض لها مثل quot;الشبح وقوفاً وربط اليدين بالكلبشات الحديدية ورفعها للأعلى بمستوى رأس الإنسان تقريباً موصولة بشبك الزنزانة الحديدي وإبقاؤه عدة أيام واقفاً على هذه الحالة. هناك أيضاً الضرب المباشر والشبح على الأرض بطريقة تؤدي في كل مرة إلى الإغماء فيقومون برش الماء على المعتقل ليصحو بالإضافة لأسلوب الضغط على الأعضاء التناسلية أثناء الشبح، هناك أيضاً أسلوب إجبار المعتقل على شرب الماء عنوة وعلى جلوس القرفصاء أو الوقوف بهدف إرهاق الجسد والتأثير على الدماغ والجهاز العصبي والعضلي، كما أن هناك أسلوب ربط الأرجل والضرب عليها بعصي خشبية غليظة بشكل منتظم ومتوال تؤدي بعد عدة ضربات إلى الوخز في الدماغ والرأس مباشرة، هناك أيضاً الضرب باليد عن طريق الكف بشكل محدب أو تركها مستوية والضرب على الرأس بضربات قتالية منتظمة من الجهة الخلفية وبشكل مدروس ووفق معيار طبي معروف، بالإضافة إلى الحرمان من النوم والحرمان من الأكل والشربquot;.

وفي شهر حزيران (يونيو) 1978، أصدرت محكمة عسكرية إسرائيلية حكما بالسجن المؤبد عليه، ومنذ ذلك الحين، ووالده تركض وراءه من سجن إلى آخر، كما تقول، ولا تقل معاناتها عن معاناة ابنها في السجن.

وفي داخل السجون، اكتسب العتبة، محبة زملائه، وذلك بسبب ما قيل عن تمتعه بحس وحدوي تجاه باقي الفصائل الفلسطينية، فأصبح حكما بين هذه الفصائل لدى أي خلاف، وبسبب حكمته ودعوته للوحدة الوطنية وتوافقيته، أطلق عليه كنية (أبو الحكم)، أي انه يحكم بالعدل.

ورفضت إسرائيل إطلاق سراح العتبة، في الصفقة التي أبرمتها الجبهة الشعبية القيادة العامة مع إسرائيل، في أواسط الثمانينات، فبقي في السجن يتجرع مراراته، وحرم من وداع والده للمرة الأخيرة، عندما توفي الأخير يوم 13/12/1989، وكان ذلك اليوم موعد الزيارة الشهرية لسعيد، وحضر والده ووصل إلى باب السجن، ولكن قبل أن يدخل لرؤية ابنه، أصيب بجلطة أدت إلى وفاته.

ولم يطلق سراح سعيد العتبة، بعد اتفاق أوسلو 1993، وعاش مع زملائه في السجون ظروفا قاسية بعد انتفاضة الأقصى عام 2000، ومنعت سلطات الاحتلال والدته من زيارته لمدة ستة أعوام.

ومع دخول العتبة عامه الواحد والثلاثين في الاسر الإسرائيلي، تستعد المؤسسات الحقوقية الفلسطينية لتنظيم فعاليات تضامنية معه، ولكن مسالة إطلاق سراحه من السجون، تحتاج لاكثر من الأعمال التضامنية، وتوجد بارقة أمل الان، في أن يخرج من السجن ويعانق الحرية، إذا تم إدراجه في صفقة تبادل الأسرى بين إسرائيل وحماس، أو بين إسرائيل وحزب الله.

أما العتبة، فانه وبعد كل هذه السنوات، ما زال غير نادم على الطريق الذي اختاره قائلا quot;لم تتعبني هذه الرحلة الطويلة مع أن التعب صفة إنسانية، وقد أكون مكابراً لو أنكرت ذلك لكن التعب مسألة نسبية، فإذا كنت تعبت من السجن فهذا لا يعني أني تعبت من حمل قضيتي وقناعاتي التي قادتني إلى السجن. ما زلت أملك الطاقة لأكمل. نحن كشعب لا نملك الكثير من الخيارات. المسألة هي أن نكون أو لا نكون. فإما أن تكمل بنفس الروح وإما أن تسقط وتنتهي كإنسان وكقضية..إن من عاش تجربة السجن يدرك كم هي طويلة وقاسية لكنه يدرك أنه لا مكان للاستسلامquot;.