الأزمة تتصاعد وسفير الرياض في دمشق: يسمع، ويرى، ولا يتكلم
سوريا أحرقت مراكبها والسعودية لن تنتظر quot;رسالة الغفرانquot;
سلطان القحطاني من الرياض:
يعيش السفير السعودي في سوريا أحمد القحطاني وضعًا شائكًا، في ظل تردي العلاقات بين البلدين، على خلفية موقف الرياض من نزاع الصيف الماضي بين حزب الله اللبناني المدعوم من إيران وبين الدولة العبرية الذي رأت فيه الرياض بأنه كان quot;مغامرة غير محسوبةquot; مما جعل دمشق ترد برد أكثر عنفًا على منتقدي تلك المعركة وعلى رأسهم الحكومة السعودية.
ويبدو أن العلاقات بين البلدين الحليفين لأكثر من ربع قرن قد دخلت منعطفًا جديدًا يمكن أن يوصف بأنه أكثر سوءًا عقب التصريح السعودي الرسمي الذي انتقد نائب الرئيس السوري فاروق الشرع وحمله مسؤولية توتر العلاقات بين البلدين، واصفًا حديثه عن دور الرياض بالمنطقة بأنه quot;كلام نابٍ لا يصدر عن شخص عاقل أو متزنquot;.
وبدأت شعلة عود الثقاب الأولى من خلال إجابة الشرع على سؤال لـquot;إيلافquot;، في مؤتمر صحافي في دمشق، حول الدور السعودي في المنطقة وعلاقات بلاده مع الرياض، والتي قال فيها quot; إن الدور السعودي شبه مشلولquot; مشددًا على رغبة سوريا في علاقات قوية ومتينة وإستراتيجية مع السعودية، وهو أمر يحتاج إلى عمل quot;كلا الجانبينquot; على حد قوله.

وقال الشرع إن المملكة العربية السعودية ومصر أساسيتان في التضامن العربي الذي لا بديل عنه، بل وهو شرط لا غنى عنه للتضامن العربي والإسلامي quot;.

ولا تزال علاقات الرياض- دمشق تراوح مكانها دون أن تسجل أي اختراق ايجابي في هذا الملف، على الرغم من اللقاءات التي عقدت بين العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس السوري بشار الأسد على هامش القمة العربية التاسعة عشر المنعقدة في الرياض، وتم خلالها عقد ثلاثة لقاءات ثنائية بين الزعيمين لحل ملفات الخلف العالقة بين البلدين.
وتقول مصادر وثيقة الإطلاع خلال حديث لها مع quot;إيلافquot;، إن الرياض قامت بواجبها البروتوكولي المتمثل في دعوة الرئيس الأسد واستقباله خلال فعاليات القمة الأخيرة التي شهدت اللقاء الأول بين الزعيمين بعد أشهر طويلة من الجفاء، وذلك عقب أسابيع من جلسة مشتركة برعاية مصرية بين وزيري خارجية البلدين في القاهرة ولم تتمكن من إذابة الجليد الصلب.
لقاء الفيصل ndash; المعلّم الذي تم في القاهرة لم يكن سوى quot;مسكن إعلاميquot; لم يتبادل خلالها المسؤولان الكبيران في بلديهما سوى quot;عبارات المجاملة والثناءquot; دون الدخول إلى صلب المشكلة، خصوصًا وأن ذلك اللقاء لم يكن له ترتيب مسبق بل تفاجأ به وزير الخارجية السعودي على هامش اجتماعات وزراء الخارجية العرب.
وتشير المصادر إلى أنه بعد أن شاهد الفيصل نظيره السوري يأتي نحوه متأبطًا ذراع وزير خارجية مصر أحمد أبو الغيط لم يستطع quot;كيسنجر السعوديquot; سوى أن ينهض مصافحًا ومعانقًا وليد المعلم وتبدأ بعدها جلسة quot;لم تستمر أكثر من دقائقquot; على حد قولها، مما يشير إلى أن الرياض حسمت أمرها مبكرًا وقطعت الأمل في موضوع العلاقات الثنائية مع دمشق.
وقال حينها معلق مصري، نقل وصفًا دقيقًا للقاء خلال اتصال هاتفي مع quot;إيلافquot;، إن المعلم quot;لم يكن الرجل الذي ينتظره الفيصل كي يحل المسألة نهائيًاquot; في إشارة إلى أن quot;رجل الخلافquot; الحقيقي لم يكن موجودًا وهو نائب الرئيس السوري فاروق الشرع على حد قوله.
وتعلق مصادر خليجية على هذا الأمر قائلة : quot;لقد أحرقت دمشق جميع مراكبها ومضت بعيدًا جدًا في موضوع مناكفتها لحلفائها السعوديين... العلاقات الثنائية تحتاج إلى أكثر من النيات الطيبة. ويفترض أن تعي دمشق أن حزب البعث لم يبقَ له سوى نقلة واحدة على لوح الشطرنج ويمكن أن يصبح جزءًا من تاريخ المنطقة الماضيquot;.
وتمضي المصادر قائلة في تعليقها على البيان الأخير :quot; لسان الرياض قد تغيّر وسياسة المجاملات ولّتquot;.
ولم تشأ مصادر سعودية رفيعة الإجابة حول طبيعة الخطوة المقبلة التي سيتم اتخاذها إزاء سوريا خصوصًا وأن كل الجسور الواصلة قد انهارت تباعًا منذ الصيف الفائت، وعما إذا كان من المحتمل أن تعلن الرياض سحب سفيرها لتطوي بذلك ملف العلاقات بين البلدين إلى أبد الأبد.
وعلى الرغم من أن السفير السعودي في دمشق أحمد القحطاني يتمتع هذه الأيام بإجازته السنوية التي اختار أسبانيا مسرحًا لها برفقة عائلته وتنتهي بنهاية شهر آب/أغسطس الحالي، فإنه من المرجح أن يقطع هذه الإجازة في منتصفها للعودة إلى سخونة الطقس اللاهب والأحداث المتسارعة في زيارة إلى الرياض قبيل توجهه إلى كرسي عمله في دمشق.
ومع الوقت تحول هذا السفير الذي تعول عليه الرياض كثيرًا في هذه الأزمة إلى quot;أستاذ في الصمت يهوى العمل خلف الكواليسquot; على حد قول مراقبين.
وحسب مصادر وثيقة الإطلاع، فإن خطوة سحب السفير كانت من ضمن عدة خيارات وضعتها الرياض على الطاولة لحظة احتدام الخلاف بين البلدين عقب أيام معدودة من بدء نزاع حزب الله مع إسرائيل ورفض الحكومة السورية مطالب الرياض بالضغط على الحزب لإيقاف المعارك وتجنيب لبنان، البلد الصغير على شرفة المتوسط، خسائر كبيرة في الأموال والأرواح.
وخرج السفير السعودي، الذي جاء من دولة هادئة هي تونس حيث كان سفيرًا لبلاده هناك، من اجتماع مع الرئيس السوري بشار الأسد في ساعات الفجر الأولى، متوجهًا فورًا إلى بلاده بعد أن نقل رسالة سريعة من ملكه حفلت بالكثير من quot;الصراحة المعتادةquot; حسب ما تقول مصادر متطابقة بين الجانبين.
ولكن لماذا الشرع دون غيره لتتهمه الحكومة السعودية بالسعي إلى زعزعة العلاقات بينها وبين دمشق التي طالما كانت محورًا مهمًا في سياستها الخارجية وحليفًا تقليديًا لنحو أربعة عقود؟.. تقول مصادر مطلعة بأن شرارة الخلاف بدأت منذ أن حاول نائب الرئيس السوري انتقاد دور الرياض في إيجاد حل وسط لمواجهة طلب لجنة دولية بالتحقيق مع خمسة ضباط سوريين يشتبه فيأن لهم دورًا في اغتيال الحريري.
وحينها استطاعت الحكومة السعودية أن تجد حلاً وسطًا يقضي بالتحقيق مع هؤلاء في بلد محايد هو فيينا، بعد أن كانت دمشق ترفض أن يتم التحقيق معهم خارج البلاد. وتم ذلك التدخل بعد quot;إلحاح سوريquot; على الملك عبد الله جاء على هيئة quot;ثلاث رسائل خطيّةquot; متتالية تطلب منه حل المسألة.
وطوي الملف بعد أن أرسل الملك مبعوثه quot;جوكر السياسة الخارجيةquot; الأمير بندر بن سلطان، الأمين العام لمجلس الأمن الوطني، إلى دمشق وعدد من بلدان العالم الكبرى تمهيداً لإنهاء تلك الإشكالية في أسرع وقت ممكن، وذلك لأن أي استجواب لهؤلاء الضباط السوريين في لبنان سيكون quot;إهانة لهمquot;، الأمر الذي لن يقبله العاهل السعودي حسب تصريحات له نشرت في حينها.
وحينها أستاء الملك السعودي، الذي يحكم واحدة من كبريات الدول النفطية في المنطقة، من حديث الشرع، صاحب الانتقاد المبطن حول الدور السعودي في استجواب الضباط السوريين قائلاًً بغضب المتسائل : quot; من يقبل أن يهين سوريا ؟.. نحن لا نقبل أن نهينهاquot;.
ولم تمضِ عدة أشهر حتى ظهر الشرع على الخط مرة أخرى منتقداً السياسة السعودية في المنطقة واصفاً إياها quot;بالشخصانيةquot; مما جعل وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل يرد قائلاً إنه لا يعلم عن وجود أي quot;شخصquot; في بلاده يسيء إلى العلاقة مع سوريا، في إشارة إلى أن quot;الشخصانية السياسيةquot; ليست سوى صفة سورية على حد قول محللين.
ويقول خبير خليجي مطلع على تفاصيل الخلاف السوري السعودي من بدايته، رافضاً الكشف عن هويته بسبب حساسية الموقف :quot; في كل خلاف بين البلدين يظهر الشرع كطرف أساسي. إنه يشخصن سياسة بلاده إزاء الآخرين. نحن نعرف أن السعوديين يشيرون بأصابع الاتهام إلى الشرع، لكن السوريين لم يسموا شخصًا واحدًا في المملكة يتحمل وزر عداوتهمquot;.
ويزيد في قوله حول مسببات توتر العلاقة بين البلدين: quot; إن المسألة واضحة... الشرع في سوريا هو الشخص الوحيد الذي يقود الخلاف ويؤججه، أما في الرياض فلا يعرف السوريون أحدًا يمكن أن يتهموه بالعداء الشخصي لهم. المسألة واضحة كما قلت لك. فتش عن ذلك الرجل في دمشقquot;.
وفي حين يشير محللون سياسيون إلى احتمالية وجود quot;دور سوريquot; قوي في إفساد اتفاقية quot;مكةquot; التي تمت بين أقوى فصيلين فلسطينيين هما حركتا فتح وحماس، وكانت ترمي إلى خلق مؤسسة وحدة وطنية تتولى الحكم، فإن مصادر رسمية سعودية رفضت التعليق على هذا النبأ دون إيضاح الأسباب الداعية إلى ذلك.
وخرقت حركة المقاومة الإسلامية حماس المدعومة من دمشق هذه الاتفاقية من خلال تنفيذها انقلابًا على حكومة الوحدة الفلسطينية وشريكتها في الحكم حركة فتح التي كانت صانعة القرار الفلسطيني لأكثر من نصف قرن، وفقدت كثيرًا من وهجها بعد رحيل زعيمها quot;الكارزمائيquot; ياسر عرفات.