استطلاعات الرأي ترجح كفة أوباما لكن المعركة لم تحسم بعد
الصراع بين العقل البارد والقلب الحار

وفقا لاستطلاع لصحيفة يو اس إيه توداي و معهد غالوب
الناخبون الشباب يفضلون أوباما عن ماكين

بلال خبيز: تشير كافة استطلاعات الرأي التي تجريها المؤسسات الاميركية المختصة إلى تقدم باراك اوباما على خصمه جون ماكين تقدماً ملموساً. وثمة في اروقة البيت الابيض والإدارات الرسمية موظفون كبار يحزمون حقائبهم استعداداً للرحيل بعد وصول اوباما إلى البيت الابيض. لكن ما يبدو لافتاً للانتباه ان المحللين المرموقين في الصحف الكبرى، ما زالوا يسلكون في الحيطة ويأخذون جانب الحذر، فلا يرجح اي منهم كفة واحد على آخر في السباق. ذلك ان هؤلاء يعرفون ان المعركة لم تحسم بعد، وان عناصر القوة الجمهورية لم تستنفد بعد كافة اسلحتها. ما من شك أن واقعة كون الادارة الحالية في البيت الابيض يلعب لصالح اوباما الديمقراطي، وذلك ليس متعلقاً بفشل سياسات الرئيس الحالي، فهذا أمر لا يمكن الركون إليه في تحليل عميق ومدقق. انما لأن الحكم، في الانظمة الديمقراطية على وجه خاص، يأكل من رصيد الحاكم.

فالناس تنتخب على الأمل، وحيث إن أي حكم لا يستطيع ان يرضي الجميع دفعة واحدة، وغالباً ما تمس سياسات الحكم كافة الفئات الاجتماعية في مصالحها المباشرة، ليس دفعة واحدة، انما على دفعات متتالية. فأمام كل أزمة واقتراح حل، تجد فئة من الفئات نفسها مغبونة الحقوق، وحيث إن الازمات من سمات النظام الرأسمالي، وليست مرضاً عضالاً ألمّ بها مؤخراً بسبب شيخوختها على ما يشاع اليوم. فإن الحاكم في نهاية سنوات حكمه يجد نفسه قد اضر معنوياً بكل الفئات الإجتماعية، لهذا يعمد الناخبون غير المتعصبين لحزبياتهم إلى التصويت لصالح الوعد القادم على اجنحة التغيير.

هذا من جهة اولى، ومن جهة ثانية، كان لافتاً ان المزاج العام الأميركي يميل إلى تحميل ادارة الرئيس الحالي وزر الازمة الاقتصادية التي تضرب اميركا اليوم، وهذا ما يعلنه صراحة المرشح الديمقراطي باراك اوباما. إلا ان الجمهوريين انفسهم هم من أعاق إقرار الخطة واصاب الاقتصاد الاميركي الكلي بأعطاب بالغة بسبب اعاقتهم تمرير خطة الإنقاذ التي اقترحها الرئيس ووزير الخزانة في جولة التصويت الاولى في مجلس النواب. الامر الذي يعني ان سياسات الادارة الجمهورية كانت سبباً من اسباب الازمة، وان القادة الجمهوريين في الكونغرس ومجلس النواب الاميركيين كانوا سبباً في عرقلة خطة الانقاذ. وهذا من دون شك يعمل في صالح اوباما ويزيد من حظوظه في الوصول إلى البيت الأبيض.

لكن المحللين المرموقين لم يحسموا امرهم كما أشرنا آنفاً. ذلك ان اسلحة الجمهوريين لم تكلّ بعد. والأرجح انهم لم يستخدموها كافة في معركتهم الحالية. والحق ان المتابع للمعارك الرئاسية لا بد وان يلاحظ، ان المرشحين الجمهوريين كانوا دائماً في خطبهم وسلوكياتهم اقرب ما يكونون إلى التصرف بانفعالية لافتة، فيما يغلب على صفات المرشحين الديمقراطيين انهم يخاطبون جمهورهم بلغة العقل البارد. والفارق الواضح بين اوباما وماكين، ان الاول يتحدث بدقة المثقف والعالم، ويتصرف ببرودة تكاد تصل حد السلبية احياناً على حد تعبير محرر النيويورك تايمز، فيما ان ماكين لا يخفي انفعالاته حتى لو كانت ازدراء لجهل منافسه، كما لو انه يريد الإيحاء انه يتحدث بلغة القلب الحار، فيما منافسه يتحدث بلغة العقل البارد. وليس مجدياً في هذا السياق تكرار الحديث عن خطأ ماكين في المناظرة التي جرت بين المرشحين في لفظ اسم الرئيس الباكستاني، او اخطاء سارة بايلن المتعددة في مناظرتها مع جو بايدن. لأن هذه الاخطاء تقع اصلاً في زيادة رصيد الجمهوريين لا العكس.

كان لافتاً للانتباه في المناظرة التي جرت بين بايلن وبايدن اعتماد المرشحة الجمهورية لغة اقرب ما تكون إلى لغة الشارع الاميركي، فيما حرص منافسها على استعمال لغة السيناتورات الرهيفة والمهذبة. وهذا في حد ذاته يوحي للأميركي العادي بأن بايلن جاءت من صفوفه وليست واحدة من صفوة الاميركيين المثقفين والمتعالين كما هي حال بايدن. والارجح ان هذه الشعبوية سوف تلعب لصالحها يوم الانتخاب. لكن نقطة الضعف الجمهورية في الحملة الرئاسية لا تتمثل في بايلن وقلة خبرتها، بل في ماكين وفتوره الذي يكاد يقربه من الديمقراطيين الباردين، فيما يبدو اوباما اكثر حرارة بكثير من المرشحين الديمقراطيين السابقين اللذين هزمهما الشعبوي جورج بوش، اي جون كيري وآل غور.