خلف خلف من رام الله: بصعوبة بالغة تعرف الشاب محمد النادي على معالم عزبة عبد ربه في جباليا البلد شمال قطاع غزة. بعدما غيرت القذائف والصواريخ الإسرائيلية معالمها، فسويت بعض البيوت بالأرض، ونبتت مكانها جبال من الركام والحجارة. ومحمد كغيره من المواطنين خرج صباح اليوم للملمة جراحه والبحث عن بقايا ذكرياته والاطمئنان على أهله وجيرانه، بعد خمسة أيام من حظر منع التجول على المناطق التي وقعت تحت سيطرة الجيش الإسرائيلي شمال غزة. ووسط حالة من التوجس والقلق من عودة الجيش لعملياته العسكرية بدأت فرق الإنقاذ الفلسطينية منذ الصباح بعمليات البحث عن أحياء عالقين بين الدمار في المناطق التي تم الانسحاب منها، بينما إنشغل بعض السكان بالتزود بالمؤن الأساسية تخوفاً من تجدد حظر التجول أو حدوث عملية العسكرية أوسع في الساعات المقبلة. كما تهافت مواطنون آخرون على المستشفيات للاطمئنان على أقاربهم وأصدقائهم الذين سقطوا نتيجة الهجمات، حيث قتل نحو 120 فلسطينياً منذ الأربعاء الماضي، وأصيب أكثر من 270 جريحا. وبفعل المشاهد المروعة التي اتسمت بها شوارع وبيوت وأحياء غزة نسي الكثير من السكان الحصار المفروض عليهم منذ شهور طويلة.

الغارات لم تتوقف

ويسيطر الخوف والتوجس على سكان شمال غزة بسبب تصريحات المسؤولين الإسرائيليين التي تشير إلى أن العملية لم تتوقف، بل أنها ستتواصل من أجل تغيير الوضع القائم، في إشارة لسيطرة حركة حماس على القطاع، واستمرار إطلاق الصواريخ محلية الصنع تجاه بلدات جنوب إسرائيل.

وما يزيد قلق المواطنين ويرفع من درجة تخوفهم أن الغارات التي تنفذها الدبابات والطائرات الإسرائيلية لم تتوقف، وبالونات المراقبة تحلق في سماء القطاع، وتتابع كل ما يجري على الأرض، ولا تتوانى عن إطلاق نيرانها صوب إي هدف تثار شكوكها حوله.

سباق سياسي لتعويض المتضررين

وسياسياً، سارع الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى الإعلان عن رصد خمسة ملايين دولار لتعويض المواطنين المتضررين من الهجوم الإسرائيلي في قطاع غزة، كما جدد عباس دعوته لتهدئة شاملة ومتبادلة مع الجانب الإسرائيلي، أما حركة حماس التي اعتبرت انسحاب إسرائيل انتصاراً لها، فقد قررت حكومتها المقالة في قطاع غزة اليوم خلال جلستها الأسبوعية تكليف وزارة الإشغال بحصر الإضرار الناتجة عن الهجوم الإسرائيلي في مختلف مناطق قطاع غزة. كما قررت الحكومة صرف مساعدة عاجلة لكل بيت مدمر بقيمة 1000 دولار إلى حين استكمال بيانات وزارة الأشغال. وجاء في بيان للحكومة أنه تقرر أيضا quot;صرف مائة دولار بشكل عاجل لكل جريح أصيب في العدوان الإسرائيلي متمنين الشفاء كل جرحاناquot;.

وأكدت الحكومة المقالة التي يتزعمها إسماعيل هنية على دعمها صمود quot;المقاومة الفلسطينية والاستبسال الكبير الذي سجلته في مواجهة قوات الاحتلال مما دفعها للانسحاب من مناطق التوغل دون تحقيق أي من أهدافها المرجوة سوى المجزرة الجبانة في صفوف المدنيين من الأطفال والنساءquot;.

إسرائيليون لأولمرت: حربك لم توقف الصواريخ

أما الشارع الإسرائيلي وبخاصة سكان المناطق التي يطولها قصف النشطاء الفلسطينيين فقد عبروا عن غضبهم من رئيس الوزراء الإسرائيلي أولمرت، بسبب عجزه لغاية اللحظة عن وقف الصواريخ الفلسطينية، التي تواصل سقوطها اليوم.

أما الجانب الرسمي الإسرائيلي فواصل تهديداته، وشهدت جلسة الخارجية والأمن للكنيست التي عقدت قبل ظهر اليوم مشادات كلامية بين رئيس المعارضة بنيامين نتنياهو ورئيس الوزراء إيهود أولمرت،، وبدأ الخلاف بين الرجلين عندما اقتبس نتنياهو من تصريحات اولمرت في الفترة ما قبل تنفيذ خطة الانفصال عن قطاع غزة التي نفذت عام 2005، وقال إن quot;رئيس الوزراء غير متماسك في آرائهquot;. ومن جانبه رد اولمرت أن quot;نتنياهو هو خبير في تشويه الحقائقquot;.

وشدد أولمرت بأن العملية العسكرية في قطاع غزة خلال الأيام القليلة الماضية لم تكن عملية لمرة واحدة، وأكد في تصريحات نقلتها الإذاعة الإسرائيلية العامة أن كل الوسائل واردة بالحسبان وجائزة للرد على الاعتداءات الصاروخية وليست هناك أي وسائل مرفوضة.

هل دفنت العملية السياسية تحت أنقاض غزة؟

ورغم تعليق الرئيس الفلسطيني للمفاوضات مع الجانب الإسرائيلي، وإيضاح رئيس دائرة المفاوضات في منظمة التحرير صائب عريقات أن العملية التفاوضية دفنت تحت أنقاض بيوت غزة، إلا أن إسرائيل على ما يبدو ترى عكس ذلك، حيث أكد رئيس الوزراء الإسرائيلي اليوم أنه يولي أهمية كبيرة للأفق السياسي لكونه وسيلة توفر مرونة قتالية. قائلا: quot;لو لم نخض عملية سياسية لكان المجتمع الدولي يبدي اقل قدر من الصبر حتى حيال رد إسرائيلي معتدل نسبيا على الاعتداءات من غزةquot;.

بينما اعتبر عضو الكنيست يوسي بيلين من حزب ميرتس خلال الجلسة أنه من المستحيل مواصلة المفاوضات السياسية مع السلطة الفلسطينية في رام الله دون التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.

أما نائب رئيس قسم الأبحاث في هيئة الاستخبارات فقد أشار الى ان الصواريخ من طراز غراد التي أطلقت باتجاه اشكلون هي إيرانية الصنع. وأضاف الضابط الكبير أن الفلسطينيين لا يترددون في استغلال السكان المدنيين. زاعما أن quot;عائلة مخرب كانت تقطن في الطابق الثاني من مبنى كان فيه اكبر معمل لإنتاج المتفجرات تم تدميره ولذلك أصيب أفراد هذه العائلةquot;.

عملية واحدة لا تخلق ردعاً

وبدورها أجمعت الصحف الإسرائيلية الصادرة اليوم على أن العملية العسكرية في غزة استنفذت بينما اعتبر بعض المحللين أنها فشلت، وكتب المحلل العسكري الإسرائيلي اليكس فيشمان مقالاً في صحيفة يديعوت الصادرة اليوم الاثنين تحت عنوان quot;هذا هو الوقت للخروج..في عملية واحدة لا نخلق ردعاquot;، يقول: quot;الردع لا يتحقق في عملية محدودة واحدة مهما كانت ناجحةquot;.

وأضاف فيشمان: quot;بشكل عام بعد عملية عسكرية مع كثير من الإصابات تأخذ حماس فترة زمنية معينة كي تعيد ترميم نفسها. في هذا الزمن ستنشغل بقدر اكبر مع نفسها وبقدر أقل معنا: ستنشغل بإعادة التحصين، فحص استعداداتها، اشغال أماكن من قتلوا وأصيبوا ndash; على حساب نار القسام. ولكن محظور التوقع أنها منذ الآن ستوقف النار على إسرائيل. هذا سابق لأوانه الآنquot;.

وبحسب المحلل العسكري الإسرائيلي فأنه في اليومين الأخيرين بدت عند حماس أزمة ذخيرة، وبالأساس قنابل الهاون ولكن أيضا صواريخ القسام. وهذا بفضل نجاح العملية البرية والجوية التي أدت إلى ضربات نوعية لنشطاء فنيين ونشطاء عسكريين: مهندسين، منتجين ومطلقي صواريخ (لدى حماس)، ويضيف: quot;جودة الأهداف التي أصيبت تدل على أنهم في الجيش يتعلمون كيف يتصدون على نحو سليم لسلسلة الإنتاج وإطلاق الصواريخ من القطاعquot;.

ويقول فيشمان: quot;وبشكل عام يسود أوساط الجيش الإسرائيلي رضى في ضوء القدرة المهنية التي أظهرت في هذه العملية في كل المستويات، من قيادة المنطقة الجنوبية وحتى آخر المقاتلين في اللواء. وهم راضون أيضا عن التعاون الوثيق مع أسلحة الجو، البحر، الاستخبارات والمخابرات. هذا ليس أمرا عابرا. الكثير من التدريبات والعمل استثمرت في هذه الجاهزية في أعقاب حرب لبنان الثانيةquot;.

العملية ستفشل

ومن ناحيته، يرى الكاتب في صحيفة هآرتس عوزي بنزيمان أن العمليات العسكرية الإسرائيلية الحالية ستفشل في تحقيق أهدافها لأنها غير حاسمة وغير كافية، وكتب بنزيمان في مقال اليوم الاثنين تحت عنوان quot;على طريق الخيبةquot; يقول: quot;المواطن الصغير يسأل: إلى أين تقود الحكومة الدولة وهل أعدت لنفسها أهدافا محددة من المجابهة مع حماس؟quot;.

ويواصل طرحه للأسئلة: quot;وهل الخطوة العسكرية التصعيدية مشتقة من الأهداف المحددة؟ وإلا يوجد بديل للأسلوب الذي تم اختياره؟ وأفلا يعتبر التفاوض السياسي أفضل؟quot;، ويوضح سبب هذه التساؤلات، مبيناً أنها تأتي نتيحه الإستراتيجية التي تتبعها قيادة إسرائيل، والتي بحسبه تظهر وكأنها تواصل السير على مسارين متعارضين تعطي ضوءاً اخضر للتصعيد الملموس إلا أنها ليست راضية عن ذلك.

ويقول بنزيمان: quot;الخشية هي أن يكون ذات المزاح الذي كان سائداً في أوساط الحكومة في الأيام الأولى لحرب لبنان الثانية قائم اليوم. هي تبنت توصيات فينوغراد وفيها قيادات عسكرية أكثر نجاحاً من عمير بيرتس ودان حلوتس ولكن الانطباع السائد خلال الثمانية وأربعين ساعة الأخيرة هو أن تصريحات هذه الحكومة فارغة وأنها تخطيء في البحث عن الرافعة لتغيير الواقعquot;.

quot;يجب تغيير الواقع السائد من أساسه والطريق إلى ذلك يوجد في واحد من مسارين ndash; عسكري أو سياسي. ان اخترنا المسار العنيف يتوجب الاستعداد له بالقدر الكافي والأدوات القادرة على إحراز الهدف. بكلمات أخرى التصرف بطريقة عسكرية (جواً أو براً) وقوة قادرة على القضاء على قدرة حماس الصاروخيةquot;. كما يقول بنزيمان.

ويتابع: quot;أن كان هذا الهدف غير قابل للتحقيق - بسبب الثمن الفادح في حياة الناس أو لأسباب أخرى - يتوجب اختيار المسار السياسي والشروع في مفاوضات مع قيادة حماس. أن كان هذا الاتجاه غير عملي ndash; بسبب اعتبارات تتعلق بالعلاقات مع السلطة الفلسطينية أو مع الولايات المتحدة أو لأسباب أخرى ndash; يتوجب تفضيل البديل العسكري الواسعquot;.

كما يوضح بنزيمان أن العملية العسكرية الإسرائيلية المحدودة كما تظهر في الأيام الأخيرة هي نصف شاي ونصف قهوة: هي لا تراهن حتى على إحراز وقف إطلاق الصواريخ ولا تتطلع إلى تغيير الوضع من أساسه وهي لا تضع أهدافا واضحة يمكن إحرازها. ويقول: quot;الطريقة الحالية تضع الحكومة في خطر تخيب آمال مواطنيها في المجال الحساس بالنسبة لهم: أمنهم وسلامتهمquot;.

طفلة فلسطينية تحمل علم فتح

عجوز فلسطينية بين الخراب

حماس في الشوارع

أنصار حزب الله في لبنان يتظاهرون

إسرائيليون بعد القصف الفلسطيني على إسرائيل

شاب فلسطيني ينتظر الفرصة

شرطي إسرائيلي

الزهار في مقدمة المتظاهرين