على خلفية تغطيتهما أحداث مجزرة غزة الأخيرة
مقارنة بين الإعلام الفلسطيني والإسرائيلي ليوم واحد فقط

غزة بالصور

مقتل ناشط فلسطيني في قصف اسرائيلي على شمال قطاع غزة

طائرة مصرية تحلق عن طريق الخطأ فوق غزة

اعتراض مروحية مصرية بالمجال الجوي الاسرائيلي

نجلاء عبد ربه من غزة : كثيرًا ما يتحدث الإعلاميّون الفلسطينيون عن قوة الإعلام الإسرائيلية في تأثيره على المجتمع الدولي، وهو المجتمع الذي يعتمد عليه الفلسطينيون من معونات مادية وعينية تصل لنسبة 90% إن لم يكن أكثر.

ولأن المجتمع الدولي لا يعرف معنى كلمة (شهيد)، وهي الكلمة المتداولة في فلسطين، فهو بالتأكيد في حاجة ماسة إلى معرفة من قتل هذا الشاب ولما قُتل وكيف قُتل، وبأي وسائل، وما الدافع وراء ذلك. إعلاميو فلسطين يحاولون بكافة الطرق توصيل رسالتهم الإعلامية التي تخدم مصلحة القضية الفلسطينية، كما يفعل نظراؤهم الإسرائيليون في تسخير الإعلام لمصلحة كيانهم العبري، إلا أن الفرق يكمن كالمعتاد في القيادة السياسية التي تحكم البلد ذاته.

ففي إسرائيل، يهتم القادة السياسيون بالإعلام والتحليل والمقالات المختلفة، وبهم، ينطلقون نحو تغيير سياستهم حسب هؤلاء الكُتاب والمحللين، لأنهم يدركون تمامًا أن المقال لا يعبر عما يخطر ببال الكاتب أو المحلل، وإنما يحاكي ظاهرة أو واقعة في الشارع الإسرائيلي، وبالتالي يجب على القادة الإسرائيليين أن يُعدلوا سياستهم.. هي نظرة متقدمة للقائد، لأنه يدرك تمامًا أن الشارع هو من أوصله إلى هذا المنصب، وهو بالتأكيد القادر على إعادته لما قبل المنصب.

في فلسطين يحاول القادة إثبات قوتهم وقدرتهم على التفوق في كافة المجالات. تجلس مع أحدهم، يحكي لك من الإبرة حتى الذرّة. يشعرنا وكأنه هو مفتاح استقرار العالم أجمع، ولولا وجوده في هذا المنصب لكان لا شيء اسمه فلسطين.

الإعلام الإسرائيلي بدأ معركته في غزة بإظهار صور للعالم نتيجة دمار جزئي ومحدود في بعض منشآتها أو مبانيها في سديروت، وصودف أن قُتل شاب، فجيّش الساسة والعسكر، الرأي العام في إسرائيل والعالم اجمع، أمام الهجمات الفلسطينية المرعبة، وانه لا بد من الرد الطبيعي على قتل الأبرياء الإسرائيليين الذي يسقط كل عام واحد منهم، فهم بحق مظلومون أمام قوة الفلسطينيين، وتأثير صواريخهم المختلفة القصيرة، والطويلة المدى.

وكان لإسرائيل ذلك، فقد أظهر الإعلام هناك عشرات التقارير التي تتحدث مسبقًا عن قوة المقاومة، وعن امتلاكها صواريخ غريبة جدًا، وأن التدريب في إيران يعني ضرورة أخذ كافة الإحتياطات اللازمة تحسبًا من هجوم فلسطيني كاسح نحو المدن الإسرائيلية، ولذلك كان لا بد من ضربة استباقية، تحد من قدرة المقاومة على الهجوم المحتمل.

مسنة فلسطينية تجلس فوق أنقاض منزلها المدمر من الجيش الاسرائيلي

عندنا في فلسطين، كانت وسائل الإعلام تتلقف الطعم المسموم وكأنه الشهد، هم لا يدركون أن وسائل الإعلام تلك تخدم سياستهم، فتجد على سبيل المثال، تباهي كل من حركة حماس والجهاد الإسلامي والألوية والجبهتين وفتح بمدى اعتراف إسرائيل بقوتهم، ومدى تأثير الصواريخ الفلسطينية التي يطلقونها على إسرائيل، على الشعب الفلسطيني. وتجدهم فرحين إذا ما سرّبت الاستخبارات الإسرائيلية تقريرًا يفيد بامتلاك المقاومة صواريخ (غراد)، مسكين هذا الشعب الفلسطيني من قادته لإعلامييه، ينخدعون أمام الإعلام والقادة الإسرائيليين بكلمتين فقط.

الإعلام الإسرائيلي ينتهز فرصة قصف سديروت في كل لحظة، ليُري العالم مدى ضعفه وحبه للسلام، ويثبت أن الفلسطينيين لا يردون تلك اليد الإسرائيلية الممدودة إليهم. وبالطبع يصدقهم العالم.

في المقابل، تعلو التكبيرات المختلفة حناجر الفلسطينيين من ميكرفونات المساجد المنتشرة في غزة، حول نجاح المقاومة في قصف البلدة الإسرائيلية، وتجدهم يطلقون أعيرة نارية في الهواء ابتهاجًا، إذا ما أصيب احد الإسرائيليين.

ولنبدأ بعد هذا الإسهاب المختصر، بالمفيد...!؟

انسحبت الدبابات الإسرائيلية شمال غزة، بعد أربعة أيام من القتل والدمار لحق بالفلسطينيين، تركوا خلفهم إضافة إلى أكثر من 115 قتيلاً، 320 جريحًا العديد منهم في حال الخطر الشديد، ترملت النساء.. وتيتم الأطفال.. وبات شمال قطاع غزة منطقة منكوبة.. من يدخلها ينصدم من حجم الدمار الهائل ومن 115 خيمة للعزاء في مربع صغير لا يتجاوز 10 كيلومترات فقط.

أطفال فلسطينيون يبكون من هول الهجمات الإسرائيلية

الأهم من هذا كله، ان إسرائيل بمجرد انسحابها أعلنت فشل الإجتياح. وإعترفت بهزيمتها بعد مقتل جنديين إسرائيليين من جنودها، وباتت توهم العالم، على الرغم من ارتكابها مجازر بحق الفلسطينيين في غزة، إنها ليست قادرة على وقف إطلاق الصواريخ، وإن الصواريخ الفلسطينية ترعب الأطفال الإسرائيليين والنساء في سديروت. وإن أكثر من 180 ألف إسرائيلي هم الآن معرضون للموت في أي لحظة، لأن الصواريخ الفلسطينية تطورت وأصبحت تصل لمدينة المجدل (أشكلون).

سرعان ما أوجدوا حلاً إعلاميًا يتماشى مع سياستهم العدوانية الطبيعية، فهم أدركوا أن المجتمع الدولي سيدين تلك المجازر بحق الفلسطينيين، وأن الدول المختلفة قد تتخذ قرارات بسحب سفرائها من تل أبيب، خاصة العربية منهم، لذلك كان عليهم أن يعترفوا بالهزيمة والفشل مقابل تهدئة المجتمع العالمي ضدهم.

الفلسطينيون... بمجرد انسحاب القوات الإسرائيلية من المكان خرج العديد من قادتهم بتصريحات (النصر)، ولم يبق أحد من قيادات حماس أو الجهاد أو الألوية، إلا وأعلن النصر المؤزر، وإندحار الجيش الإسرائيلي أمام ضربات المقاومة الموجعة... أي نصر وأي هزيمة!؟

سؤال يثير الإنتباه، وسنحاول الإجابة عليه... إسرائيل معنية بالهزيمة حتى لو لم يصب أحد جنودها بخدشٍ... لمَ؟ هي ستعيد الكرّة مرة ثانية على غزة، وقد تكون هذه المرة في جنوب قطاع غزة، رفح تحديدًا، وقد يصل بها الأمر لاحتلال محور فيلادلفيا، والعودة لمعبر رفح الحدودي مع مصر، وبالتالي، السيطرة الكاملة على غزة، وخنقها.

حركة حماس إعتبرت أنها منتصرة في حربها، فمقتل 115 وجرح 320 لا شيء، كله لله، المهم ألا يصاب احد من قياداتها بأذى، هكذا يبدو الأمر، وإلا كيف يُفسر هذا العدد من القتلى والجرحى والدمار الهائل وتيتم أطفال وترميل نساء، ونقول (إنتصرنا)

هؤلاء القادة يعتقدون أنهم يعيشون في العالم بمفردهم، ولا يعيرون أي إهتمام لما يقولونه. هم في الحقيقة يساعدون إسرائيل على المضي قدمًا في اجتياحاتها وقتلها الفلسطينيين، لأن العالم يفهم القانون العسكري جيدًا، وليس غبيًا.

أي فريق ينتصر على الآخر، إذا فهو منتصر، ومن قتل لا نعترف به، ومن جرح فالمستشفيات كفيلة به.. أما المهزوم، فعلى المجتمع الدولي أن يقف معه ويسانده في محنته. فبمقتل جنديين إسرائيليين إسرائيل مهزومة، ويجب أن يدعمها ويساندها العالم، أما غزة، ولكونها منتصرة... إنتهى الأمر.

أي منطق هذا الذي تتعامل به قيادات غزة.. أنها حقاً مهزلة.. يقتل منا 115 ونقول (إنتصرنا)... ويقتل من اليهود إثنان ويقولون (إنهزمنا).