أيام السيد حسن نصرالله... على باب الخمسين (1/3)
حياة على الهامش... وعيون ترنو إلى الزعامة من باب الدين!

الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله

زيد بنيامين من دبي: اهتزّ الباب من قوّة الضرب عليه، واختلط الخوف بالكباء والهلع. فالزيارات الليلية أصبحت أمر عاديّ خلال فترة كانت تشهد تغييرًا في المناخ السياسي العراقي. وكان صدام حسين قد سيطر على السلطة في بغداد، فيما تحوّل أحمد حسن البكر إلى مجرّد اسم أو صورة معلّقة على الجدران. خلال تلك المرحلة، كان رجال الأمن يسعون لإلقاء القبض على (عباس الموسوي) وهو عرَّاب (حسن نصر الله) الذي كان متواجدًا حينها في مدينة النجف العراقية، وكان لقاءهما الأوّل بالصدفة في النجف وليس في لبنان.

في تلك الليلة، كان الموسوي قد غادر إلى لبنان وتمّ إبلاغ عائلته بأنه لن يسمح له بالعودة إلى بغداد مرة أخرى، فيما كانت أصداء الضربات على الباب قد وصلت إلى حسن نصر الله، كما كانت الأخبار تأتيه من كل حدب وصوب عن اعتقالات في صفوف زملائه الذين كانوا يدرسون في الحوزة العلمية في النجف... فقرر الرجل مغادرة النجف والانتقال الى بعلبك ليلتحق بحوزتها الدينية معلمًا وطالبًا.
سعى الرجل في النجف ومن ثم في قم إلى تحقيق حلمه بأن يكون زعيمًا سياسيًا ودينيًا في لبنان... ويقول نصر الله quot;منذ ان كنت في التاسعة من عمري، كنت أحلم وأخطط لليوم الذي أبدأ فيه عملاً ما اعمله الآنquot;.

نصرالله في الضاحية الجنوبية عام 1992
كان حسن الطفل التاسع لعائلته المكونة من عشرة أطفال (وتشير بعض المصادر إلى أنه الأكبر بين اخوته التسعة) قد ولد في عائلة مزارعة فقيرة في بلدة البازورية القريبة من صور في الثلاثين من آب (اغسطس) من عام 1960. وعمل والده بائعًا للخضار في القرية، وأشرك إبنه حسن في ذلك قبل أن تجبر العائلة على الرحيل عن تلك القرية الواقعة في جنوب البلاد بسبب الفقر وانعدام فرص العمل والحرمان من الخدمات الحكومية، فكان قرار رب العائلة (عبد الكريم) بالانتقال من القرية الى العاصمة بيروت التي لفّها حزام من البؤس والحرمان واللا استقرار. واستقرّت العائملة في منطقة الكارنتينا حيث عاش نصر الله الجزء الأكبر من طفولته الصّعبة.

ولم يكن يعرف عن العائلة ولعها بالدين. بل أكثر من ذلك، كانت بلدة البازورية تعرف بميولها الماركسية والشيوعية وهو ما شكل عامل مفاجئة في ما بعد حين انتمى أحد ابنائها إلى حركة أمل الشيعيَّة. لكن نصر الله كان مولعًا بالدراسات الدينية، على الرغم من أنه عاش حياة عاديّة في مدرسته (النجاح) ثم مدرسة (سن الفيل) في بيروت، وعلى الرغم من انه لم يكمل في أيّ من المدرستين فيما بعد.

ويقول نصر الله quot;حين كنت في العاشرة أو الحادية عشرة من عمري، كنت استعين بوشاح جدتي. كان الوشاح اسودًا ولكنه طويل وكنت ألبسه على رأسي وأقول لمن معي إنني الشيخ، وعليكم الصلاة خلفيquot;. ويعكس هذا الأمر رغبة واضحة لدى نصر الله في القيادة إمّا عن طريق الدين أو من خلال خليط يجمع بين (تشي غيفارا) و(الإمام الخميني).

وترعرع نصر الله قرب الضواحي المسيحيّة لبيروت، في بلد عرف بتعدد طوائفه. إلا أنَّ الحرب الأهلية التي اندلعت أجبرت نصر الله على الانتقال من لبنان إلى النجف، لإكمال دراسته. وفي النجف، التقى بعبَّاس الموسوي الذي سيؤسس في مرحلة لاحقة حركة حزب الله.

وكانت طفولته حاضرة دومًا أمام عينيه،وغالبًا ما يتذكر بيته الذي كان خاليًا من الماء الصالح للشرب او الكهرباء بل حتى انه كان مصنوعًا من القماش وهيكله خشبي او حديدي حاله حال الكثير من اللاجئين الذين انتقلوا الى ضواحي بيروت. ويقول أيوب حميّد أحد الذين عايشوا نصر الله، وهو سياسيّلبناني اليوم، quot;ما زلت اتذكر صوت المطر وهو يرتطم بقطع الحديد، كان الصوت عاليًاquot;.

ويعتقد بأن تأثير الأم كان الأقوى على شخصيّة نصر الله. ويقول نبيل ملهم، وهو سوريّ الجنسية وأعدّ فيلمًا وثائقيّاً عن نصر الله لمجلّة نيوزويك الأميركيّة إن والدة نصر الله كانت تتمتّع بشخصية قوية بينما كان الوالد ذا سمعة طيبة بين الناس. ويضيف quot;كانت كلماتها قوية تأتي من ذلك الوجه البشوش، كانت هناك صلابة في ما يقول ممزوجة بالقناعةquot;.

وكان ارسال نصر الله الى المدرسة نتاج عمل الأم والأب معًا، حيث عملا من اجل جمع المال اللازم لهذا الغرض ويتذكر خالد مصطفى احد زملاء نصر الله في المدرسة، الامين العام لحزب الله حينما كان بعمر الثانية عشرة بالقول quot;لم يكن ليتكلم دون ان يكون واثقًا مما يتفوه به، على الرغم من سنه الصغير إلا ان الجلوس الى جانبه يجعلك تظن ان عمره 35 عامًاquot;.

نصر الله في هذه المرحلة العمرية كان يتحاشى لعب كرة القدم او اي رياضة اخرى واغلب الاطفال كان يمكنهم ان يحكموا عليه، انه فقير، بينما كانت العصابات السنية غالبًا ما تعتدي على الاطفال الشيعة وتسرق ما بجعبتهم quot;كل الشيعة كانوا خائفينquot; بحسب خالد مصطفى.

نصر الله خلال مؤتمر صحافيّ في العام 1993

وجاء انتقال نصر الله الى الكارنتينا بعد اندلاع الحرب الاهلية اللبنانية عام 1975 والتي اشعلت على يد الفلسطينيين في حينها، وكان نصر الله لايزال في الخامسة عشرة من عمره قد التحق بمدرسته الثانوية (مدرسة صور الثانوية) ويعتقد انه في هذه المرحلةمن حياته التحق بحركة أمل.

تحولت الكارنتينا بحلول العام 1975 الى أولى ساحات الحرب الاهلية. وغادر نصر الله وعائلته منزلهم المتهالك، وقرروا الرحيل نحو الجنوب حيث عادت عائلته الى القرية التي جاءت منها، بينما ترك نصر الله لبنان ليغادر الى العراق بعد اندلاع تلك الحرب بفترة قصيرة.

قادته خطاه بالصدفة ليصل الى مدينة قم الايرانية حيث تعتبر المدينة مركزًا ايرانيا لدراسة الاسلام، ويقول احد الذين درسوه والذي رفض الكشف عن اسمه quot;لديه شخصية قوية جدًا، حينما تستمع إليه فهو يطربك، ولكنك حينما تسأله في امور الدين او بعض الامور الدينية سوف تتفاجئ من قلة المعلومات التي لديه، quot;فنصر الله لم يصل الى المستويات الاولى ليكون امامًا شيعيًا.

وأراد نصر الله الظهور في المشهد السياسي بأي ثمن، ولم يكن لديه الوقت للدراسة. كل ما اراده في حينها هو القدرة على ممارسة الحرب بالكلمات فهو quot;طالب جيد في ما يخص اي شيء حول اسرائيل وسياستها وجيشهاquot; بحسب وصف تيمور غوكسيل وهو مستشار سابق في القوات الاممية الموجودة في لبنان والذي التقى حسن نصر الله مرّات عدّة. أما في ما يخص أي استشارة دينية، فإن نصر الله يعتمد بكثرة على توجيهات القيادة الايرانية سواء (اية الله روح الله) الخميني الذي يعتبره مثله الأعلى أو علي خامنئي الذي تلاه عام 1989بعد أن توفيّ الأخير.


المصادر:
مجلة نيوزويك الامريكية (نصر الله الحقيقي 2006)
نصر الله ndash; الامين العام لحزب الله (النشرة الاستخبارية للشرق الاوسط ndash; العدد 6 ndash; غاري غامبيل)
ويكبيديا (حسن نصر الله)
ارشيف جريدة النيويورك تايمز
جريدة الشرق الاوسط اللندنية