من يغلق صندوق الشر الذي فتح منذ شهر؟
الكويت... توتر طائفي ودماء جديدة لجراح قديمة

عبدالله العتيبي: النفسية الكويتية تعرضت لشرخ عميق
مشاري الذايدي: عبدالصمد قدم الإيديولوجيا على الوطن

ممدوح المهيني من الكويت: قبل أكثر من شهر تقريبًا، لم يكن إلا الأشخاص الذين يوصفون بـ quot;مفرطي التشاؤمquot; هم من يقولون إن الكويت تعاني بالفعل من إنقسامات طائفية عميقة. الجميع كان يتحدث عن quot;جيوبquot; أو quot;جماعاتquot; معزولة، وتحتفظ بعقائد نقية وتحارب الطوائف الأخرى. ولكن، وبعد مرور شهر فقط، فإن الحديث الذي كان يردده هؤلاء المتشائمون يبدو أنه هو الكلام الحكيم والأكثر قربًا من الواقع الحالي، وهذا التوتر الطائفي الذي يشغل الكويتيين هذه الأيام لم تحركه quot;الجيوب المعزولةquot; ولكن نواب في البرلمان تم إنتخابهم بطريقة شعبية هم من فعلوا ذلك. فقد قام نائبان في مجلس الأمة الكويتي، هما عدنان عبدالصمد وأحمد لاري، وكما هو معروف، بحضور إحتفالية تأبين القائد العسكري في حزب الله عماد مغنية المتهم بقتل كويتيين وتخطيطه لإغتيال الشيخ الراحل جابر الصباح، ومنذ ذلك الوقت والكويت تعيش أوضاعًا ملتهبة. يقول الصحافي الكويتي عبدالله العتيبي: quot;ما حدث في الكويت خلال الفترة الماضية تسبّب بشرخ في النفسية الكويتية. قد تسمعون كلامًا لبقًا عن الوحدة الوطنية، ولكن كل هذه أكاذيب. الآن الكل يقف خلف درع طائفته الخاصةquot;.

على الرغم من كل المخاوف التي يشعر بها الكويتيون خلال المرحلة الماضية، إلا أن هذا ربما آخر ما كان يفكر به بعض النواب في مجلس الأمة الكويتي، والذي من واجباته أن يؤدي دورًا رئيسًا في استقرار الأوضاع السياسية، إلا أنه، وبشكل غريب، يقوم بدور مثير للقلاقل القومية. فرغم كل المحاولات التي طلبت من النائب عدنان عبدالصمد لكي يقدم اعتذارًا على تأبينه مغنية ووصفه بالشهيد إلا أنه رفض، ولم تخرج من فمه أي كلمة تدل على الاعتذار أو الندم .يقول عبدالله العتيبي :quot; عبدالصمد يدرك على الأقل التهم التي تدور حول مغنية . كان بإمكانه أن يراعي وجدان الكويتيين ولكنه لم يفعل ذلك . ولكن هل عبدالصمد فعلاً بوجدان الكويتيين؟!quot;حتى الآن يبدو أن الجواب هو quot;لا quot;، وهو سيكون كذلك لوقت طويل جدًا. ولكن من المؤكد أن عبدالصمد لا يجرح مشاعر الكويتيين لأنه يريد ذلك، ولكن لأن قناعاته العميقة هي من تفعل ذلك. عبدالصمد معجب بـ quot;مغنيةquot; بشكل لا يمكن التراجع عنه، وهو غير مستعد للتنازل عن إعجابه برجل غير كويتي ومشبوه وملاحق وميت (من المثير ملاحظة أن رجلاً لبنانيًا ميتًا يثير كل هذا الجدل الهائل في الكويت) من أجل أن يهدّأ الأوضاع المتوترة في بلده.

ما صدر عن عبدالصمد لم يكن زلة لسان، ولكن أمرًا مترسخًا في عقله يصعب الاعتذار عنه بسهولة. ولكن كيف يمكن أن يكون نائب برلماني من المفترض أن يكون أكثر وطنية من غيره يملك قناعات يعتقدأغلب الكويتيين أنها تمس شعورهم الوطني، ومع ذلك هو غير مستعد للتنازل عنها. يقول مشاري الذايدي، الكاتب في جريدة الشرق الأوسط والذي لديه إطلاع واسع على الشأن الكويتي: quot;ما دخل عبدالصمد وغيره من النواب في قضية حزب الله ومغنية. يجب أن تكون الكويت هي الأهم بالنسبة إليهم. ولكن الذي بدا واضحًا أن عبدالصمد أخلص للإيديولوجيا حتى لو كانت متعارضة مع الوطنquot;.

ولكن يبدو أن ليس عبدالصمد وحده من النواب هو من قدم الإيديولوجيا على الوطن، فقد أظهر عدد من النواب المعروفين بنهجهم السلفي المتشدد، حماستهم الكبيرة لمحاكمة عبدالصمد ولاري، مدفوعين بعواطف طائفية وليست وطنية. حتى عندما تدخلت الحكومة بعد ذلك واعتقلت عددًا من النواب الشيعة السابقين ورجل الدين حسين المعتوق، ظهرت وكأنها تقوم بعمليات تعسفية متأثرةً بالأجواء الطائفية المشحونة. ولكن يبدو أن كل ما حدث في الكويت خلال المرحلة الماضية لم يكن إلا الدماء الجديدة لجراح قديمة تم تناسيها، ولكنها تتفجر خلال شهر واحد فقط. يقول مشاري الذايدي: quot;من الواضح أن الكويت تأثرت سريعًا بأجواء المنطقة المتوترة المحيطة بهاquot;. لا يبدو أن الكويت ستتأثر لو كانت السويد، ولكنها لم تكن محصنة حتى على أعلى المستويات السياسية، عندما يظهر نواب في البرلمان بهذه الشخصيات الإيمانية المتوترة.

على الرغم من التجربة الطويلة من الديمقراطية التي يتفاخر بها الكويتيون ( في الفترة الأخيرة قل كثيرًا مثل هذا الفخر الكويتي بالديمقراطية بين الناس، باستثناء النواب الذين يبدو أنها تفيدهم كثيرًا)، إلا أنك يمكن أن تسمع الكثير من الكلام البدائي الذي انفجر مع هذه الأزمة عن السكان الأصليين وغير الأصليين والأشخاص الشجعان الذي واجهوا قوات صدام الغازية والجبناء الآخرين الذين فرّوا وعن الطوائف المخلصة للوطن وتلك العميلة. يقول عبدالله العتيبي: quot; في الواقع إن هذه القضية كشفت المكبوت. كل طرف أظهر كشف حساب للطرف الآخر . كل طرف يقول نحن الأكثر أصالة والأكثر إخلاص ووطنية. نحن نعيش في أزمة وجودية فعلاًquot;.

من الأكثر شجاعة ؟!. من الأكثر أصالة ؟!.. كل هذه الأسئلة تكون صالحة داخل قبيلة وليس داخل وطن. ولكن من الغريب أن تسمع هذه الأسئلة من شخصيات سياسية كبيرة داخل البرلمان وخارجه. يقول مشاري الذايدي: quot;الأداء السياسي في الكويت في غاية الرداءة. هناك غطاء الديمقراطية المستورد، ولكن لم تترافق معه ثقافة سياسية ليبرالية. هناك تراجع على مستويات عديدة، ولأن التخلف هو السائد فقد شهدنا بروز الهويات الفرعية مثل الطائفية والعشائريةquot;. كيف يمكن حل مثل هذه الأزمة؟!. يبدو أن الحكومة التي وصف الكثير من الكتاب والمراقبين دورها بالسلبي من كل الذي حصل في الفترة الأخيرة لا تستطيع حتى لو أرادت إنهاء مثل الأزمة المرتبطة بالثقافة الشعبية السائدة، أكثر من ارتباطه بإجراءات على الأرض.

لا يمكن للحكومة أن تقوم بغسيل دماغ للمجتمع الذي تحركه العواطف القبيلة والطائفية وتستبدلها بقناعات ليبرالية تؤمن بقيم العدالة والمساواة والعقلانية، وهي لا تستطيع أن تمنع الناس من التصويت لشخصيات معروفة بتشددها الديني أو القبلي. ولكن هناك من يعتقد أن الحكومة لا تريد مثل هذه الأفكار الليبرالية، وتعمدت أن تقوم بهذا الدور السلبي لكي تجد مبررًا لتفرض قيود جديدة. يقول المحامي والكاتب عبدالكريم حيدر: quot;الحكومة وجدت في ذلك فرصة لتحقق بعض أغراضها. فقد استطاعت أن تكمم الأفواه وتلغي التجمعات وتحد من الحرية الإعلامية. كل هذه أشياء تجلب لها الصداعquot;.

وفي الواقع أن تدخلها المتأخر بدا متعسفًا ومرتجلاً وقدمت بعض الاتهامات البوليسية مثل التهمة المطاطة التي وجهت للنائب السابق عبدالمحسن جمال واتهمته بالاتصال بقناة العالم الإيرانية وترويجه لأخبار كاذبة. وتنتشر في الصحف الكويتية بشكل مستمر العديد من المقالات التي تحذر من التراجع الحاصل في حرية الرأي والتعبير.

في الكويت، الكل الآن خائف لأسباب عديدة. هناك من يخاف من تصاعد التوتر الطائفي، وهناك من يخاف من أن تقيد الحكومة حرية التعبير، وهناك من يخاف من مجلس الأمة الذي تحركه النزعات الطائفية والعشائرية والمصلحية. في الكويت يمكن أن تشعر بالخوف والحب تجاه الشيء نفسه. تحب الحرية التي تجعلك تعبر عن رأيك بصراحة، وتخاف منها لأنها تسمح لشخص بأن يرفع صورة لخامنئي بحجم 6 أمتار. كيف يمكن تنقية الديمقراطية الكويتية المعقدة والمشوهة والمليئة بالشوائب والتي لا يريد أحد التنازل عنها ؟!. يقول الصحافي عبدالله العتيبي :quot; الجواب طويل ومعقد أيضًا. ولكن من يغلق صندوق الشر الذي انفتح الآنquot;.