دراسة للعسكرية الأميركية تكشف الأسباب التي ادت الى هزيمة صدام (1/6)
حينما وجدت لعبة الثورات والعنف سيدها صدام حسين في العراق

زيد بنيامين- إيلاف: quot;نحن هنا لنخدم الشعب وليس لقتلهم، ولكننا في الوقت نفسه لسنا أناسا طيبين واي شخص من افراد الشعب يحتاج للصفع سنصفعه، والاكثر.. والاكثر سنقطع رأسه من اجل ان نخدم 15 مليون اخرين، لو كان ذلك ضرورياًquot; .. هذا ما كان يقوله صدام حسين في حديث له مع اقرب مساعديه في مناقشات عقدتها القيادة العراقية بعد الهجوم الذي حصل على سفينة يو اس اس سترايك في الخليج في 27 مايو 1987 بحسب شريط حصلت عليه القوات الاميركية لدى دخولها الى العراق..

اليوم يستذكر العراقيون الذكرى الخامسة للحرب التي شهدها العراق وكانت اخر حروب الرئيس العراقي السابق صدام حسين قبل ان يتم خلعه عن السلطة .. وزارة الدفاع الاميركية بدورها اسندت مهمة البحث عن الكيفية التي حارب بها العراقيون خلال الفترة الممتدة من فجر العشرين من مارس وحتى التاسع من ابريل وتحديداً كيف تعاملت القيادة العراقية مع هذه الحرب وقد وضع الدراسة كل من كيفن وودز ومايكل بيس ومارك ستوت وويليامسون موراي وجيمس ليسي من مركز دراسة العمليات التابع للقوات الاميركية والذي يختص باستخلاص العبر من الحروب التي تخوضها الولايات المتحدة..

وتحتوي الدراسة فصلاً مهما عن طريقة تصرف القيادة العراقية خلال الحرب وكيف اثرت شخصية صدام حسينفي تحقيق نصر سريع للولايات المتحدة وكيف كان الامر عبارة عن سلسلة من الاحداث بدأت منذ ولادة الرئيس العراقي السابق وحتى اللحظة التي اطلقت فيها شرارة الحرب الاولى..

كان صدام حسين وحزب البعث نتاجاً لمنطقة عرفت بالعنف في تاريخها الحديث ، وكان العنف في السياسة لا ينفصل عن العنف في المشهد العام... ومن هذين المشهدين المتداخلين في تفاصيلهما جاء صدام حسين ، فالرجل لم يكن نتاجاً للعنف لكنه كان سيداً ايضا... نجح في العمل على انتاجه طوال سني حكمه..

في بيئة شابها العنف ... وصل صدام حسين الى السلطة وكانت طريقة وصوله الاقوى، والاقسى، وبينت في الوقت نفسه مدى عزمه على التمسك بها ، عبر طرق اعتبرت مزيجاً من خبرة هتلر وستالين وبهما تقاس قساوة الرجل ولا ينفصل كل ما ذكرناه في الاسطر عن الطريقة التي تعامل بها الرئيس العراقي وجيشه مع اخر الحروب العسكرية في تاريخهم .. اذا حاول اي باحث دراسة ذلك .

العراق بدوره .. وهو مهد الحضارة ... فقد قدم تاريخا طويلاً من الاحداث .. فذلك الوادي الممتد بين دجلة والفرات والذي يعد نتاجاً لهما قد شهد خطوات الحضارة الاولى وكان مكاناً لميلاد الامبراطوريات الاولى في التاريخ .. واول الجيوش، وكذلك اولى الحروب التي سجلها التاريخ... فالجغرافية صنعت تنوعاً حضاريا على تلك الارض كما صنعت غزوات لا تعد ولا تحصى ..

منذ نشوء وتطور سومر .. كانت تلك الارض مطمعاً لكل الجيران، وحين نجحوا انشأوا على ارض العراق امبراطورياتهم الخاصة من اجل ان يتم احتلالها من قبل غيرهم تاركين اجزاء من تاريخهم واسوارهم لتكون شاهدة عليهم في كتب التاريخ..

تلك الارض شهدت وجود الكلدانيين، الاشوريين، المديانيين، الفرس، اليونانيين، الرومان، العرب، المغول، العثمانيين الاتراك واخيراً البريطانيين الذين كانوا طريقاً لتأسيس العراق كما عرفناه ..

اسس البريطانيون العراق بعد ان نجحوا في التخلص من العثمانيين الذين انهارت امبراطوريتهم في عام 1918 ، كانت الفكرة البريطانية هي انشاء امبراطورية عراقية جديدة يحكمها العسكر، ولكن وجود ثورة عراقية كان ابرز افرادها وقادتها من الشيعة في عام 1920 تسبب في تغيير الفكر البريطاني (العسكري على الاقل) بعد ان ذاق خسائر كثيرة

وقد تم اخماد هذه الثورة بعد ايام صعبة عاشتها العسكرية البريطانية.. كانت تلك الحركة قد اضافت الكثير الى الوطنية العراقية والسياسة العراقية عموماً وهو الامر الذي قاد بريطانيا الى الاعتراف باستقلال العراق عام 1932 ...

الاستقلال الذي تحقق العام 1932 كان اسمياً فقط ، فملك العراق تسلم التاج من بريطانيا مع جملة من الوعود التي منحت للعائلة الهاشمية والاقلية السنية في البلاد والتي اختيرت لحكم البلاد من قبل البريطانيين خلال الحرب العالمية الاولى، وكان العراق الجديد مقسماً بين العرب والكرد والعديد من المجموعات العرقية الصغيرة بعد ثلاثة الاف سنة من التحولات ، لكنه في الوقت نفسه نجح العراق في ايجاد توليفة بين الانقسامات الدينية التي عاشها وخصوصا بين الشيعة والسنة.

كان السنة في العراق هم القضية التي ناضلت من اجلها الامبراطورية العثمانية لابقاء حكمها في العراق ولكن الشيعة هم من ترك الحكم وقتها للاخرين لانهم كانوا كرماء،ولكن بتوالي الايام كانت ولاءات العراقيين قد تحولت الى العشيرة وقادتهم المحليين وكان هذا الامر غير كاف بالمرة لاقامة دولة خصوصا وان المواجهات العشائرية تزايدت مع الزمن وحل الدم مقام الحوار..

كانت اولى التحركات العسكرية التي شهدتها الدولة العراقية الجديدة تتلخص في (كسر رأس) الاكراد في الشمال خصوصا في الموصل، كان الاكراد قد شنوا حرباً شعواء وابادة جماعية عام 1933 ضد الاقليات العرقية في البلاد وخصوصا الاشوريين من اجل فرض كلمتهم في عراق متغير وناشئ وتلك الحادثة تحديداً ادخلت الجيش العراقي الى الفضاء السياسي، وازداد هذا التدخل تدريجياً...

بين عامي 1936 و 1941 شن الجيش العراقي 6 محاولات انقلابية ناجحة ومثلها و اكثر فاشلة ضد الحكم في بغداد، واخبر تلك المحاولات تمت في عام 1941 من اجل جلب الحكم النازي الى العراق في وقت كانت القاعدة البريطانية في العراق قد اصبحت اقوى .

نجحت القوات البريطانية في وضع حد سريع للانقلاب العسكري الاخير في مايو 1941 وقررت ان تحكم العراق في ما تبقى من الحرب العالمية الثانية على الطريقة العثمانية ..

كان النجاح البريطاني في القضاء على الانقلاب قد شكل اهانة واضحة للجيش العراقي الذي قرر البقاء بعيداً من المشهد السياسي حتى العام 1958 حينما نجحت مجموعة صغيرة من الضباطفي قلب نظام الحكم الملكي في بغداد وانشاء نظام قريب من الجمهورية او (جمهوري على الطريقة العراقية) تلخص في حكم دكتاتوري يدار من قبل مجموعة طموحة من الضباط وهو ما استنسخه الرئيس العراقي السابق صدام حسين في نظامه ولكن بشكل اكثر تطوراً وبدل ان يكون هناك مجموعة من الضباط ... سيكون النظام هو له وحده.

في ظل تلك الدولة الناشئة وفي ظل ذلك الجيش الذي بات يعاني نتائج انقلاب 1941 ظهر حزب البعث العربي على الساحة العراقية.. ونجح في التأثير على ساحة واسعة من العراقية .. ففي بداية الثلاثينات نجح اثنان من السوريين وهما اللذان درسا على يد الفرنسيين وكانا يدعيان ميشيل عفلق وصلاح الدين البيطار في تطوير صيغة لحزب تعتبر ماركسية وسطية مخلوطة بأعلى درجات الوطنية الهتلرية وهي الخلطة التي وجدت لها ارضية في كل من سوريا والعراق ..

أمن حزب البعث يعتقد ان على الدول العربية العودة الى اصلها الذي جاءت منه (عبارة عن دولة واحدة) وان لها الحق في قيادة الحضارة على مستوى العالم.. وفي انقلاب العام 1958 العسكري الذي انهى وجود العائلة الهاشمية في العراق لم ينجح الزعيم عبد الكريم قاسم في ان يبسط سيطرته على العراق .. فاستفاد حزب البعث من الفوضى وجاء الى السلطة في عام 1963 ..

في ذلك الوقت تحديداً لم يكن لحزب البعث البنية التحتية او القدرة على الحفاظ على تلك السلطة فنجح انقلاب داخل القيادة العراقية في ابعاد الحزب عنها وعاد الحكم الى الجيش مرة اخرى.

قرر البعثيون بعد نكسة نوفمبر 1963 الانزواء بعيداً ولعق جراحهم والتعلم جيداً من ذلك الدرس، وكان احد الناجين من تلك المحرقة.. رجل عاش ايامه مشرداً في الشوارع .. تلك الشوارع التي علمته الكثير، اسم ذلك الشاب صدام حسين .. ومن تلك الشوارع تعلم القسوة، واستخدمها من اجل توجيه الضربات الى الحكم القائم وليدعم حركته التي بقيت بالعافية على قيد الحياة..

في الحلقة الثانية...
صدام حسين استفاد من فشل البعث ليزيد قسوته...
كيف حول صدام جمهورية العراق الى (جمهورية الخوف) ...
كيف بدت خطط صدام الاولية لغزو الكويت عام 1990...